العدد 555 - السبت 13 مارس 2004م الموافق 21 محرم 1425هـ

في ضوء مؤتمرات الإصلاح والديمقراطية... متى تصان حقوقنا؟

أمين محمد الغافلي comments [at] alwasatnews.com

أورد مراسل «الحياة» في القاهرة خبرا عن تقرير أعدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليسكو) عن الأوضاع الداخلية العربية تضمن فقرات مؤلمة عن تلك الأوضاع لعل أهمها: «ان حقوق الإنسان تنتهك كل يوم في هذه الأرض العربية، وأن مثقفي ومنظري نظمنا الذين لا ينفكون ليل نهار يرددون عبارات عن سماحتنا وإنسانيتنا ويتكئون كليا على مفاهيم حقوق الإنسان في الإسلام كرد فعل على الغرب وهمجيته الظاهرة والباطنة يرفعون شعارات ويلبسونها لباسا شرعيا ويتمادون في انتهاكاتهم لحقوق الإنسان». مفردات قليلة ولكنها كافية لكشف عورات أخرى في جسد وفكر الأمة العربية، ويعزز موقعها الهامشي في عالم متحرك وفق استراتيجيات علمية محكمة، إنها صورة سوداوية تضاف إلى الصور الكثيرة التي نطقت بها تقارير عربية ودولية لذلك لا عجب أن يرفض التقرير بالإجماع من قبل الأنظمة العربية، فهي لم تستطع بعد تضميد جراحها النازفة التي أبرزتها تقارير التنمية العربية الإنسانية وتقارير المنظمات الدولية.

التقرير وللأسف لم ينل حظه من التغطية الإعلامية العربية والدولية وهذا يعود إلى توجه الأنظمة العربية التهم الإعلامية إلى فضح وإسقاط المبادرة الأميركية المسماة «الشرق الأوسط الكبير» المتكنة في بنودها على تقريري التنمية العربيين الإنسانيين للعامين السابقين، وكعادتها - الأنظمة ووسائل الإعلام - فإن معول الهدم والتدمير هو الخصوصية الدينية والثقافية للوطن العربي لا التقدم السياسي والعلمي والثقافي.

لم يكن هذا التقرير المظلم عن الأوضاع العربية الوحيد الذي حملته لنا وسائل الإعلام في الأيام الماضية، قد يكون أكثرها صدقية بحكم كونه صادرا عن منظمة عربية وبالتالي فهو أشد ألما على عقولنا، ولكن التقارير والتصريحات الأخرى الصادرة من جهات عربية أو دولية عن الأوضاع العربية لا تقل ألما عنه، فتقرير الخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان في العالم العربي للعام 2003، أشار بوضوح إلى أن حقوق الإنسا لاتزال تنتهك في هذه المنطقة من العالم، علما بأن التقرير أثنى على بعض البلدان العربية التي خطت نحو الإصلاح السياسي والحقوقي كقطر والأردن وسلطنة عمان والمغرب، وهنا أتساءل ما المعايير التي تعتمدها الخارجية الأميركية في تصنيف تلك الدول في خانة الإصلاحية؟ هل هو مجرد إجراء انتخابات برلمانية معروفة نتائجها سلفا؟ أم إحضار امرأة قريبة من المسئولين وطمس تجاعيد وجهها وتقديمها كداعية حقوق إنسان وتمكينها من الترشح للانتخابات؟ أم مدى عمق العلاقة مع «إسرائيل»؟

صورة ساخرة أخرى تناقلتها وسائل الإعلام العربية عن احتدام الخلافات التي دبت بين أعضاء اتحاد البرلمانيين العرب الخامس عشر الذي عقد أخيرا في دمشق بخصوص أمور ثانوية مثل تبعية البرلمان العربي للجامعة العربية، ونسبة التمثيل، وتموين البرلمان، بينما لم تذكر وسائل الإعلام أن أعضاء البرلمان المحترمين (فقراء المناصب) اتفقوا على دور المواطن العربي وحقوقه، ودور البرلمان ومدى استقلاليته!

كما تعاملت بعض البلدان العربية بحنكة وذكاء مع ما أفرزته حوادث سبتمبر/ أيلول من متغيرات دولية تعاملت كذلك بحنكة وذكاء مع تقارير التنمية العربية الإنسانية فشرعت في إجراء بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية والتعليمية اللا هيكلية كونها غيبت الوسيط السياسي الفاعل في عملية الإصلاح وهو مؤسسات المجتمع المدني، وأبعدت الدستور نهائيا عن السجال السياسي، واكتفت بأن أناطت مهمة تلك الإصلاحات إلى وزير أو مسئول فاشل في عمله. ومن هنا يحق لي أنا كمواطن عربي أن أتريث قليلا في الحكم على النتائج والتوصيات التي تمخضت عن اجتماعات المسئولين العرب وكذلك الورش والندوات واللجان التي عقدت أخيرا في بعض الأقطار العربية كي أرى إلى أي مدى تستطيع تلك التوصيات تجاوز إشكال التطبيق والممارسة.

أقر وزراء الخارجية العرب في ختام أعمال الدورة العادية (121) «الميثاق العربي لحقوق الإنسان» والمادة الرابعة من الميثاق - للأسف - تنسف كل المواد لأنها أعطت الأنظمة حرية تقدير حال الطوارئ من وجهة نظرها الأمر الذي يسمح لها بتعطيل مواد الميثاق واتخاذ التدابير اللازمة لذلك، والمادة الرابعة بصريح العبارة تستبطن مسكوتا عنه وهو اللجوء إلى التعذيب والبطش وبالتالي سنظل في دائرة الأزمات والطوارئ، وستظل أوضاعنا متردية.

في قطر التي شهدت تنظيم أكثر من ورشة ومؤتمر لتعميق ثقافة حقوق الإنسان «كالورشة الإقليمية الثانية عشرة لتعزيز وتطوير حقوق الإنسان في منطقة آسيا والباسيفيك» التي شاركت فيها (37 دولة) و(30 منظمة غير حكومية)، و«منتدى الدوحة للتنمية 2004م»، و«ورشة القيادات النسائية» بمشاركة (65 امرأة خليجية ويمنية)، وكذلك «ورشة دمج حقوق الانسان في مناهج دول مجلس التعاون واليمن» بمشاركة خبراء خليجيين وأجانب، و«ورشة تدريب عناصر الشرطة القطريين والبحرينيين على حقوق الإنسان» كل تلك الورش والندوات حملت توصيات رائعة على الصعيد النظري وأجمعت أكثرها على صون حقوق الإنسان وكفالة حريته الشخصية ومنع التعذيب وترسيخ مبادئ الديمقراطية على صعيد الفكر والممارسة والمشاركة الشعبية وتضمين المقررات الدراسية ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام للقيام بدورهما في مجال التربية والتثقيف بهذه البرامج، ولم تشذ الجمعية الوطنية السعودية لحقوق الإنسان المزمع تأسيسها قريبا بعضوية (41 حقوقيا منهم عشر نساء) عن تلك التوصيات.

الإشكالية الكبرى التي حالت وتحول دون تفعيل توصيات تلك الورش والندوات وجرها إلى ميدان التطبيق والممارسة وضعف صدقيتها لدى المواطن العربي هي تبني ودعم الجهات الحكومية لها بحيث تمتزج الضمانات بسائل قلم الرئيس أو القاضي أو الجنرال العربي يشطبها أنّا يشاء في مسائه وصباحه وبره وبحره فلا يذكر منها شيئا سوى تاريخ ومكان عقدها.

على الضد من ذلك كان «المؤتمر الدستوري» للمعارضة البحرينية الذي عقد حديثا محل اهتمام وتغطية كثير من وسائل الإعلام المختلفة كونه أصر على استقلاليته عن الحكومة وحجم المشاركة المحلية والخارجية وتبنيه لتوصيات تمس وترا حساسا لدى السلطة وهو الدستور وهذا ما دفع الحكومة إلى إبداء انزعاجها، لأن رفع سقف توصيات المؤتمرين إلى طرح دستور جديد يتفادى المسألة الدستورية التي تمر بها البلاد - بحسب وجهة نظرهم - والناتجة عن الدستور المعدل العام 2002، كفيل بالحكومة للوقوف بكل قوة بوجه هذا المؤتمر وليس الأمر مقصورا على مملكة البحرين فقط بل يشمل معظم البلدان العربية.

ما يزيد الأمر تعقيدا بالنسبة إلى أهمية الإصلاحات السياسية والاقتصادية في العالم العربي موقعيه الجيبوليتك والاقتصادي الحيويين وتداخل المصالح بينه وبين العالم المتمدن وخصوصا الجانب الغربي منه وهذا أحد الأسباب التي تدفع المسئولين الغربيين إلى إصدار تصريحات كثيرة متعلقة بهذا الموضوع مثل تصريحات وزير الخارجية البريطانية جاك سترو في مؤتمر «أوروبا والإصلاح السياسي في الشرق الأوسط» الذي عقد في لندن أخيرا إذ أكد من دون غموض أن الإصلاحات والتطوير في العالم العربي أمور تهم بريطانيا والمجتمع الدولي، وأعتقد أن كلامه بمثابة رسالة موجهة إلى الأنظمة العربية مفادها أن الإصلاح بات ضروريا لكم ولنا وللقوى الوطنية الشريفة التي ظلت تلح على الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي حتى بحّ صوتها. والأشد حيرة لنا أن المسئولين العرب يدركون ذلك خير إدراك، وليس أدل على ذلك من كلمة عميد الدبلوماسية العربية وزير الخارجية السعودي سمو الأمير سعود الفيصل التي ألقاها في مهرجان الجنادرية الأخير في الرياض التي أبانت بشكل واضح أن غياب المشاركة السياسية الفاعلة كانت السبب الأكبر في تفشي ظاهرة الأزمات والتشوهات العربية المهلكة وفقدان القدرة على مواجهة التحديات.

ونتساءل الآن هل يحق لنا أن نعتبر الورش والندوات الكثيرة التي عقدت في الأقطار العربية وما رفعت من توصيات في دائرة الصورة الناصعة المضادة للصورة المظلمة للأوضاع العربية؟ أم علينا الانتظار حتى ينقشع الضباب عن واجهة الصورة كيما نتأكد من بيضاويتها؟ أم نردد حلم داعية الحقوق المدنية الأميركي مارتن لوثر كينغ حين خاطب حشودا تزيد عن ربع مليون أسود في واشنطن في ستينات القرن الماضي بقوله: «أحلم بيوم تتحول فيه ولاية ميسيسيبي المهتاجة من حرارة الظلم والقمع إلى واحة الحرية والعدالة»

العدد 555 - السبت 13 مارس 2004م الموافق 21 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً