في العاشر من الشهر الجاري قرأت في الصحف الرسمية أن وزارة العمل والشئون الاجتماعية ستدعو رئيسات الجمعيات النسائية إلى الحضور إلى الوزارة وتوقيع التعديلات التي أدخلتها الوزارة على النظام الأساسي الذي سبق أن رفعته اللجنة التحضيرية للاتحاد من أجل الحصول على إشهار رسمي لهذه المنظمة التي طال انتظارنا لها. ولقد صدمت كثيرا بهذا الخبر وكتبت في دفتري ملاحظة قصيرة تقول إنه «إذا صح الخبر فتلك مصيبة، وإذا وافقت الجمعيات النسائية على ذلك فالمصيبة أعظم». وفي مساء اليوم نفسه كنت أحضر محاضرة عن مدونة الأحوال الشخصية المغربية وسمعت همسا بين بعض عضوات الجمعيات النسائية مفاده أن وزارة العمل أدخلت على النظام الأساسي 11 مادة إضافية. وكان الحديث يدور حول ماهية دور الوزارة بالنسبة إلى الاتحاد النسائي ونظامه الأساسي. هل هو تعديل النظام بإضافة مواد وحذف مواد أخرى، أم أن دورها ينحصر في النظر في ملائمة النظام الأساسي للاتحاد مع قانون الجمعيات رقم 21 للعام 1989، بحيث تلفت الوزارة نظر الجمعيات المؤسسة إلى ضرورة تعديل تلك المواد التي تخالف القانون؟ أما إذا كانت مواد النظام الأساسي لا تخالف القانون فإن على الوزارة أن تشهر الاتحاد، وان أي إجراء يخالف ذلك يعتبر مصادرة لحق من حقوق الجمعيات وأعضائها كفله لهن الدستور.
بعد ذلك اطلعت - بصفتي عضوا عاملا في إحدى الجمعيات النسائية الطرف في الاتحاد - على نص رسالة موجهة من وزارة العمل والشئون الاجتماعية، مرفق بها نص النظام الأساسي المعدل من وجهة نظر الوزارة. وأول ما يلفت النظر أن الرسالة التي تحمل توقيع مديرة إدارة تنمية المجتمعات المحلية غيرت مسمى الاتحاد من الاتحاد النسائي البحريني كما توافقت عليه إرادة جميع الجمعيات النسائية إلى «اتحاد الجمعيات النسائية» وكتبت ذلك بخط أسود عريض «يطز العين». وهذا أول تعدٍّ على حرية الرأي والإرادة بالنسبة إلى الجمعيات والتي كفلها الدستور. فهل رأي الوزارة يعلو على الدستور؟
وإذا تصفحنا النظام الأساسي المعدل من قبل الوزارة يتضح لنا مدى الخروقات النقابية والدستورية التي وقعت فيها الوزارة. فهو أولا ينم عن استهانة بالجمعيات النسائية التي مضى على عمل بعضها أكثر من نصف قرن أي أكثر من عمر الوزارة نفسها، الأمر الذي أثار الكثير من الاعضاء ورأين فيه إملاء من قبل الوزارة. كما رأت فيه الكثير من الناشطات في الجمعيات تمييزا مبنيا على الجنس يمارس عليهن من قبل وزارة العمل والشئون الاجتماعية. وتساءلن لماذا تتصرف الوزارة معهن بهذا الشكل في عهد الإصلاح ودولة القانون، وعززت بعضهن رأيهن بأنه لم يسبق للوزارة اتخاذ إجراءات مشابهة مع منظمات المجتمع المدني الأخرى التي تضم رجالا، ما اعتبرنه تمييزا ضد المرأة.
وعند قراءة نص النظام الأساسي المعدل نكتشف أن الوزارة أضافت سبع مواد في بداية النظام سمتها أحكام عامة. ولكن الأدهى من ذلك ما جاء في الباب الثاني من النظام المعدل المتضمن أهداف الاتحاد. فقد بلغ عدد الأهداف في النسخة الاصلية 13 هدفا؛ ألغت الوزارة بعضها وأبدلت البعض الآخر، كما رقمت الأهداف من رقم 1 إلى رقم 7 ثم قفزت إلى رقم 14 و15! ولا ننسى هنا الصوغ الركيك وغير المحكم للنظام المعدل على عكس النظام الذي صاغته اللجنة التحضيرية بمهنية عالية وخبرة نقابية لا يستهان بها. لقد ابقت الوزارة على الهدف رقم 1 و2 كما وردا في النسخة الاصلية، إلا أنها ألغت الهدف الثالث وهو: «العمل على إشراك المرأة بصورة فاعلة في الحياة السياسية». ويبدو أن الوزارة مازالت تفكر بالعقلية السابقة فيما يتعلق بمشاركة المرأة في الحياة السياسية، وتعتبر أن العمل السياسي هو عمل محظور ونست أو تناست أن المشاركة السياسية للمرأة شرط أساسي لأي مجتمع ينشد الديمقراطية والعدالة. إن إلغاء هذه المادة يعد انتهاكا لحقوق المرأة التي كفلها لها الدستور في المادة الأولى فقرة (هـ)، إذ وعت اللجنة التحضيرية إلى أن المرأة لا يمكنها أن تمارس هذا الحق كما يجب إذا لم تقم الجمعيات النسائية بدور رئيس وأساسي في توعيتها وتثقيفها في هذا المجال ووضعت هذا الهدف ضمن أولوياتها الأساسية. بودي لو أوضحت الوزارة الضرر الذي سيعود على المرأة من تطبيق الهدف المذكور بحيث اضطرت إلى إلغائه.
يذكر أن حكومة البحرين صادقت على اتفاق القضاء على أشكال التمييز كافة ضد المرأة المعروفة بـ «السيداو». ويلزم الاتفاق الحكومات الأطراف في الاتفاق باتخاذ جميع الإجراءات للقضاء على التمييز الذي تعاني منه المرأة، إلا أن وزارة العمل ألغت الهدف الخامس من النظام الأساسي للاتحاد الذي ينص على «السعي إلى إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة». وهي بذلك عارضت روح الاتفاق، وفاتت عليها حقيقة أن إنصاف المرأة وإرساء المساواة والعدالة في التعامل معها في المجال القانوني والتوظيف وغير ذلك من المجالات بالإضافة إلى تغيير النظرة الاجتماعية التي تضطهد المرأة؛ تتطلب تكاتف الجهود الأهلية والرسمية. وتضطلع المنظمات الأهلية والنسائية على وجه الخصوص بدور محوري ومهم في مجال القضاء على التمييز ضد المرأة، فهي العين الحارسة لمصالح المرأة وحقوقها، وعليها مسئولية رصد الانتهاكات لهذه الحقوق ومحاربتها بكل الوسائل الممكنة. من هنا أؤكد مرة أخرى أن إلغاء هذا الهدف من النظام الأساسي للاتحاد هو إجراء يتنافى مع جوهر الاتفاق ومع ما التزمت به مملكة البحرين عند انضمامها له.
وفيما يتعلق بالدفاع عن حقوق المرأة فقد وعت اللجنة التحضيرية لأهمية دور الاتحاد في هذا المجال، لذلك أصرت على الدفاع عن هذه الحقوق وعدم الاكتفاء بالمحافظة عليها. وشتان بين معنى الدفاع والمحافظة على الحق. فالمحافظة تتضمن عدم المساس بالوضعية القائمة بما تحمله من تخلف وقهر وظلم للمرأة، على العكس من كلمة الدفاع التي تعني الوقوف مع الحق والعدالة، والعمل على منع أي انتهاك أو ظلم تتعرض له المرأة بغض النظر عن مصدره، وتحسين أوضاع المرأة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والمطالبة بتعديل القوانين المتعلقة بها وإصدار قوانين منصفة بحقها، وتوعيتها لهذه الحقوق وتشجيعها على المشاركة بفاعلية في الحياة العامة، أي بمعنى أصح تحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذي نص عليه الدستور. يبدو أن وزارة العمل لم يعجبها ذلك فارتأت حذف كلمة «الدفاع» والاستعاضة عنها بكلمة «المحافظة» على حقوق المرأة أي بمعنى آخر إبقاء وضع المرأة على ما هو عليه.
ومن بين الأمور التي تثير العجب إصرار الوزارة على إبدال مسمى المؤتمر العام والمكتب التنفيذي بمسمى الجمعية العمومية ومجلس الإدارة. لا أدري السبب وراء حساسية الوزارة لمثل هذه المسميات. إن الاتحاد النسائي هو منظمة تعلو على الجمعيات النسائية. وهي عندما تعقد مؤتمرها العام فهو مؤتمر قد يحضره ممثلون من الخارج للإشراف على سير أعماله، وقد يستمر أكثر من يوم، وتناقش فيه أمور وقضايا فكرية قد لا يتسع المجال للتطرق إليها في الجمعيات، فعلى سبيل المثال قد يقيم الاتحاد على هامش المؤتمر العام مداولات وندوات عن الحركة النسائية، الأمر الآخر أن تسمية مؤتمر عام يضع فرقا بين الجمعيات العمومية للجمعيات والجمعية العمومية للاتحاد، وهذا من بديهيات المفاهيم النقابية. والشيء نفسه ينطبق على مسمى المكتب التنفيذي فهو تنفيذي بما تعنيه هذه الكلمة. ومن مهماته أيضا متابعة أنشطة الجمعيات النسائية بحيث تتواءم مع سياسات الاتحاد، إذ إنه على رغم احتفاظ الجمعيات النسائية الأعضاء في الاتحاد باستقلاليتها فإن قوانين الاتحاد تسمو على قوانين الجمعيات المفردة، وعليها بالتالي الالتزام بأهداف الاتحاد وعدم إقامة أنشطة تتعارض مع مبادئ الاتحاد. كما أن عليها أن تراجع أهدافها وسياساتها واستراتيجياتها في ضوء أهداف الاتحاد، إذ ما الفائدة من انضمام جمعيات غير مقتنعة بعمل الاتحاد وسياساته وتصر على مناهضته وعرقلة مسيرته؟
