فجأة وإذا بعدد من المسئولين العرب يردون على الاميركان ويتحدثون عن أهمية الإصلاح من الداخل... هذه تصريحات كان ومازال يرفعها الإصلاحيون والمعارضون السلميون في جميع بلداننا العربية، ولكنهم كانوا يُزجّون في السجون أو يعيشون في المنافي بسبب ذلك. على أية حال، فإننا نجد أنفسنا متفقين مع المسئولين بشأن هذا المعنى، ولكن هناك تحفظات على ما يقولون، ونتفق مع الاميركان ونتحفظ ايضا على بعض مايقولون. فالشعار مناسب وموافق لما يقوله كل الإصلاحيين، ولكن الخوف من ان مثل هذا الكلام إنما يراد منه اجتياز العاصفة التي هبت من الولايات المتحدة الأميركية.
تعودنا أن تقف أميركا مع «إسرائيل» في كل شيء، وهذا أمر مستمر من دون تغيير... كما تعودنا أن أميركا مع صدام حسين ومع الحكام عندما يكون هؤلاء سائرين على النهج الذي ترضى عنه الإدارة الأميركية. فأميركا عودتنا أن ليس لديها سياسة «أخلاقية» وإنما تغلّب المصلحة الانانية على كل شيء.
غير أن الأميركان يقولون انهم «اخطأوا» وان مساندتهم للحكام الذين ينتهجون نهجا غير ديمقراطي مع شعوبهم جلبت عليهم الويلات والكراهية. ويقول الأميركان إن ما حدث في 11 سبتمبر/ أيلول 2001 لم يكن سيحدث لولا الكراهية التي تغلغلت في نفوس الناس ضدهم.
الأميركان أيضا لم يتعبوا حالهم كثيرا واكتفوا بالإعلان عن جغرافية جديدة أطلقوا عليها اسم «الشرق الأوسط الكبير» يتضمن البلاد العربية و«إسرائيل» وإيران وباكستان وأفغانستان، وأرسلوا مساعد وزير الخارجية مارك غروسمان إلى بعض العواصم لتسريب معلومات عن المشروع الذي سيعرضونه على الدول الصناعية الكبرى (أصبحت الآن ثماني دول بعد إضافة روسيا على رغم أن اقتصادها ليس كبيرا) في يونيو/ حزيران المقبل. بمعنى آخر فإن قادة الدول المعنية (التي أطلقت عليها أميركا الشرق الأوسط الكبير) لن تشرفهم أميركا بالالتقاء بهم لإخبارهم بأمر يعنيهم.
ربما كان ذلك من «حكمة» الله في هذه الدنيا، فكما أن الحكام العرب لا يستشيرون شعوبهم ويتخذون قرارات فوقية تنتج عنها المآسي تلو المآسي التي تقع على الناس العاديين، فإن أميركا أيضا تتعامل مع الحكام بالأسلوب نفسه: تتخذ القرارات من دون استشارتهم وتطبقها عليهم على رغم أنوفهم.
مفهوم «الشرق الأوسط» ظهر لأول مرة في العام 1798م عندما غزا نابليون مصر، وكانت هناك آنذاك دولتان قائمتان: الدولة العثمانية، والدولة الإيرانية. وقامت فرنسا بطرح مشروعات التحديث وتطوير الدولة وإعادة تأهيل النخبة الحاكمة أو التي ستتسلم الحكم بعد إزالة من لا ترغب بهم. ثم دخلت بريطانيا لاحقا على الخط وتسلمت معظم الأمور من فرنسا وتشكلت بعد ذلك عشرات الدول (بدلا من دولتين)، كل دولة لها نمط خاص بها.
بعد تحرير الكويت على أيدي الأميركان العام 1991م طرح المستشرق «برنارد لويس» مفهوما جديدا للشرق الأوسط وظل يتحدث عنه طوال السنوات الماضية. «لويس» ليس شخصا عاديا، فقد كان يعمل في المخابرات العسكرية البريطانية وهو يهودي مطلع على الثقافة الإسلامية بصورة تفصيلية ربما أفضل من كثير من علماء الإسلام، وأصبح من أهم المفكرين الأميركيين بعد انتقاله من بريطانيا الى اميركا بعد الحرب العالمية الثانية. لويس تحدث كثيرا عن مفهومه الجديد الذي ضمنه بعض دول آسيا الوسطى، ويبدو أن أميركا حذفت هذه الدول من مشروعها الحالي. وعندما نعود إلى أفكار لويس سنجدها الأفكار نفسها التي تتحدث عنها حاليا الإدارة الأميركية؛ فهو يتحدث عن شرق أوسط له رمزية عند كل الديانات والثقافات، وأهميته يجب أن تكون للجميع (وليس للعرب والمسلمين فقط)، وأن هذه المنطقة يجب ألا تقع تحت تأثير الصين (أو حتى روسيا) لأن الدنيا ستنقلب على الغرب حينها. ولذلك فإن السبيل هو في خلق السلام بين «إسرائيل» والعرب، ونشر مفاهيم الديمقراطية، وربط مصالح الشرق الأوسط بالغرب.
نوافق على جوانب ونتحفظ على اخرى واذا كانت اميركا تود ديمقراطية فان ذلك يعني الكثير من التغيير في سياساتها، واذا كان الحكام العرب يودون الاصلاح من الداخل فعليهم اثبات جديتهم في دعم ذلك
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 557 - الإثنين 15 مارس 2004م الموافق 23 محرم 1425هـ