يمكن أن يصل المتابع إلى مرحلة قريبة من الجزم بأن التخريب غير المبرر بأي حال الذي تعرض له مطعم «لاتريسا» كان مفتعلا ومدبرا ومخططا له، وأدعو المهتمين إلى زيارة المنطقة التي يوجد فيها المطعم، والتجول حوله وداخله، وفحص طبيعة الهجوم وأدواته لربما توصلوا إلى الاستنتاج ذاته. الإيجابي أن القوى المجتمعية بما في ذلك الناشطين السياسيين أجمعت على رفض العنف، لأنها تدرك أن القبول به يعني الإضرار بأحد مكتسبات المشروع الإصلاحي التي مازالت قائمة، أعني الحريات التي يستصغر عدد من المهتمين شأنها. ولأنها (القوى) تدرك أن لجوء كل رافض لموقف ما إلى استخدام يده لتغييره، يحول البلد إلى غابة بلا شريعة، وليس شريعة الغاب فقط، إذ يمكن للحكومة أن تقيد الآراء التي لا تعجبها مستخدمة أدوات العنف التي تملكها، ويمكن للإسلامي المتشدد أن يعتدي على الجمعيات «العلمانية» بدعوى كفرها، وأن يعبث المذهبي المتشدد بدور العبادة للمذهب الآخر لأنه يعتقد أنها تمارس طقوسا خارجة عن الملة. وبسبب الفهم السابق، فإنه يمكن الجزم (مع ترك مساحة للتراجع) بأن لا جهة معروفة وذات هوية واضحة المعالم يمكن الاشارة إليها بأنها وراء ما حدث، وليس من الحكمة في شيء أن يتم تبادل الاتهامات قبل انهاء التحقيقات، تصريحا أو تلميحا، في واقع يعيش ارباكات، ويمر بمرحلة انتقالية، والشكوك تراود الأطراف تجاه بعضها... ومن الأجدى سياسيا أن تؤكد كل اطراف اللعبة السياسية، بما فيها الحكومة، على استمرار العمل السلمي. إلى ذلك، فإن الفوضى وتزامنها مع اقتراب بدء سباق الفورمولا الذي تعتبره جهات حكومية تحديا تنمويا واستثماريا لدرجة تكون أو لا تكون يفرض على القطاعات الحكومية والشعبية التعاضد وإدراك حساسية المرحلة. ويمكن للقوى المؤثرة شعبيا أن تعلن تضامنها مع الحكومة، وتأكيدها الرغبة الأكيدة في انجاح مشروعها، عل ذلك يساهم في لملمة الأوضاع، نفسيا على الأقل. وقد يقود هدوء النفس إلى منهجية أكثر تبصرا لضمان نجاح المشروع
العدد 562 - السبت 20 مارس 2004م الموافق 28 محرم 1425هـ