إن منظمات المجتمع المدني هي ورش عمل كبيرة لتعليم الديمقراطية والمشاركة. ولقد صقلت هذه المنظمات خبرات معظم إن لم نقل كل قيادات الجمعيات الأهلية. فإذا كان هذا هو الدور الذي لعبته الجمعيات في عهد قانون أمن الدولة؛ فالأولى ونحن نعيش عصر ما بعد هذا القانون أن تتوسع المشاركة ويساهم كل الأعضاء في القيادة بالانتخاب الدوري النزيه. من هنا ارتأت اللجنة التحضيرية أن يكون أعضاء المؤتمر العام منتخبات من قبل جمعياتهن العمومية، ومن هؤلاء يتم انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي. وبذلك تتحقق الديمقراطية وتتوسع فرص المشاركة، إضافة إلى أن من شأن هذا الإجراء التخفيف من العبء على إدارات الجمعيات ومنع ازدواجية العمل بين قيادة الجمعيات وقيادة الاتحاد. ولتوسيع مبدأ المشاركة نص النظام الأساسي الذي صاغته اللجنة التحضيرية على عدم أحقية الترشيح لأكثر من دورتين انتخابيتين متتاليتين لعضوية المكتب التنفيذي. وفي هذا أيضا إلى جانب ما ذكر سابقا تعزيز لمبدأ الشفافية والمحاسبة، إلا أن وزارة العمل - ولا أعلم السبب وراء ذلك - تريد أن تتألف الجمعية العمومية في الاتحاد من رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الجمعيات (مادة 20 من النظام المعدل) وأن تنتخب الجمعية العمومية مجلس إدارة للاتحاد لمدة سنتين قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى (المادة 26). لم يبقَ إلا أن تنص هذه المادة على توارث عضوية المجلس الإداري من الأم إلى البنت وبعدها الحفيدة وهكذا.
وإذا انتقلنا من الأهداف إلى الوسائل نرى العجب العجاب. فقد أنكر النظام المعدل على الجمعيات دعم المشروعات التنموية للجمعيات، واستخدام وسائل الإعلام لإيصال صوت المرأة البحرينية والتعبير عن قضاياها إلا بعد أخذ موافقة مسبقة من الجهة المختصة (لم تحدد هذه الجهة)، وإقامة برامج التدريب والتوعية الصحية والقانونية والإنجابية والبيئية وغيرها الموجهة للمرأة. وإصدار مجلة ونشرات متخصصة تعبر عن صوت وطموحات المرأة البحرينية، ومراجعة جميع القوانين المحلية المتعلقة بالمرأة والسعي إلى تعديلها بما يتماشى مع الاتفاقات الدولية، وإقامة الدورات الخاصة بإعداد المرأة البحرينية للمشاركة السياسية في المجالس البلدية والنيابية، وتدشين موقع للاتحاد على شبكة الإنترنت، وأخيرا التنسيق والتعاون المستمر بين الاتحاد والجمعيات والمنظمات والاتحادات النسائية والعربية والدولية.
يحتوي النظام الأساسي المعدل من قبل وزارة العمل والشئون الاجتماعية على الكثير من الخروقات الدستورية والنقابية. وهو فوق ذلك مليء بالأخطاء اللغوية والعبارات غير المكتملة، والفراغات ما بين السطور والعبارات، والأرقام غير المتسلسلة، وعدم التسلسل المنطقي في مواده لو كتبها طالب مبتدئ في كلية الحقوق لطرد منها. فما بالكم بأن هذا التعديل خرج من مكاتب وزارة بها خبراء وتتبع حكومة تمتلك جهازا متكاملا مختصا بالشئون القانونية. إن المرء ليتساءل كيف سمح وزير العمل والشئون الاجتماعية أن يخرج التعديل بهذه الصورة من وزارته؟ الطامة الكبرى أن وزارة العمل والشئون الاجتماعية أبت إلا أن تذكرنا بأن إلغاء قانون أمن الدولة ما هو إلا سراب طالما ظلت ذيوله المتمثلة في القوانين التي على شاكلة قانون الجمعيات معمول بها. لذلك أصرت الوزارة على أن تذكر قيادة الاتحاد بأن تلتزم بحدود الأدب وألا تنسى أن «الأخ الأكبر» موجود ويكمن لهن بالمرصاد، لذلك فإن عليهن استشارته وطاعته وعدم اتخاذ أية خطوة من دون الحصول على موافقته وبركاته.
إنني أتساءل كيف سيكون رد الجمعيات النسائية على هذا الموضوع. فإذا رضيت واستكانت سنترحم على الحركة النسائية ونقر1أ الفاتحة على روحها ونعتبر ذلك أم المصائب بالنسبة إلى الحركة النسائية في عهد الانفتاح والإصلاح السياسي ودولة القانون والديمقراطية
العدد 560 - الخميس 18 مارس 2004م الموافق 26 محرم 1425هـ