العدد 562 - السبت 20 مارس 2004م الموافق 28 محرم 1425هـ

الأمن الألماني: تفجيرات مدريد من عمل «إيتا»

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

انفجر نقاش حاد بين مختلف المراجع السياسية والحزبية في ألمانيا عقب التفجيرات الدامية في العاصمة الإسبانية عما إذا كانت ألمانيا مستعدة ما فيه الكفاية لمواجهة كارثة من هذا النوع أو الحيلولة من دون وقوعها. ويعتقد المراقبون أن تفجيرات مدريد ستدفع الحكومة الألمانية لاتخاذ إجراءات أمنية مشددة زيادة عن الإجراءات التي يجرى العمل بها بعد وقت قصير على وقوع هجوم الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر على الولايات المتحدة. ويعاني العرب والمسلمون على الأكثر من هذه الإجراءات. وأكد وزير الداخلية الألماني الاتحادي أوتو شيلي أن سلطات الأمن المحلية اتخذت كامل الاحتياطات اللازمة لكنه قال أيضا إنه ليس هناك ما يشير إلى وقوع اعتداء على غرار ما حصل في مدريد واسطنبول داخل ألمانيا. وتطالب المعارضة بإشراك القوات المسلحة الألمانية (بوندسفير) في حماية الأمن الداخلي ووضع نقاط تفتيش أمام مداخل محطات القطارات الرئيسية حسب النظام المعمول في المطارات لكن الحكومة الألمانية أكدت أنها لا تقلل من أهمية العناية بالأمن الداخلي ولا تجد ضرورة لإشراك القوات المسلحة في مهام يفترض أن تكون من مهمات الشرطة والبوليس السري. وقال مصدر حكومي عال المستوى أن ألمانيا تتابع باهتمام كبير نتائج التحقيقات الجارية في مدريد للتوصل إلى الجهة التي ارتكبت أبشع جريمة في تاريخ إسبانيا الحديث وإذا كانت منظمة «إيتا» الطرف الجاني فإن الوضع سيكون أسهل لو تبين أن الجريمة من عمل منظمة «القاعدة» الأمر الذي يكشف عن تطور خطير على صعيد الأمن في أوروبا. ويقر دبلوماسيون أن سلطات الأمن الإسبانية تواجه الضغط لأن الرأي العام الإسباني وكل الأوروبيين بحاجة ماسة للتعرف على مرتكبي جريمة مدريد. ويجرى التحقيق في اتجاهين: أولا باتجاه منظمة «إيتا» التي تطالب باستقلال إقليم الباسك عن إسبانيا وفرنسا وثانيا باتجاه «القاعدة». وقال مصدر أمني ألماني عالي المستوى: إننا نعول فقط على التحقيقات التي يقوم بها الإسبان. وكانت الحكومتان البريطانية والألمانية قد عرضتا على حكومة رئيس الوزراء الإسباني خوسيه أثنار المساعدة في التحقيقات.

هل فعلتها «القاعدة»؟ لو أنها الجهة الفاعلة فإنه يكون أول اعتداء دامٍ والأكبر من نوعه تنفذه «القاعدة» في أوروبا. ولم ينس الأوروبيون بعد أن أسامة بن لادن حذر عددا من الدول الغربية بينها إسبانيا في إطار تهديدات وجهها إلى الدول التي ساعدت الولايات المتحدة في غزو العراق واحتلاله ولها قوات متمركزة في هذا البلد. وتشكل القوات الإسبانية عماد فرقة عسكرية لعدد من دول أميركا الجنوبية تتمركز في جنوب بغداد قوامها 2500 جندي. إذا صح أن «القاعدة» وراء تفجيرات مدريد تكون نجحت للمرة الأولى في توجيه ضربة مؤلمة جدا لواحدة من أبرز الدول الأوروبية بعد التفجيرات الأخيرة التي وقعت في مدينة اسطنبول وبهذا تكون هذه المنظمة قد تحدت كل إجراءات الأمن التي يجرى العمل بها في دول الاتحاد الأوروبي إذ نجحت سلطات الأمن الأوروبية بمنع حدوث اعتداءات وأحد أبرز أسباب ذلك، الزيادة الكبيرة لعمليات مداهمة بيوت المشتبه بهم واستراق سمع خطوط الهاتف ودس العملاء في صفوف خلايا الأصوليين الأمر الذي دعا «القاعدة» إلى القيام بأعمال تفجير في عدد من الدول الإسلامية في تطور جديد وخطير على سبيل المثال في الدار البيضاء والسعودية.

من دوافع الاشتباه الأخرى بـ «القاعدة» ما أوردته صحيفة «لوموند» الفرنسية يوم السبت الماضي إذ ذكرت في تقرير لها أن أحد الأعضاء القدامى. في «إيتا» انخرط منذ وقت في صفوف «القاعدة». وتعتبر إسبانيا منذ سنوات مركزا استراتيجيا مهما لأتباع «القاعدة» في أوروبا. وليس سرا أن محمد عطا المتهم بقيادة أول طائرة ارتطمت بمركز التجارة العالمي عند شن هجوم 11 سبتمبر 2001 حضر إلى مدينة تاراغونا في 9 يوليو/ تموز 2001 ليجتمع مع اليمني رمزي بن الشيبة أحد المتهمين بالتخطيط للهجوم على الولايات المتحدة لبحث التفاصيل الأخيرة قبل تنفيذه. ويجلس أبو دحداح الذي ينحدر من سورية منذ وقت في السجن بإسبانيا وكان حتى اعتقاله يتزعم فرع «القاعدة» في إسبانيا. وينفي أبو دحداح أن يكون شارك في التخطيط لهجوم 11 سبتمبر 2001 وأبلغ المحققين أنه يؤيد العمليات العسكرية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وضد الجيش الروسي في الشيشان لكنه يدين بشدة هجوم 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة. ويحقق الإسبان في الرسالة التي أعلنت جماعة إسلامية متطرفة مسئوليتها عن تفجيرات مدريد كانت قد وردت لصحيفة عربية تصدر في مدينة لندن. لكن التجارب السابقة علمت خبراء الأمن الغربيين التعامل بحذر حيال مثل هذه الرسائل. فقد سبق وأن أعلنت جماعة تطلق على نفسها اسم كتائب أبي حفص المصري مسئوليتها عن تفجيرات اسطنبول وقبلها حملت نفسها مسئولية تفجيرات أخرى في الوقت الذي أعلنت جماعات أصولية أخرى مسئوليتها عنها. وقال تقرير لصحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» المتعاطفة مع الولايات المتحدة إن واشنطن تشك بوجود كتائب أبي حفص المصري ووجود علاقة لها مع منظمة «القاعدة». ويعود اسم أبي حفص المصري إلى شرطي مصري يدعى محمد عاطف شغل منصبا عسكريا بارزا في منظمة «القاعدة» وحمل اسما عسكريا «أبي حفص» وقتل خلال غارات الأميركيين على مواقع «القاعدة» في أفغانستان. يقول خبراء أمن غربيون إنه كان خبيرا في صنع العبوات الناسفة وشارك في التخطيط لتفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا العام 1998 وكان سابقا يعمل في صفوف جماعة «الجهاد الإسلامي» المصرية. وتقول مصادر أمنية ألمانية إنه ينبغي انتظار بعض الوقت للتحقق من صحة رسالة كتائب أبي حفص المصري وأنها الجهة المسئولة عن تفجيرات مدريد ما يكشف عن شك خبراء الأمن الألمان بهذا الإدعاء لأنه من المعتاد أن تعلن منظمة «القاعدة» مسئوليتها عن عمل بواسطة رسالة عبر الفيديو تبثها واحدة من محطات التلفزة العربية أو عبر شريط مسجل. ويعتقد خبراء الأمن الألمان أن كتائب أبو حفص المصري ليست موجودة إذ سبق وأن أعلنت هذه الجماعة عبر بيانات سابقة مسئوليتها عن تعطل شبكة الكهرباء في الولايات المتحدة وبريطانيا ولم تشر التحقيقات التي قام بها الأميركيون إلى أن تعطل الكهرباء وشل الحركة تماما في مدينة نيويورك من عمل جهة إرهابية.

لهذه الأسباب ونتيجة عدم وضوح الصورة فإن أجهزة الأمن الألمانية تعتمد على نتائج التحقيقات التي يسعى المحققون الإسبان تحت ضغط من الداخل والخارج إلى الكشف عنها. لكن هناك إجماع بين الخبراء الألمان على أن تفجيرات مدريد من عمل منظمة «إيتا». ويقول الألمان إن منظمة «القاعدة» ركزت اهتماماتها في الآونة الأخيرة على أهداف بعيدة عن حركة التنقل والمواصلات في عاصمة أوروبية كبيرة كما قامت «إيتا» السبت الماضي بتوجيه تهديدات لعدد من مكاتب السياحة والسفر في ألمانيا بعزمها التعرض للسياح الألمان في إسبانيا الذين يشكلون أكبر نسبة من ملايين السياح الأجانب الذين يفترشون شواطئ هذا البلد السياحي. وقال مرجع أمني ألماني: ما حصل في مدريد يتفق مع أسلوب منظمة «إيتا» التي اختارت توقيت التفجيرات قبل وقت قصير على موعد الانتخابات العامة واختارت مكانه في مركز القوة السياسية في إسبانيا. لكن من غير المعتاد أن يصل الدمار وعدد القتلى والجرحى إلى هذا العدد الكبير(199 قتيلا و1400 جريح) وعدم تحذير «إيتا» سلطات الأمن الإسبانية مسبقا كما كانت تفعل في السابق ويعتقدون أن جيلا جديدا من أعضاء «إيتا» يتبنون سياسة مغايرة للقادة القدامى. كما لا يعتقد خبراء الأمن الألمان وجود تنسيق بين «القاعدة» و«إيتا» لأن منظمة بن لادن تتعاون مع جماعات إسلامية متطرفة مثلما حصل في اسطنبول حين استعانت بجماعة أصولية محلية وخلافا فإن «إيتا» تستقطب مجرمين من الشباب الذين ينحدرون من إقليم الباسك وتلتقطهم من الشوارع كما تضم مجرمين صغارا وليس هناك ما يجمع بين المنظمتين لقيام تعاون بينهما

العدد 562 - السبت 20 مارس 2004م الموافق 28 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً