العدد 556 - الأحد 14 مارس 2004م الموافق 22 محرم 1425هـ

البطالة في الأراضي المحتلة بلغت 60% و50% تحت خط الفقر

بين مطرقة الاحتلال وسندان الهم المعيشي

علي بدوان comments [at] alwasatnews.com

يعبر الشعب العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة مرحلة جديدة من الصراع مع الاحتلال وهو يرى الطريق أمامه طويلة ووعرة، وعورة تضاريس خريطة الصراع في الشرق الأوسط، والمنطقة ملبدة بغيوم تفاعلات مابعد سقوط بغداد واستمرارعنف الاحتلال مع اكتمال المراحل الأساسية من بناء جدار الفصل العنصري الذي قسم أرض فلسطين التاريخية بمقص الاحتلال، واطلاق شارون لمشروعه الجديد المعنون باسم «الفصل الأحادي» وهو مشروع عنصري يهدف أساسا الى محاصرة الشعب العربي الفلسطيني داخل الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن «غيتوات» و«معازل» تشبه الى حد كبير المعازل البائدة التي كانت قائمة في جنوب افريقيا زمن الفصل العنصري هناك. وعليه فان سكة «السلام» الذي بشرت به مسيرة مدريد، وهو «السلام» الذي مازال سلاما منقوصا ومشوها، ودروبه معطلة وخارج سكة الشرعية الدولية تتعثر كل يوم، وهي السكة الوحيدة المؤهلة في هذه المرحلة التاريخية لإيصال التسوية إلى السلام الشامل المتوازن القائم على أساس الحلول الوسط، وهي الحلول التي يمكن لها أن تؤسس لحل تاريخي حقيقي وناجز يوفر العدل على ارض فلسطين التاريخية.

ويعبر الأهل في فلسطين مرحلة جديدة حيث الاطلالة المكفهرة بالمعنى السياسي مع الصمت الذي يحيط بأجراس بيت لحم والقدس وبيت جالا وبيت ساحور التي تطوقها دبابات الاحتلال، وبالمعطيات الإسرائيلية الداخلية التي لا تحمل سوى تعاظم دور تيارات اليمين والتطرف الساعية لسحق الانتفاضة الفلسطينية بقوة البارود والنار، وفرض حلول الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، وليس واضحا في الأفق المرئي كيف سيستطيع الأميركيون فرض خطتهم المعنونة تحت اسم «خريطة الطريق» العتيدة على الجبهة الفلسطينية طالما أن ما تعرضه حكومة «إسرائيل» الآن على الجانب الفلسطيني هو أقل بكثير مما اتفقت غالبية الفلسطينيين على اعتباره حلا متوازنا في المرحلة التاريخية الراهنة، بل واقل حتى مما اتفق عليه في اتفاقات أوسلو واستنساخات أوسلو. اللهم إلا بزيادة حجم الضغوط على الجانب الفلسطيني الرسمي.

وباستثناء الحال السلبية، أو لنقل حال التفكك في الموقف الفلسطيني في ظل سبحة لا تتوقف من التنازلات المتتالية والنـزول تحت سقف معادلة القوة الإسرائيلية، فان الاتجاه المرئي للحوادث يشير إلى أن التفاعلات على الأرض ستستمرعلى جبهة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي لسنوات مقبلة وخصوصا مع صمود تيارات التطرف داخل الدولة العبرية الصهيونية، وبحكم كون هذا المسار يشكل خلاصة لقضايا وعناوين الصراع الرئيسية في الشرق الأوسط، وهي عملية لا تحكمها الفهلوة والبراعة في التفاوض، بقدر ما تحكمها القدرة على إحداث تغييرات وتفعيلات في الأجواء وعلى الأرض وفي المحيطيـن الإقليمي (العربي) والعالمي، وقبل ذلك في الإطار الفلسطيني من خلال إعادة ترتيب الوضع الداخلي واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.

إن المرحلة بالنسبة إلى حركة التحرر الوطنية الفلسطينية تحدٍ بالغ الخطورة وعميق الأثر على مستقبل الشعب الفلسطيني لسنوات طويلة مقبلة، ويطرح عليها دورا مرتقبا تتصدره جملة من المهمات. فبين التصور الإسرائيلي (الأميركي) لحل يمكن أن يرسم وينجز على أساس تقسيم الأرض المحتلة العام 1967 وضم اكثر من نصفها إلى الدولة العبرية الإسرائيلية (58 في المئة حسب الاقتراحات الأخيرة المقدمة من شارون للحل الدائم) وإدامة التبعية الفلسطينية، اقتصاديا وأمنيا، لدولة الاحتلال، وبين الحل الذي يمكن أن يحوز على قبول غالبية كبيرة من الشعب الفلسطيني، أن لم تكن غالبية ساحقة بون شاسع.

