مع حلول الذكرى الاولى للحرب الانجلو - أميركية على العراق التي ستطل علينا يوم غد (السبت)... نجد الحرب قد حملت في طياتها ملفات واهدافا بعيدة المدى لسيناريو اميركي - اسرائيلي مدروس يتناسب مع تطلعات ادارة واشنطن المستقبلية لمنطقة الشرق الاوسط وليس فقط مع حالة العراق.
فإطلاق ما يعرف بمبادرة الشرق الاوسط الكبير من قبل ساسة الادارة الاميركية في مثل هذا التوقيت بالذات أي بعد اسابيع قليلة من مرور عام كامل على ذكرى حرب الخليج الثالثة هو في واقع الامر ليس بمصادفة بل جاءت في توقيت حددته الادارة خصوصا في ظل تفاقم الاوضاع الداخلية في عدد من الدول العربية التي تواجه مشكلة في صد «موجات الاصلاح» المتمثلة في تحقيق مطالب الشارع الداخلي بالعمل على تحسين اوضاع مواطنيها في شتى النواحي.
وعلى ما يبدو فإن الحلول المؤقتة هي ما تلجأ إليها بعض الانظمة العربية كالاعتقال او القتل من دون اتاحة المجال لسماع الطرف الآخر، ما ساهم بلاشك مع مرور الوقت في خلق قاعدة مهيأة للتطرف ولتنامي الحقد في الشارع العربي والى تبنيه شعارات الدم والارهاب بدلا من الاعتدال والعقلنة السياسية.
قد يكون جزء منه لصالح الادارة الاميركية التي تسعى في تحقيق بعض الاهداف التي قادتها الى مثل هذه الحرب مثل الاهداف الاقتصادية وبغية السيطرة على مصادر الطاقة في العراق من اجل ان تتحكم بأسباب النمو وحتى تبقى القطب الواحد المتحكم بمستقبل العراق من جهة ومن جهة اخرى بمستقبل منطقة الشرق الاوسط الغني بمنابع النفط والغاز اذ ستمد الاقتصاد الاميركي والاميركيين بثروة مالية ضخمة تؤمن الرفاهية الدائمة لكن طبعا على حساب شعوب المنطقة ومنها الشعب العراقي الذي ذاق مرارة النظام الدكتاتوري المحلي في الماضي وحاليا يذوق مرارة الاحتلال الاجنبي.
وفي كل الاحوال فهي مرارة تعاني منها معظم شعوب المنطقة... وقد استغلت واشنطن ذلك لتروج فكرة تقديم يد العون في بناء ديمقراطية لاتزال تحلم بها شعوب هذه المنطقة المسكينة التي لا تبالي حكوماتها بها الا عبر دغدغتها بالقليل، اما الكثير فتحفظه لنفسها في صناديق عاجية صعبة المنال.
اما ثاني اهداف الحرب فهو تعميم سياسة الردع الشامل الأميركي عبر إظهار الولايات المتحدة الأميركية لقدراتها العسكرية وعبر منع أي دولة من الدخول في منافسة معها، وبذلك تفرض نفسها نهائيا كقوة عظمى وحيدة في هذا العالم. في حين ان الهدف الثالث ينصب في رغبة واشنطن - بإعادة تشكيل الشرق الأوسط وهو ما ذكرته سلفا في السطور الاولى - في العمل على تنصيب «إسaرائيل» رأس الجسر للمصالح الغربية في العالم العربي وذلك استكمالا لوعد بلفور المشؤوم وعبر ترحيل سكان قطاع غزة والضفة الغربية إلى العراق وإقامة دولة فلسطينية فيها بدلا من اقامة دولتهم في قلب «إسرائيل». اذا كانت هذه الابعاد والاهداف هي التي قادت الى حرب العراق فإن المسألة اليوم لا تقتصر على دولة عربية واحدة بل على اكثر، فإن لم تعزف الانظمة العربية على اللحن الأميركي نفسه وهي التي كانت لفترات طويلة مدعومة من قبلها فإنها سترى نفسها في نهاية المطاف عاجزة في تصديها وفي موقف لا تحسد عليه...
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 560 - الخميس 18 مارس 2004م الموافق 26 محرم 1425هـ