العدد 2356 - الإثنين 16 فبراير 2009م الموافق 20 صفر 1430هـ

قراءة وتحليل لموازنة السعودية العام 2009

جاسم حسين jasim.hussain [at] alwasatnews.com

تعتبر موازنة العام 2009 الأكبر في تاريخ المملك العربية السعودية ما يؤكد أن السلطات مصممة بتحقيق نمو اقتصادي يتناسب وحجم التحديات المرتبطة بمسألة الأزمة المالية. وتبلغ المصروفات المقدرة للسنة المالية 2009 نحو 126 مليار دولار مقابل إيرادات قدرها 109 مليارات دولار؛ ما يعني توقع تسجيل عجز مقداره 17 مليار دولار. ويشكل العجز في حال حدوثه الأول من نوعه منذ العام 2002 ومرده تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية؛ فقد تدنى متوسط سعر النفط من 147 دولارا للبرميل في منتصف العام 2008 إلى أقل من 40 دولارا للبرميل في مطلع العام 2009.

عودة العجز

يعد العجز المتوقع أمرا غير عادي؛ لأنه يشكل نحو 4,5 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية ونحو 3,1 في المئة من الناتج المحلي بالأسعار الثابتة. ويتناقض مستوى العجز مع التزامات المملكة بأحد شروط الاتحاد النقدي الخليجي المزمع إطلاقه في العام 2010. ويتضمن مشروع الاتحاد النقدي مجموعة من المعايير تشمل تقييد الدين العام بنسبة 60 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي. كما أن الدول ملزمة بضمان عدم ارتفاع العجز في الموازنة العامة بنسبة 3 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي. بحسب مجموعة «الإيكونومست» البريطانية، يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للسعودية 382 مليار دولار بحسب أسعار السوق لكن 555 مليار دولار استنادا لمبدأ القوة الشرائية؛ الأمر المؤكد هو أن الأوضاع المالية للعام الجاري تختلف مع تلك التي كانت سائدة قبل عدة سنوات عندما كانت أسعار النفط ترتفع بشكل تدريجي. بمعنى آخر، من الممكن فعلا تسجيل عجز في موازنة 2009 في حال بقيت أسعار النفط متدنية. وتسببت الأزمة المالية في تدني أسعار النفط وذلك على خلفية تراجع النمو الاقتصادي وبالتالي مستوى الطلب.

مخصصات التنمية

حقيقة القول، لا بد من الإشادة بقرار الحكومة بزيادة مصروفات السنة المالية 2009 بنسبة 15 في المئة عن تلك المقدرة للعام 2008؛ أي من 126 مليار دولار مقابل 109 مليارات دولار (وفي نهاية المطاف تم تسجيل زيادة في نفقات 2008 بواقع 27 مليار دولار)؛ بل من شأن هذا التطور تعويض جانب من التراجع المتوقع لاستثمارات القطاع الخاص على خلفية تداعيات الأزمة المالية العالمية المستمرة. والأهم من ذلك، قررت الجهات الرسمية تخصيص 60 مليار دولار للمصروفات التنموية ما يشكل أكثر من 47 في المئة من حجم المصروفات و55 في المئة من حجم إيرادات 2009.

كما خصصت الموازنة 25 في المئة من نفقاتها للتعليم فضلا عن 11 في المئة للصحة. ومن شأن هذه الخطوات تعزيز مكانة المملكة على مؤشر التنمية البشرية. نالت السعودية المرتبة رقم 55 على مؤشر التنمية البشرية للعام 2008 والصادر من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من بين 177 بلدا مشمولا في التقرير. تعد هذه النتيجة الأسوأ بين دول مجلس التعاون الخليجي الست على رغم تقدمها بواقع 6 مراتب في التقرير الأخير. ويعتمد مؤشر التنمية البشرية على ثلاثة متغيرات وهي، العمر المتوقع عند الولادة، ونسبة المتعلمين، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. يوفر تقرير التنمية البشرية للعام 2008 والذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للعام إحصاءات عن 177 بلدا في العالم؛ أي عدد البلدان المشمولة في التقرير السابق.

تعزيز التنافسية

بمقدور الزيادة في المصروفات تحقيق جانب من الأهداف التنموية للخطة الخمسية الثامنة والتي تشمل إيجاد عشرات آلاف من الوظائف والتي تناسب وتطلعات المواطنين. كما من شأن زيادة المصروفات المساهمة في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي. بحسب تقرير التنافسية الاقتصادية للعام 2008 والذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، تحتل السعودية المرتبة رقم 27 دوليا على قائمة أكثر الاقتصادات تنافسية في العالم. وقد تقدمت السعودية 8 مراتب في غضون سنة واحدة ما يعكس نجاح سياسيات الإصلاحات الاقتصادية والهادفة إلى جعل الاقتصاد السعودي من بين أفضل 10 اقتصادات جذبا أو تنافسية في العالم.

استنادا إلى تقرير الاستثمار العالمي للعام 2008 الصادر من قبل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو (الأونكتاد)، استقطبت السعودية أكثر من 24 مليار دولار في العام 2007؛ أي الأعلى في منطقة غرب آسيا والتي تشمل دول مجلس التعاون الخليجي.

نتائج مثالية في 2008

تشير النتائج الأولية إلى تحقيق أرقام قياسية في السنة المالية 2008؛ فقد ارتفعت الإيرادات بنسبة 144 في المئة من 120 مليار دولار إلى 293 مليار دولار. كما زادت النفقات بنحو 25 في المئة من 109 مليارات دولار إلى 136 مليار دولار. وعليه تم تسجيل فائض قدره 157 مليار دولار. بالمقارنة، تم تسجيل فاض قدره 48 مليار دولار في العام 2007 فضلا عن 71 مليار دولار في العام 2006 (الأعلى في تاريخ المملكة آنذاك).

وخيرا فعلت الجهات الرسمية بتوظيف جانب من الفائض المالي للتقليل من حجم المديونية العامة والتي هي محلية أصلا. وعلى هذا الأساس تراجع مؤشر الدين العام من نحو 19 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2007 إلى أقل من 14 في المئة في العام 2008. شكل الدين العام نحو 87 في المئة من الناتج المحلي في العام 2003.

وتعتبر الموازنة العامة مسألة حساسة في السعودية؛ لأنها تشكل نحو ثلث الناتج المحلي بالأسعار الجارية. وعليه من شأن زيادة أو تقليص النفقات العامة التأثير بكل مباشرة على المؤشرات الاقتصادية. كما تتخذ مؤسسات القطاع الخاص من الاستثمارات الحكومية التوجهات الاستثمارية للدولة. نأمل أن تنفذ السلطات المصروفات المقررة على رغم التعقيدات المتعلقة بالأزمة المالية العالمية

إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"

العدد 2356 - الإثنين 16 فبراير 2009م الموافق 20 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً