حتى الآن لاتزال حكومة المحافظين في إسبانيا مترددة في توجيه تهمة نهائية إلى طرف محدد يقف وراء تفجيرات مدريد. فحزب رئيس الحكومة (خوسيه اثنار) سقط في الانتخابات البرلمانية وفاز منافسه اليساري الاشتراكي المعارض للحرب على العراق وضد مشاركة إسبانيا في «التحالف الرباعي» مع بريطانيا وأميركا وايطاليا... وحتى الآن لم تقل حكومة الساقطين في الانتخابات كلمة أخيرة في كارثة ضربت العاصمة وعمق «التحالف الرباعي».
تردد اثنار له ما يبرره، فهو أول الضحايا. كذلك ضياع قادة التحالف بين توجيه التهمة إلى تنظيم «القاعدة» وبين اعتبار الكارثة من فعل داخلي. فالحيرة لها الكثير من الاعتبارات الوجيهة. فالتحالف الآن بدأ يدفع ثمن أكاذيبه لتغطية استراتيجية كبرى «لا ناقة» لأوروبا فيها «ولا جمل».
الجديد في الموضوع أن الدول الأوروبية المعارضة للحرب تصر على أن تنظيم «القاعدة» يقف وراء عمليات التفجير، وتؤيدها في الرأي كل الاحزاب اليسارية والاشتراكية والقوى الديمقراطية والليبرالية... فالكل وكل من عارض ويعارض حروب بوش المجنونة يصر على أن «القاعدة» هي الجهة التي نفذت التفجيرات. بينما ربع بوش متردد وحائر في أمره، وعذر هؤلاء يمكن قراءة أسبابه وليس تبريره.
الغالبية الساحقة في أوروبا ترى أن الحفرة التي حفرها بوش بدأ يقع فيها، وأن الكذبة التي أطلقها عن «القاعدة» وضخمها ونفخ فيها تحولت إلى وقائع وبات من الصعب إقناع العالم بوجود أطراف أخرى في الكرة الأرضية غير «القاعدة» عندها شبكاتها وأهدافها ومصالحها وطموحاتها. فالعالم مقتنع الآن بقوة «القاعدة» التي لا تقهر ولا تخرق ولا تحرق ولا تغرق.
اختزال مشكلات العالم في السنوات الثلاث الأخيرة في كلمة واحدة (القاعدة) هو أحد أخطر التصرفات المجنونة التي وقعت فيها إدارة بوش وباتت الآن أسيرة تلك الكذبة العالمية ولم يعد بامكانها اعادة اقناع العالم وشعوبه بوجود مشكلات أخرى وكلمات مترادفة لمفردة «القاعدة».
الدول والأحزاب والقوى الأوروبية المعارضة للحرب على العراق تدرك أن هناك «رائحة سمك» في كل هذه العمليات المجنونة وان مثل هذه الكوارث الانسانية المتنقلة من قارة إلى أخرى ومن عاصمة إلى مدينة لا يمكن ان تكون من صنع تنظيم واحد أو شبكة واحدة. فمثل هذه الاعمال المعقدة تحتاج إلى قوى دولية تملك من الامكانات والقدرات التي تستطيع الاحتيال وخداع الأجهزة الأميركية وكل وسائل التنصت والمراقبة والكشف.
الدول والأحزاب والقوى اليسارية والاشتراكية والديمقراطية والليبرالية والهيئات المدافعة عن البيئة وحقوق الإنسان... تعلم ان اثنار بدأ يفكر للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات كذلك أخذ داء التفكير ينتقل إلى برلسكوني وبلير وبوش. فالرباعي الآن اكتشف مدى خطورة الاختراع العجيب والغريب لهذا الساحر الذي يظهر في كل مكان وأي زمان ويفعل ما يريد ويختفي بسرعة البصر تاركا في كل مرة «شريطا قرآنيا» أو «بيانا بالعربية» أو يرسل بالفاكس ورقة إلى صحيفة عربية تصدر في لندن تعلن مسئولية «القاعدة» عن هذه الأفعال المشينة.
«التحالف الرباعي» بدأ يفكر في الكذبة التي اطلقها وصدقها العالم وبات من الصعب الآن اعادة النظر فيها بعد ان انتشرت وترسخت في العقول والقلوب. فالآن يستطيع أي طرف في أي مكان في العالم وأي زمان أن يفعل فعلته ويتهم «القاعدة» والكل جاهز لتصديقه من دون نقاش أو تفكير في المسألة. والمشكلة الآن في «التحالف». فقادته حفروا حفرة كبيرة وأخذوا يسقطون فيها واحدا بعد الآخر. فالكذبة ضخمة جدا وبات صعبا على «التحالف» ان يقلل من شأنها أو يخفف من تبعاتها وتداعياتها وقبل ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية.
تأخر «التحالف الرباعي» في عقلنة كذبته وبات من الصعب اليوم إقناع شعوب العالم بأن ما يحصل اكبر بكثير من كلمة «القاعدة». وان العالم كبير جدا وضخم ومعقد في مشكلاته وحكاياته ولا يمكن ان تُختصر كل الكرة الارضية في مفردة واحدة.
تأخر اثنار في التفكير إذ كان عليه ان يعيد النظر في تضخيم الكذبة وتورمها السرطاني قبل وقت. إلا أن الكارثة وقعت قبل ثلاثة أيام من الانتخابات والكذبة ضخمة وكان من المستحيل في اللحظات الأخيرة اقناع اسبانيا وأوروبا بأنها «كذبة»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 558 - الثلثاء 16 مارس 2004م الموافق 24 محرم 1425هـ