العدد 563 - الأحد 21 مارس 2004م الموافق 29 محرم 1425هـ

ماذا تريد أميركا؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في الذكرى الأولى للحرب على العراق قام وزير الخارجية الأميركي كولن باول بجولة على المنطقة بدأت في باكستان وانتهت في الكويت. ففي هذه الجولة قال باول الكثير من الكلام وتكرر ما سبق وقاله وأضاف عليه بعض الجديد من نوع «ان باكستان حليف استراتيجي للولايات المتحدة» أو «ان الإصلاحات مسألة داخلية ولا تفرض من الخارج»... وغيرها وغيرها من كلام يقال اليوم ويقال عكسه غدا. فالإدارة الأميركية الحالية كثيرة التعارضات وأحيانا تبدو في منتهى الجدّية وأحيانا أخرى تبدو متسرعة في خطواتها وقلقة على مستقبلها المهدد بالسقوط في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

عموما يعتبر باول العاقل الوحيد بين حفنة من المجانين الايديولوجيين. فباول يتحدث سياسة في زمن الحرب ويعرف تماما ان التاريخ لا تصنعه القوة فقط بل هناك الكثير من الأمور التي تصنع السياسة.

وباول يدرك أنه لا يكفي بعد سنتين من الحرب على أفغانستان القول إن القوة الأميركية (العسكرية) أسقطت حكم طالبان. فهذا الأمر لا يكفي لتحقيق التوازن والعدالة وبناء دولة تقوم على قواعد الدستور والتنمية. فإسقاط طالبان لا يعني نهاية التاريخ بل بداية مرحلة جديدة في تاريخ أفغانستان. وإذا مرت فترة طويلة على «المرحلة الجديدة» من دون ان ينجز المطلوب على مختلف المستويات فالنكوص إلى الوراء يصبح من الاحتمالات المطروحة.

وفي أفغانستان يمكن القول إن البلاد لم تشهد تلك النهضة التي وعدت بها أو على الأقل لم تتحسن أحوالها وخصوصا في تلك القطاعات التي لها صلة بالإنتاج والعمل والاستثمار. التطور الوحيد الذي شهدته أفغانستان بعد طالبان هو عودة زراعة الافيون وازدهار تجارة المخدرات التي كادت ان تضمحل في الفترة السابقة. هذا لا يعني أن طالبان أفضل، إلا أن تأخر تنفيذ الوعود قد يسفر مستقبلا عن انتكاسة جديدة تعطي المبررات لكتلة سياسية للنهوض من بين الأنقاض. وأفغانستان في وضعها الحالي جاهزة لكل الاحتمالات وخصوصا ان الدولة فشلت في التمدد وفرض وجودها على مختلف دويلات القبائل المنتشرة في طول البلاد وعرضها.

وباول يدرك أيضا أنه لا يكفي القول بعد سنة من الحرب على العراق ان القوة العسكرية أسقطت صدام من الخارج ورفعت عن كاهل الشعب هذا الكابوس. فهذه نقطة من بحر من المشكلات التي يعاني منها المجتمع. فالعراق بحاجة إلى رؤية واضحة لمستقبل البلد في فترة ما بعد صدام. وفي حال تأخر البديل الملموس فان احتمالات النكوص إلى الوراء ليست مستبعدة في حال وصل الناس إلى مرحلة اليأس من الحاضر.

كذلك لا يكفي ان يقول باول «إن الإصلاحات المطلوبة للدول العربية لن تفرض من الخارج». فهذا النوع من الكلام يريح الأنظمة قليلا لكنه لا يرفع عنها القلق الدائم من خطط واشنطن في فترة تبدي فيها إدارة البيت الابيض قلة اكتراث بالموضوع الفلسطيني وتسجل سلسلة تراجعات لمصلحة المشروع الإسرائيلي (الشاروني).

ماذا تريد أميركا من أفغانستان والعراق وفلسطين والمنطقة العربية؟ سؤال مهم. والاجابة عنه بشكل واضح تزيل الكثير من العقبات وتضع العربة على سكة الحديد كما يقال.

حتى الآن تبدو أميركا غير واضحة في استراتيجيتها. فهي تقول الكلام وعكسه وتغطي أهدافها السياسية والاقتصادية وأطماعها في الطرق التجارية والمواقع الجغرافية والثروات الطبيعية بكمية من الأوراق الفكرية صاغها جهلة بتاريخ الأمة وماضيها وتراثها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها وتكوينها الاجتماعي والتنظيمي وآليات صنع السياسة فيها. ومثل هذا الخلط بين الأهداف والوسائل يسهم في إثارة البلبلة والشكوك ويشوش على رؤية الكثير من أبناء المنطقة وخصوصا تلك الفئات المتعاطفة مع «النموذج» الأميركي.

ماذا تريد واشنطن من العراق مثلا؟ تحديد الجواب يساعد على تقديم تصور عن نسبة نجاح الولايات المتحدة في مهمتها. فاذا كان ما تريده هو بالضبط ما حصل ويحصل في العراق فيمكن القول إن مهمتها نجحت على مختلف المستويات. وإذا كان هدف واشنطن هو إثارة الفوضى وزرع بذور الفتنة وابقاء الشعب العراقي في حال قلق نفسي وتوتر أمني وتعطيل امكانات إعادة تأسيس الدولة فيمكن القول إن أميركا نجحت. اما إذا كانت طموحاتها تهدف فعلا إلى الاستقرار والأمن والديمقراطية والدولة العادلة والتنمية والتطوير، فيمكن ملاحظة أن الحرب فشلت لأن ما يحصل يعاكس هذه الأهداف.

جاء باول إلى المنطقة ورحل، وقال الكثير من الكلام المتناقض، ولكنه لم يجب عن السؤال: ماذا تريد أميركا من المنطقة؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 563 - الأحد 21 مارس 2004م الموافق 29 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً