ما جرى من أعمال شغب وعبث في بعض مناطق البحرين لا يمكن تبريره بأي تبرير، اذ لا يطاع الله من حيث يعصى. فأي مبرر للحرق والطعن بالسكين والدخول إلى أماكن الغير من دون رخصة؟ ومن قال إن هذا في خدمة الدين أو الوطن؟
الوطن هو الذي تستوطنه النفس وتستقر اليه وتهنأ بالعيش فيه وتناضل من أجل نمائه وتنمية موارده خدمة لأبنائه الذين يعيشون في كنفه. فالرسول (ص) يقول: «حب الوطن من الايمان»، وحب الوطن يتطلب أن يتنازل المرء عن بعض الامور بدلا من إهلاك الحرث والنسل. أوليس الامام زين العابدين (ع) هو الذي كان يدعو إلى نصرة الجيش الاسلامي (الاموي) الذي كان يدافع عن ثغور الاسلام؟ أَوَلا يعلم زين العابدين أن الجيش الأموي هو نفسه الذي قتل اباه واهل بيته؟ نعم يعلم كل ذلك فهو الذي شهد استشهاد والده واخوانه واحبائه في يوم العاشوراء ولكنه يعلم ايضا أن هيبة الامة في ذلك الوقت تطلبت منه أن يعض على الجرح ويقوم بقراءة ونشر دعاء «الثغور» الذي يدعو فيه إلى نصرة الجيش الاموي على اعداء الامة الاسلامية آنذاك. فهل نحن أفضل من زين العابدين؟
نعم هناك من يعتقد أنه «موكل» من الله أن يحرق ويطعن، ولكنه لو راجع نفسه لما وجد مبررا شرعيا لما قام به. فمن يعرف الاشخاص الذين يدخلون على المواقع الالكترونية بأسماء وهمية ويحرضون الناس على أعمال من كل نوع وخصوصا عندما تكون هناك مناسبة ما؟ ففي إحدى الحالات التي تمت متابعتها والتعرف على الشخص الذي يكتبها توضح أنه لا ينتمي للفئة التي يدعي أنه ينتمي اليها وأن دوافعه ليست بريئة. فكم من حال مشابهة لهذه تحرض الشبان الذين لا نشك في نياتهم، ولكن نشك فيمن يحرضهم على فعل ما يضر بهيبة البحرين وما يضر بمصالح الناس؟
الوطن ليس ملكا لمجموعة بعينها، والقانون الذي يسير في الوطن لا يمكن أن ينفذه اي شخص وأي مجموعة على الطريقة التي تود. أَوَليس الإمام علي (ع) يقول: «لابد للناس من إمام بر أو فاجر»؟ وعندما استفسر أصحابه عن حكمة كلامه أشار الى أن الامام (بمعنى الحاكم) حتى لو كان من غير أهل البر فهو المكلف بحفظ أمن الطرق والناس.
إلى متى سيظل البعض أسرى لمن يحرك الشارع متى ما شاء من دون اية حكمة ومن دون اي وعي ومن دون اي اهتمام بمصالح الناس العليا التي لا يمكن أن نضر بها تحت أية حجة كانت؟ فكثير مما يطرحه البعض موجود في كل البلدان الاسلامية بما في ذلك الدول التي تعلن الاسلام شريعة للحكم. ولكن الحل ليس في حرق المدن والمناطق لان هناك أمرا ما. فمادامت لدينا عملية دستورية ومادامت لدينا حرية تعبير فإن اللجوء إلى العنف سيكون في محصلته نتيجة عكسية لكل ما نسعى سواء اتفقنا او اختلفنا على هذا او ذاك. هل المطلوب أن نسكت وننتظر حتى يحرق البعض ما يود احراقه ويخرب ما يود تخريبه تحت حجج تنشر هنا وهناك وتطرح بأسلوب تحريضي وتنشر على المواقع الالكترونية مع لغة تقول وبكل صراحة إنها تريد الخراب للبلاد؟ فهل الشجاعة في تحريض الشبان أم في قول الرأي واظهار الاسم الحقيقي لكي يستطيع المرء أن يتعامل مع حقيقة وليس مع سراب يحوّل الدنيا إلى سراب؟
السياسة هي رأي الشجعان وليست رأي الذين يختفون من الواقع ولكنهم يسعون إلى تدميره لأنهم لا يودون أن يكونوا جزءا منه، فلو احترق كل شيء لما وجدتهم تضرروا شيئا. أهذه طريقة العمل السياسي والاجتماعي في عصر يدعو فيه الجميع إلى التزام ضوابط العقل والاعتدال؟ لا شك أن أكثرية الناس ليسوا مع ما حصل ولا مجال للتلاعب بالالفاظ، فمن يود تخريب البلد لا يحب من يعيش فيه
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 561 - الجمعة 19 مارس 2004م الموافق 27 محرم 1425هـ