حصلت «الوسط» من مصادر دبلوماسية فلسطينية على مسودة خطة فك الارتباط التي سربت للصحف والتي اعدها اللواء احتياط غيورا ايلاند بناء على طلب من رئيس الوزراء شارون جاء فيها ما يأتي: حسب النص الرسمي الذي يعتبر هذه «الوثيقة السرية» التي جرى الكشف عنها عبر اوساط برلمانية اسرائيلية، أن الانسحاب من طرف واحد من دون التفاهم والتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، مجرد ضرب من الخيال الذي لا يتلاءم مع متطلبات العلاقة مع مؤسسات ومنظمات الامم المتحدة والجامعة العربية والمجموعة الاوروبية.
أولا: التحديات
في مقدمة الوثيقة وردت تعليمات رئيس الوزراء للفريق برئاسة ايلاند تحت عنوان «التحديات» وضمن امور اخرى كتب «تحسين الوضع الامني على مدى الزمن منع شرخ كبير في الشعب تجنيد دعم دولي، عدم المس بواجب الفلسطينيين، لتطبيق المرحلة الاولى من خريطة الطريق، خلق احساس بالخسارة لدى قادة السلطة الفلسطينية، قبالة بديل التسوية، تقليص صورة الانسحاب تحت النار وكل هذا بثمن اقتصادي معقول على مدى الزمن».
وفي ضوء هذه المعايير، فان رفع مجلس الأمن القومي مسودة غير نهائية تعرض على رئيس الوزراء البدائل المختلفة في كل موضوع بما في ذلك المسائل القضائية والاقتصادية الناجمة عن فك الارتباط واهمية المسودة الحالية هي ان فيها توصية في كل مجال مرفقة بالبدائل الأكثر جدارة مناسبة برأي فريق ايلاند.
ثانيا: المستوطنات الشمالية
في غزة اوصى المجلس باخلاء تام لكل القطاع باستثناء المستوطنات الشمالية الثلاث ومحور فيلادلفيا. وللمستوطنات الموصى ابقاؤها هي نيسانيت دوجيت وايلي سيناي، اما في شأن محور فيلادلفيا، فقد اوصى ليس فقط عدم اخلائه بل وتوسيعه. كما يوصي بعدم ابقاء قوات عسكرية في القطاع بعد الاخلاء، وبعدم هدم البنى التحتية للمستوطنات التي سيتم اخلاؤها بل بذل الجهود لنقلها «لأحد ما» واخلاء غوش قطيف بكاملها. وتقضي خطة فك الارتباط ايضا بانه وبـ «كل وسيلة» من المتوقع مقاومة شديدة من المستوطنين للخطة وتطبيقها. وتشرح الوثيقة بأنه «يوجد احتمال لمقاومة عنيفة للإخلاء»، في ظل الفارق بين منطقة قطاع غزة ومنطقة الضفة الغربية المرتبطة بشرعية الخطوة لدى الجمهور الاسرائيلي.
ثالثا: التهديدات الأمنية
التهديدات العسكرية التي ستتعرض لها «اسرائيل» في تطبيق خطة فك الارتباط كما تفصلها الوثيقة هي:
- تصعيد الارهاب (جراء ارتفاع دافعية الفلسطينيين).
- ضعضعة السلطة المركزية الفلسطينية (ميزة ايضا).
- سيطرة حماس على قطاع غزة، تحسين قدرة اطلاق صواريخ «القسام» من القطاع وخلق ردع من داخل غزة حيال حوادث في منطقة الضفة الغربية.
- ازمة انسانية داخل المنطقة الفلسطينية وانجذاب «اسرائيل» اليها.
- تكيف (الارهاب) مع الوضع الجديد واستئنافه بقوة اكبر والمس بالقدرة الاستخبارية الاسرائيلية في اعقاب الخروج من المنطقة.
رابعا: البدائل الممكنة
في كل ما يتعلق بخطة فك الارتباط في الضفة طرحت اربعة بدائل:
1- عدم عمل اي شيء في المنطقة وفي المستوطنات، فك الارتباط يكون بالمواصلات فقط، ويسمح للفلسطينيين بتواصل اكبر للحركة في مناطقهم ليس اكثر.
2- خطوة صغيرة تتضمن اخلاء اربع مستوطنات فقط في شمال نابلس.
3- خطوة كبيرة تخلق شروطا كافية لنشوء دولة فلسطينية مستقلة.
4- خطوة كاملة تخلق شروطا بواقع تسوية دائمة.
بالنسبة الى الامكان للرقم (2) امكان «خطوة صغيرة» - تشرح الوثيقة بانه في المستوطنات الاربع المرشحة للاخلاء في شمال نابلس، يسكن، وفقا لسجلات وزارة الداخلية، 566 اسرائيليا فقط، هذه الحقيقة تتيح تنفيذ اخلاء يعطي اشارة الى العالم بنية الاستمرار، من دون دفع ثمن استيطاني كبير، في ظل تقليص كبير للاحتكاك بين الاسرائيليين والفلسطينيين في منطقة شمال نابلس.
غير ان المجلس اوصى بالذات بالامكان الثالث، امكان «الخطوة الكبيرة» وحسب المجلس فان هناك مبررا لخطوة كبيرة معقدة وأليمة في الضفة اذا ما (وفقط اذا ما) كان ممكنا التوصل مسبقا الى موافقة دولية (وليس فقط اميركية) حول النقاط الآتية:
أ- لن تخلق الخطوة الاسرائيلية شروطا تتيح (وفقا لرؤية الرئيس جورج بوش خريطة الطريق) اقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة.
ب - ان تطالب الاسرة الدولية الفلسطينيين بتحمل المسئولية ومكافحة الارهاب ومنظمات (الارهاب).
ج - اذا لم يتوفر الشرط الأخير ولم يتحمل الفلسطينيون المسئولية، فستكون «اسرائيل» معفية من خطوات اضافية، ولاسيما في المجال الاقليمي.
البديل رقم (4) الذي يعنى بـ «الخطوة الكاملة» (اخلاء عشرات المستوطنات وخروج من الغالبية الساحقة للمناطق)، على نمط الخطة الكبيرة لايهود اولمرت، ستكون ممكنة، وفقا لتوصية مجلس الأمن القومي، (فقط اذا ما اعترفت الولايات المتحدة بخط الانتشار الجديد كمسار الحدود الدائمة لدولة «اسرائيل»). لكن مثل هذه الخطوة، كما يقرر مجلس الأمن القومي، «تفترض حوارا طويلا مع الاميركيين».
خامسا: التوصيات
التوصية هي، كما اسلفنا «عرض البديل رقم (3) على الأميركيين بصفته هدفا واجراء مفاوضات لتحقيق دعم دولي رسمي للخطوة، في ظل التعهد بألا تكون مطالب سياسية اخرى من «اسرائيل» الى ان تطبق الدولة الفلسطينية التي ستقوم المرحلة الاولى من رؤية بوش وخريطة الطريق».
وفي هذه الاثناء، وفقا لتوصية مجلس الأمن القومي، فان على «اسرائيل» ان تخلي المستوطنات الشمالية الاربع في شمال الضفة خصوصا تلك القريبة من مدينة نابلس بالتوازي مع تنفيذ الاخلاء من القطاع، كمرحلة تمهيدية لاستمرار الاخلاء من الضفة الغربية وبتعبير آخر:
* في المرحلة الاولى تخرج «اسرائيل» من غزة وتخلي اربع مستوطنات في شمال نابلس دفعة واحدة.
* في المرحلة التالية، تخلي 15 - 20 مستوطنة اخرى في الضفة، حتى استكمال الخطوة «الكبيرة».
سادسا: ردود الفعل
الفلسطينية واحتواء الازمة
كما تتضمن الوثيقة تحليلا لـ «ردود الفعل الفلسطينية الفورية على الخطة».
التقدير هو ان السلطة ستحاول ارجاع الانسحاب الاسرائيلي الى ذاتها من جهة، لكنها ستفقد شرعيتها حيال «حماس» ومنظمات الرفض من جهة اخرى. «حماس» ستحتفل بنصر مرحلي كبير وفي الشارع الفلسطيني في شكل عام سيسود الاحساس بالانجاز. وكذا الشعور بأن الارهاب مجد، تعاظم الفوضي والاضطراب، احتدام التوترات داخل السلطة الفلسطينية وبينها وبين المنظمات.
سابعا: موجبات تحدي
المجتمع المحلي في غزة
تتواصل الوثيقة، تحت عنوان «واجب الاستيضاح»، إذ تظهر المسائل الآتية:
* مع من نتحدث في غزة، وعلى ماذا؟
* ماذا في شأن المطار في الدهنية والميناء في غزة؟
* هل التمييز بين مناطق (أ) و(ب) و(ج) يواصل سريان المفعول؟
* ما تأثير الخطة على عرب «اسرائيل»؟
* ماذا في شأن الانتقال بين غزة والضفة؟
* وما العلاقة والصلة للخطة برؤية بوش و«خريطة الطريق»؟
كما تتطرق الوثيقة ايضا في شكل مفصل الى الموضوع القانوني «في ظل ذكر حقيقة ان «اسرائيل» ستواصل الابقاء على مسئولية قانونية معينة عما يجري داخل الاراضي الفلسطينية» والاقتصادية، بما في ذلك بنى تحتية بديلة للمناطق الفلسطينية. «من المتوقع انجاز لـ «اسرائيل» بالاساس من ناحية الشرعية الدولية «يقرر مجلس الأمن القومي» غير ان هذه مؤقتة ويمكن ان تتآكل اذا ما عادت مشاهد الطفل في مواجهة دبابة وما شابه».
ثامنا: حلول عاجلة واساسية
كما تتطرق الوثيقة لما هو من الصواب القيام به الآن، وضمن امور اخرى:
* تخطيط انتشار الجيش الاسرائيلي في منطقة القطاع.
* انتشار استخباري لمغادرة منطقة القطاع.
* ملاءمة مسار الجدار مع الخطة المتبلورة.
* حث التواصل المواصلاتي في الضفة.
* فحص خطة الاستيطان في ضوء خطة فك الارتباط وغيرها.
وقالت مصادر سياسية اسرائيلية انه يبدو ان شارون يميل الى تنفيذ خطوة فك الارتباط الكبيرة في غزة والتي تتضمن اخلاء دراماتيكيا ايضا في الضفة غير ان شارون الذي يميل الى الخروج من غزة في شكل شامل، بما في ذلك الانسحاب من محور فيلادلفيا سيصطدم بمعارضة امنية غير صغيرة ضد نيته.
فاضافة الى جهاز الأمن العام «الشاباك» والاستخبارات والغالبية الساحقة في الجيش، يتبين الآن ان مجلس الأمن القومي لا يسارع الى الخروج من فيلادلفيا والقاء كامل المسئولية على المصريين. واضافت المصادر «ان شارون نفسه، في لقاءات سياسية اجراها اخيرا، قال انه يفكر بفتح المعابر بين غزة ومصر وبين الضفة الغربية والاردن في مصلحة الفلسطينيين في ظل تطبيق خطة فك الارتباط».
وقال الخبير والمحلل الاسرائيلي المقرب من شارون اليكس فيشمان «ان هيئات المخابرات المصرية ستجند لنشاط سري في القطاع هدفه جمع المعلومات ومتابعة الجهات التي من شأنها التشويش على الاستقرار بعد خروج الجيش الاسرائيلي من المنطقة وقد طرحت موافقة مصرية على مثل هذا الترتيب في سياق زيارة وزير المخابرات المصري عمر سليمان للسلطة الفلسطينية ولـ «اسرائيل»».
واضاف «عني سليمان في زيارته في حث خطة فك الارتباط من طرف واحد في شكل لا يؤدي الى الفوضى في القطاع ويمكن له ان يحث استمرار المسيرة السلمية وفقا لخريطة الطريق، ويشار الى ان المصريين سبق ان طرحوا هذه النقاط في الاسابيع الاخيرة الماضية في اثناء زيارة رئيس الموساد منير دغان، لمصر، وفي اثناء زيارة رئيس مكتب رئيس الوزراء، دوف فايسغلاس للقاهرة، وهاتان الزيارتان خلقتا الاساس لمبادئ عدة في شأن دور مصر في قطاع غزة بعد فك الارتباط.
وتابع فيشمان: «مصر تؤيد الخروج التام لـ «اسرائيل» من قطاع غزة وتفكيك المستوطنات، كجزء من خطة «خريطة الطريق»، وغير مستعدة لاخذ المسئولية عن الاستقرار في قطاع غزة بعد خروج الجيش الاسرائيلي، لكن مع ذلك هي مستعدة لان تكون جهة مساعدة على الاستقرار».
واكد ان مصر «ترى في الحدود المشتركة لها مع قطاع غزة كوضع طبيعي، ولهذا فان على «اسرائيل» ان تخرج من محور فيلادلفيا وكي تتمكن مصر من اجراء رقابة جيدة على الحدود، هناك مجال للبحث باضافة ملحق الى اتفاق السلام بين مصر و«اسرائيل» يتيح لمصر استخدام قوات مسلحة ووسائل تتيح لها سيطرة جيدة على طول الحدود، لمنع النشاط المعادي».
وقال: ان الحدود بين مصر وقطاع غزة لن تكون مفتوحة بل حدود تواصل تحت رقابة السلطات المصرية بالتعاون مع السلطات الفلسطينية، مشيرا الى ان مصر تصر وقد تلقت تعهدا اميركيا على الا تصبح غزة سجنا، من هنا فان نقطة عبور ايرز ستبقى مفتوحة لدخول عمال فلسطينيين الى «اسرائيل».
وكشف فيشمان «ان مصر ستكون مستعدة لتدريب القوات الفلسطينية وادخال رجال مخابرات الى القطاع لاغراض المراقبة، كي يكون لها صورة عما يجري في مجال النشاط في قطاع غزة»، واكد «ان في المحادثات التي جرت بين محافل امنية اسرائيلية ومصرية، طرحا ان نهج مصر تجاه حماس غير مختلف من حيث الجوهر عن نهج «اسرائيل»، ومع ذلك، فان المصريين مستعدون لحلول وسط تكتيكية، آنية، مع حماس تؤدي الى الهدوء، الى خروج الجيش الاسرائيلي من المنطقة والى تعزيز السلطة في غزة».
واشار الى «ان المصريين مستعدون للمساهمة بخدماتهم كوسطاء، في الساحة السياسية، الفلسطينية الداخلية». ففي الزيارة الاخيرة التي قام بها سليمان بذل جهدا لاحلال الهدوء في العلاقات بين محمد دحلان وجبريل الرجوب، اللذين يوجهان كل الى الآخر اتهامات بنوايا التصفية المتبادلة. ولا يدور الحديث فقط عن تصفية سياسية، بل وعن تصفية جسدية ايضا.
وقال ان كل هذه الموضوعات طرحت في المباحثات بين الوزير المصري ورئيس الوزراء، وفي محادثات سليمان مع قادة السلطة
العدد 561 - الجمعة 19 مارس 2004م الموافق 27 محرم 1425هـ