الحوار الذي أجرته «الوسط» مع رئيس منظمة الثقافة والرابطة الاسلامية (التابعة لمرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية) آية الله محمدي عراقي يوم الخميس الماضي تطرق الى عزم البحرين وايران توقيع اتفاق ثقافي يعنى بالشئون الاسلامية خلال الأسابيع المقبلة. كما تطرق الى اقتراح إيراني لـ «عقد مؤتمر مشترك عن تراث الشيخ ميثم البحراني». وطلب آية الله عراقي زيارة مرقد وجامع الشيخ ميثم في «أم الحصم / الماحوز»، وقال إنه ليس فقط البحرينيون يعتزون بشخصية الفيلسوف الشيخ ميثم الذي عاش قبل أكثر من سبعمئة سنة (توفي العام 1299م) ولكن المهتمين بالثقافة الاسلامية يعتزون أيضا بهذه الشخصية الفذة.
الذين كتبوا عن الشيخ ميثم كثيرون، فالمفكر البحريني (ومستشار جلالة الملك) محمد جابر الأنصاري له بحث قيِّم كتبه في ستينات القرن الماضي، وعالم الدين العراقي وعضو مجلس الحكم الحالي آية الله السيدمحمد بحرالعلوم لديه بحث قيِّم قدمه العام 1999 بمناسبة مرور 700 عام على وفاة الفيلسوف الشيخ ميثم، وهناك بحوث عدة من بينها بحثٌ كتب في العام 1952م في جامعة لندن يحقق في احد كتب الشيخ ميثم الفلسفية.
الشيخ ميثم لديه فكر اسلامي وإنساني وسياسي، فتقرأ لهذا الفيلسوف شرحا لكلام الإمام علي (ع) يغوص في الأعماق. فمثلا يقول في شرحه لإحدى كلمات علي (ع): «لا صواب مع ترك المشورة»، ويقول انه «لابد من جماعة يتشاركون ويتعاونون على تحصيل المنافع الضرورية للحياة».
ويقول في كتابه «شرح المائة كلمة» ( انظر ص 202 وما بعدها) ان اشتراك الجماعة في أمرها يفترض أنهم «يتعارضون ويتعاوضون وكأن هذا التعاون لا يتم إلا بأن يكون بينهم أنس طبيعي قضاء للعناية الإلهية ومنه اشتق اسم الانسان...». والفيلسوف الشيخ ميثم يوجب المشورة في الشأن الخاص والشأن العام فيقول «ان الإمام علي (ع) نبه على وجوب اتخاذها (المشورة) والمواظبة عليها بأنه لا صواب في فعل يفعل بدونها» ويضيف «ان تارك المشورة في أموره الخاصة والعامة غير مصيب في غالبية أفعاله ومقاصده». بل اعتبر ان تارك المشورة «مخطئ وإن أصاب»، وطالب المشورة «مصيب وإن خاب».
وفي تأكيد لرفضه للرأي الفرد (الدكتاتورية بلغة عصرنا الحديث) يقول «ان الرأي الفرد لا يكتفى به في الأمور الخاصة، ولا ينتفع به في الأمور العامة». الفيلسوف الشيخ ميثم يقول ان الفرد يحتاج الى رأي الآخرين في شئونه الخاصة فكيف بالحاجة الى رأيهم في «الأمور العامة»؟
اننا نتحدث عن فيلسوف بحريني عاش قبل أكثر من سبعة قرون وينطق بهذه الكلمات، فأي تاريخ عظيم نمتلكه بين أيدينا؟ انه شخص يتحدث عن وجوب المشورة (التي طورتها بعض الأمم لاحقا وهي ما يطلق عليها ممارسة ديمقراطية - برلمانية حاليا). ويقول في مكان آخر في كتابه «شرح المائة كلمة» (انظر ص 18) ان على المسلم أن يتعلم «الحكمة السياسية»، ويشرح السياسة بأنها «كيفية المشاركة فيما بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان وبقاء نوع الانسان». بل انه يتحدث عن ضرورة «تعلّم تدبير المدينة بكيفية ضبطها ورعاية مصالحها، وهذا علم لابد منه لأن الانسان مدني بالطبع...».
هذه شذرات من تراث «مطمور» لأعظم شخصية فلسفية عرفها تاريخ البحرين، وأهل البحرين هم الذين يقع على عاتقهم إحياء تراثهم قبل غيرهم، ونأمل ألا ننتظر اتفاقا ثنائيا هنا أو هناك لإحياء هذا الفكر الانساني البحريني الذي كتبه الشيخ ميثم بأحرف من نور قبل أكثر من سبعمئة سنة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 555 - السبت 13 مارس 2004م الموافق 21 محرم 1425هـ