العدد 555 - السبت 13 مارس 2004م الموافق 21 محرم 1425هـ

عن الإصلاح وضرورته (1)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تقول بعض الأنظمة العربية إنها ليست بحاجة إلى «إصلاح من الخارج» وهذا صحيح. فالإصلاح دائما يبدأ من الحاجة والضرورات التاريخية، إلا ان هذا لا يعطي الذريعة بالتهرب من المسئولية. فالأوضاع العربية فعلا بحاجة إلى سلسلة إصلاحات على مختلف المستويات. فالأوضاع العربية سيئة وبحاجة إلى تغييرات اجتماعية واقتصادية وإدارية وتربوية. ويأتي على رأس تلك الإصلاحات تصحيح العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أي عقد المصالحة بين الدولة والمجتمع. فالدولة التي تخاف مصالحة شعبها لا تستطيع ان تتصالح مع محيطها والعالم.

هذه المسألة لا تعني بالضرورة ان من حق الدول الكبرى التي تتمتع بالقوة العسكرية وتملك المعدات والأدوات ان تأخذ من الضعف العربي وأوضاع الأنظمة ذريعة للحرب والغزو والاحتلال. كذلك لا تعطي الأوضاع العربية السيئة أية شرعية لقوة خارجية أن تفرض نموذجها ومشروعها الخاص على الدول العربية وغير العربية. فالإصلاح مطلوب ولكن الغزو الخارجي مرفوض لأنه يؤدي إلى تدمير الموجود ويقطع على المجتمعات التغيير الحقيقي من الداخل.

لجوء الولايات المتحدة إلى أسلوب التلقين واستخدام وسائل الإكراه يؤدي إلى ردود فعل عكسية ويوتر العلاقات بين الجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية ويرسل إشارات خاطئة للمجموعات السياسية، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من الاضطراب ويثير القلق من دون مبرر موضوعي. فعدم الاستقرار السياسي يساعد الطرف القوي (المسيطر دوليا) في فرض شروطه وتمرير أهدافه الاستراتيجية التي لا تبغي في النهاية سوى خدمة شركات النفط والتصنيع العسكري والاحتكارات المالية والتجارية. وهذا ما يجب ان تنتبه إليه الجماعات التي تشتغل في السياسة وتمتهن المعارضة. ولكن هذا لا يسعف الأنظمة من ضرورة التحرك نحو إجراء المصالحة المطلوبة وتصحيح الأوضاع.

أمام المنطقة سلسلة من النماذج التي يمكن ان تعطي صورة مصغرة ومكثفة عن الاحتمالات التي يتوقع ان تحصل. هناك أولا النموذج العراقي، وهو الذي انتهى إلى اسقاط النظام واحتلال البلاد واسقاط الدولة وتعميم الفوضى في مختلف الأطراف والجهات، الأمر الذي يهدد بالانقسام الأهلي واندفاع الكتل البشرية إلى التصادم ضد بعضها في وقت يستعد الاحتلال إلى ترتيب انتشاره العسكري.

وهناك ثانيا النموذج الليبي، الذي أصيب بالرعب والهلع والخوف فأقدم على اتخاذ سلسلة مبادرات لفك الحصار ودفع ما طلب منه من مال وسيادة مقابل ترك الأمور على حالها مع اغداق وعود بالانفتاح بشرط استكمال ما تبقى من تنازلات.

ويرجح في هذا السياق ان يستمر الضغط ويستمر خطوة خطوة حتى تنجح الدول المسيطرة دوليا على إنجاز مشروعها وتحقيق أهدافها من النظام الليبي على المدى الطويل.

إلى النموذجين العراقي والليبي، هناك مجموعة من النماذج الأخرى التي يعبر عنها الرئيس الأميركي جورج بوش في خطاباته المتوالية. فمرة يسمي أربع دول بأنها أنجزت إصلاحات أو في طريقها إلى الانتهاء من الإصلاحات، ومرة يسمي ثلاث دول ويخرج دولة، ومرة يسمي أربعة ويشير إلى دولة خامسة وهكذا دواليك... من دون ان يوضح الأسباب التي دفعته إلى اختيار هذه الدول العربية واستثناء غيرها.

المشكلة مع بوش (المشروع الأميركي) انه ليس واضحا في أهدافه، فالغايات دائما مبطنة في الكلام ولا يعرف إذا كان المطلوب الاعتراف بـ «إسرائيل» هو شرط لإعطاء شهادة بالإصلاحات والديمقراطية أو المطلوب هو قطع العلاقات مع الدول العربية أو لعب دور المناكف لدولة مجاورة. وعدم الوضوح في الكلام يثير علامات استفهام ويلقي الكثير من ظلال الشك على صحة إخلاص بوش لبرنامجه ومدى صدقية إدارة واشنطن في منهجها الجديد الذي تريد به اقناع شعوب المنطقة العربية، وبانها فعلا تغيرت وتطمح إلى مساعدة الناس الذين لا يصدقون كلامها حتى لو كان من جواهر. فالشعوب العربية لا تصدق كلام بوش حتى لو صدقته الأنظمة. وأساس الشك هو الموقف الأميركي من «إسرائيل» وسياسة شارون وطرد الشعب الفلسطيني واحتلال أراضيه... وأخيرا السكوت عن بناء جدار الفصل العنصري. فبوش قال مرة إن «الجدار مشكلة» وسكت ألف مرة، تاركا شارون يفعل ما يريده من دون حاجة لغطاء دولي وضد الشرعية القانونية ومحكمة لاهاي.

هناك مشكلة أميركية وقاعدتها الصلبة، ان الشعوب العربية (لا الأنظمة) لا تصدق ان واشنطن أعادت النظر في استراتيجيتها وخططها وأهدافها. ويعطف على المشكلة الأميركية إن الدول العربية تتذرع بعدم صدقية الولايات المتحدة للتهرب من مسئولياتها والتزاماتها تجاه شعوبها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 555 - السبت 13 مارس 2004م الموافق 21 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً