دعونا نصارح أنفسنا بكل واقعية ومن دون مجاملات أو رتوش: هل الحوادث التي مرت هذه الليالي ستخدم البحرين؟ ان هذا الموقف بمثابة من أراد علاج المريض بقتله. لا أحد منا يؤمن بالسياحة الرخيصة وكلنا ندفع باتجاه السياحة النظيفة ولكن ذلك لا يبرر لنا عمليات الحرق والتكسير، وما فائدة أن نصحح أمرا بإحراق البلد بمن فيه؟ هذه نقطة جوهرية لابد أن ننظر إليها في الاعتبار ولا مجاملة فيها ويجب ألا نكتفي بالإدانة اللفظية بل يجب أن ننظر إلى كل أبعادها هذا ما يمليه علينا ديننا: فيدك منك وإن كانت شلاء وأنفك منك وإن كان أجدع. فلابد من علاج مثل هذه الظواهر من جميع الأبعاد الفكرية والسياسية والقومية. فهناك من يفهم الأمر بالمعروف بتصورات شخصية في حين أن للأمر بالمعروف شروطا والا دخلنا في دوامة عنف وفتنة كبرى لا نهاية لها ولن يكون هناك أحد أكثر غيرة على الدين وعلى الإسلام من الرموز والعلماء ولو كان هذا الفعل هو العمل الإسلامي الشرعي المطلوب لبادر إليه العلماء وكبار الرموز في حين هم أول من ندد بذلك وذلك لما فيه من تداعيات خطيرة كبيرة على المستوى السياسي والأمني وحتى الديني وسيقودنا للفوضى وتصبح العملية سائبة «كلمن تضرب برأسه راح يفعل ما يريد». ثانيا في قضايا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يرجع فيه للمتخصصين وهم علماء الدين الكبار الذين يمثلون قدوة. فلماذا اذا حدث ما حدث وهل من المنطق القفز على كل هؤلاء الرموز؟ أما بالنسبة إلى البعد السياسي فخطره كبير، فلا أحد يتمنى رجوع البلد إلى نقطة الصفر وإلى المربع الأول فالعنف لا يخدم أحدا ولن يزيدنا إلا ضياعا.
نحن لا نقول اننا نعيش أياما وردية ولكن - وللانصاف - هناك إيجابيات يجب ألا نهملها أو نغض الطرف عنها بل يجب أن نستثمرها ومهما يكن الأمر، فما نعيشه اليوم في البحرين من إصلاحات وحرية أفضل ألف مرة من ذلك الرعب والقمع الذي عشناه أيام قانون أمن الدولة، وعلنا أن نطالب بالمزيد وذلك لا يكون إلا بتحكيم العقل. الفكر الانفعالي لن يخدم أحدا بل سيكون مبررا للاستحواذ فهؤلاء الفقراء وأعتقد أن المجتمع البحريني برمته ليس مستعدا للدخول في دوامات عنف وسيبقى يطالب بحقوقه وفق القانون ووفق الاطر السلمية وهؤلاء الفقراء تعبوا من تقديم الفواتير لتقدم ثمار النضال على طبق من ذهب إلى من لا يستحقها من نفعي هنا أو هناك. لن نقبل بالعنف وسندينه إدانة صارخة وواضحة ولن نعطيه أية شرعية ولن نسبغ عليها المبررات، فالعنف مرفوض أيا تكون صوره ويجب أن نعي نقطة جوهرية أن العنف اللفظي غير المدروس يقود إلى عنف ميداني وإن لم يكن مقصودا وهذا أيضا ما ينبغي معالجته.
وحتى نكون صريحين كي لا يقول أحد لا يعلم أن البلد يمر في واقع دقيق وهو مقبل على مشروع اقتصادي كبير ومهم وهو مشروع فورمولا 1 والدولة دفعت أموالا طائلة لانجاح المشروع وسيكون للمشروع انعكاس اقتصادي على الوطن بأكمله. توتير الوضع السياسي في هذا الوقت الحرج ليس فقط هو في غير صالح الدولة بل في غير صالح أي أحدٍ يعمل على توتير الوضع بصورة متأزمة ويكون موقفه بمثابة الضرب تحت الحزام وكسر العظم وهذا ما لا يخدم أحدا. ومن يريد خيرا للبلد ولشعبه وللاستقرار يجب أن يتحلى بالدقة الشرعية والوطنية في ذلك وأن نجاح المشروعات الاقتصادية هي من نجاح الجميع فيجب علينا أن نتحلى بالمسئولية في ذلك وألا نجامل شابا هنا أو شابا هناك نخاف خسرانه لو أنا صدعناه بالحق وعنفناه بالموقف إذا ما كان سيقودنا إلى محرقة وإلى فتن لا نعلم إلى أين ستوصلنا. الوضع حساس وما حدث يعطي إشارات خطيرة ليست لصالح أحد ولا مجال لإمساك العصا من النصف. كما اننا لا نجامل الدولة في نقد الفساد المالي وفي أي قمع للحرية إذا ما حدث كذلك يجب ألا نجامل أي تصرف غير مدروس وهذا ما وضحه العلماء والرموز في خطبهم، ولهذا ينبغي على المجتمع أن يتخذ موقفا مسئولا في ذلك وما حدث في المجتمع من تململ واستنكار وإدانة لمثل هذه التصرفات دليل على وعي المجتمع وإدراكه لمسئوليته.
إن هذه الأفعال اللامسئولة ستقود البلد الى محرقة كبرى وهي ستقودنا إلى مرحلة كسر العظم وستنتهي كل المكتسبات، لذلك يجب أن نقف بحزم من دون مجاملة ولا ينفع الندم بعد ذلك. نقول ذلك حبا في الجميع ولأجل المصلحة العليا وهذه كلمة للتاريخ
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 562 - السبت 20 مارس 2004م الموافق 28 محرم 1425هـ