فالتحدي الذي ترسمه قوى الانتفاضة والمقاومة على الأرض سيحسم الخيار بين مشروع «خطة الطريق» بالصيغة الأساسية التي قدمتها واشنطن من دون إدخال التعديلات المقدمة عربيا، ودوليا وبين حل يراعي المصالح والأهداف الوطنية في هذه المرحلة التاريخية مستندا إلى الحل الوسط القائم على المرجعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بما في ذلك استحضار القرار 194 الخاص بحق اللاجئين في العودة

فالتسوية الحقيقية لا يمكن أن ينجزها عسكر وسياسيون إسرائيليون صهاينة من غلاة وعتاة اليمين وثعالب «اليسار المزور»، يمثلون بكل تشكيلاتهم الحزبية زبدة التطرف في الدولة الإسرائيلية (شارون، موفاز، عوزي لنداو، تساحي هنغبي، ليمور ليفنات، بن اليعازر، داني ياتوم، أفراييم سنيه)، ومازالوا مشبعين بروح العنجهية والتفوق والرغبة في كسر شوكة شعب الثورة الطويلة والانتفاضات المتلاحقة.

وبالمحصلة المنطقية، ليس معروضا حتى الآن سوى حلول القوة الإسرائيلية على يد هذه النماذج من قادة الدولة العبرية، وهي النماذج التي تختفي أمامهـا كل «الحمائم في الدولة العبرية» و«أدعياء السلام» ليصبـح «الأمـن» و«المصالح» الإسرائيلية هي المعيار والمقياس الوحيد لأي حل للصراع من منظور دولة الاحتلال، وتتساوى المعادلة بين «صقور وحمائم».

وعليه، يمكن القول، إن الطريق نحو الدولة الفلسطينية المستقلة الناجزة، واحقاق حق العودة للاجئين من أبناء فلسطين، مازالت طريق وعرة جدا، ومزروعة بالألغام من قبل المحتلين الصهاينة، واختلال المعدلات القائمة راهنا التي تتحكم بمجرى الصراع مع الاحتلال، والشعب الفلسطيني بحاجة لعملية إصلاح متكاملة، يتصدرها اصلاح سياسي يطاول مؤسساته الوطنية «المتواضعة الحضور في صوغ القرار »، ويعيد الاعتبار إليها وإلى وحدة الصف والشعب الفلسطيني. وإصلاح مؤسساتي لتطهير وتطوير المؤسسات القائمة ورفدها بالدماء الجديدة التي نمت وتطورت في سياق الانتفاضة والمقاومة وصعود المشروع الوطني الفلسطيني.

من جانب آخر فان الهم المعيشي بدأ يفرض نفسه بقوة على الحال العامة في فلسطين المحتلة، متلازما مع الهم الوطني العام، ومع تواصل الانتفاضة وسياسات الاحتلال الدموية من قتل واغتيالات ونسف للمنازل وتدميرها في مناطق رفح جنوب قطاع غزة وعموم الضفة الغربية.

فـ «الجوع الكافر» ومظاهرات العمال الفلسطينيين عند معبر بيت حانون/ ايريتز لم يمنع أبناء فلسطين في الداخل من مواصلة الانتفاضة أولا، ومن إطلاق الصوت العالي مطالبين السلطة الفلسطينية والمؤسسات الوطنية بالعمل على حل القضايا الاقتصادية والجوع الضاغط على القاعدة الشعبية الفلسطينية العريضة ثانيا. والمرة تلو المرة خلال فترة وجيزة يهب العمال الفلسطينيون عند بوابات معبر بيت حانون / حاجز ايريتز، بمظاهرات الخبز التي تطالب بحقهم في العمل والتشغيل في مواجهة الجوع والفقر والبطالة، في مؤشرات تؤكد أن الحركة العمالية الفلسطينية مرشحة للاتساع، حيث المطالب المحقة والمشروعة التي تتطلب من السلطة الفلسطينية التي تتدفق إلى خزائنها الأموال المجباة باسم الشعب الفلسطيني، أوالواردة إليها من الدول المانحة، أوالآتية إلى العناوين الخاصة لبعض التيارات الفلسطينية أن تسهم في تلبية مطالب عمال وشرائح الشعب الفلسطيني التي عانت وتعاني أعباء الحال الاقتصادية المتدهورة والمتولدة أساسا بفعل الاحتلال الإسرائيلي وسياساته، خصوصا وأن السلطة أصبحت بعد أوسلو 1993 أكبر رب عمل في الشرق الأوسط يتجاوزعدد من يستحقون رواتب شهرية من خزائنها أكثر من مئة ألف فرد.

فالبطالة وشظف العيش أصبحا وضعا مميزا للحال الشعبية الفلسطينية منذ ثلاث سنوات على الأقل. والمؤشرات تؤكد أن أكثرية ساحقة من الأسر الفلسطينية تعيش تحت خط الفقر بواقع متدن للدخل يتأرجح نحو 2 دولار للفرد الواحد في اليوم الواحد، وللمقارنة فان خط الفقر في الدولة العبرية يقع عند حدود 20 دولار للفرد في اليوم الواحد. وعموما فان نصف الأسر الفلسطينية فقدت اكثر من نصف دخلها جراء سياسات التضييق التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني منذ بدء انتفاضة الأقصى والاستقلال وفق المؤشرات التي قدمتها الهيئات الدولية والمكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني في رام الله. وبالتالي انخفض دخل الأسرة من 2500 شهريا إلى 1200 بقيمة العملة الإسرائيلية (الشيكل). ونال اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات مساعدات عينية من مصادر مختلفة على امتداد الفترة الماضية من عمر الانتفاضة كما هو حال باقي الـمناطق الفلسطينية المحتلة، إذ احتلت وكالة الغوث الدولية المركز الأول بالمساعدة من حيث عدد المرات بواقع 55,2 في المئة تلتها المساعدات المقدمة من نقابات العمال بواقع 16,1 في المئة، ثم مؤسسات السلطة الفلسطينية بواقع 8 في المئة، ومن ثم من مصادر مختلفة بواقع 4,9 في المئة، والمؤسسات الخيرية ولجان الزكاة بواقع 8,5 في المئة، ومن الفصائل والأحزاب بواقع 2,5 في المئة، ومن مصادر مختلفة 0,7 في المئة.

بينما أشارت قبل عام من الزمن كاثرين بيرتيني (المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان) والمكلفة بتقويم الأوضاع الإنسانية في الأراضي الفلسطينية إلى بلوغ البطالة نسبة 60 في المئة على المتوسط في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعليه حذرت في تقريرها إلى الأمين العام للأمم المتحدة من وقوع أزمة إنسانية خطيرة بين الفلسطينيين. وحثت العالم والدول المانحة على التحرك لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني قائلة: «ان المانحين غير مستعدين أن يتحملوا ما يعتبرونه العبء المالي للاحتلال الإسرائيلي ونظام الإغلاق الحالي».

عموما، كانت التقديرات الأولية للبنك الدولي وتقريره الشامل عن الوضع في فلسطين والمنشور يوم 18/5/2002 فقد وصلت نسبة الفلسطينيين الذين يعيشون تحت خط الفقر بين 40 إلى 50 في المئة. وتراجع الناتج القومي بنسبة 12 في المئة وانخفض الدخل القومي إلى نحو 15 في المئة بعد أن تقلص دخل العمال الفلسطينيين بنسبة 40 في المئة.

بينما تشير المعطيات الحديثة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في تقريره يوم 25/5/2002 إلى أن نصف مليون فلسطيني في الأراضي المحتلة أمسوا في حاجة ماسة إلى مساعدات غذائية تتجاوز 70 ألف طن بعد حملة «السور الواقي» الدموية الإسرائيلية ، ويتقاطع مع تقرير البنك الدولي الذي يقدر بأن 50 في المئة من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة تحت خط الفقر، إذ يقل الدخل اليومي للفرد عن 2 دولار.

أما المبعوث الدولي الخاص للأمم المتحدة تيري رود لارسن، فقد كشف في تقرير أعدته لجنة الأمم المتحدة للشئون الاقتصادية والاجتماعية عن ارتفاع حاد في نسبة البطالة داخل فلسطين. وأضاف أن نسبة البطالة في الضفة الغربية قد بلغت عند استثناء مدينة القدس نسبة 63,3 في المئة إذ خضع بين 600 إلى 900 ألف فلسطيني في الأراضي المحتلة لأوامر منع التجول. واعتبر لارسن أن التقرير المشار إليه ومعطياته وبياناته «مثيرة للهلع» وأنها «تدل على كارثة يعيشها الفلسطينيون» وهي «كارثة ليست طبيعية بل من صنع الإنسان» على حد تعبير لارسن، فنسبة الفقر في قطاع غزة وصلت إلى 70 في المئة مقارنة بـ 55 في المئة في الضفة الغربية. كما أكد أن الفلسطينيين يخسرون كل يوم 7,6 ملايين دولار وبمبلغ إجمالي يقارب 3,3 بلايين دولار منذ أكتوبر/تشرين الأول 2000. وعليه فان تقديرات برنامج الغذاء العالمي تحتم عليه تقديم مساعدات غذائية لنحو نصف مليون فلسطيني.

والشيء الجوهري في تصريحات لارسن المشار إليها ، تأكيده أن «الاحتلال وما يرافقه من إغلاق وحصار يمثل السبب الرئيسي للوضع المأسوي الراهن» وأن «الحل الوحيد يتمثل بإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة».

وفي هذا السياق فان المطالب العمالية للشريحة الواسعة من الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة تصب في المناداة بضرورة تخصيص راتب شهري على حد الكفاف في حدوده المعقولة لكل عامل عاطل عن العمل، وتشكيل صندوق وطني للتكافل الاجتماعي يمكّن من خلق فرص عمل للعمال ويحقق التأمين الصحي الشامل لهم. واعتماد تطبيق قانون العمل، بما في ذلك إصدار قانون الضمان الاجتماعي

العدد 556 - الأحد 14 مارس 2004م الموافق 22 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً