العدد 554 - الجمعة 12 مارس 2004م الموافق 20 محرم 1425هـ

قدم النواب 75 اقتراحا برغبة والحكومة ردت على عدد محدود منها

الرقابة البرلمانية قانونا وممارسة... مجلس النواب البحريني نموذجا (1)

عباس بوصفوان comments [at] alwasatnews.com

.

تتكون الورقة من جزئين: الأول سيركز على آليات الرقابة البرلمانية لجهة الآليات التي يتيحها دستور مملكة البحرين الصادر في 14 فبراير/ شباط 2002 واللوائح الداخلية المنظمة لعمل لمجلس النواب، ومقارنتها بدساتير ولوائح برلمانات أخرى، وكذا الإشارة إلى ممارسة النواب لهذه الأدوات. مع إدراك أن مجلس النواب ليس الجهة الوحيدة المناطة بها الرقابة على السلطة التنفيذية. فالرقابة مهمة مجتمعية يمكن أن يمارسها الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني والصحافة... إذ تدعو التقاليد الديمقراطية المؤسسات السابقة إلى ممارسة الرقابة على بعضها بعضا، بما في ذلك الرقابة على النواب المنتخبين.

في الجزء الثاني سيتم الحديث عن أثر ضعف التشريع على الرقابة، مع الإشارة إلى رقابة النواب على برنامج الحكومة.

ومع الأسف لن تتاح الفرصة لتشريح تشكيلة البرلمان، والمقاطعة، وطبيعة المجتمع المدني، وأثر كل ذلك على الوظيفية الرقابية للنواب.

أولا: آليات الرقابة

يتضمن دستور 2002 المستحدث ست وسائل تتيح لمجلس النواب مراقبة أداء الحكومة. وتورد اللائحة الداخلية لمجلس النواب هذه الوسائل تحت عنوان «الشئون السياسية»، وليس عنوان الشئون الرقابية.

والوسائل الست، هي: الاقتراحات برغبة، الأسئلة، الاستجوابات، سحب الثقة من أحد الوزراء، عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، ولجان التحقيق، وسيتم الإشارة في الورقة إلى الأدوات الثلاث الأولى.

يذكر أن الأنظمة الداخلية للبرلمانات العربية الأخرى تتضمن إضافة إلى الأدوات الرقابية الست المذكورة، أدوات أخرى مثل: المناقشة العامة، والعرائض، والشكاوى، وطلب البيانات.

وأثناء اشتغال مجلس النواب على تعديل لائحته الداخلية في ابريل/ نيسان 2003، أضاف إلى أدواته الرقابية طلب المناقشة العامة فقط، مع أن الدستور يعطي - بحسب الفقرة (ب) من المادة (94) - «لكل من المجلسين أن يضيف إلى القانون المنظم له ما يراه من أحكام تكميلية»، لكن ما سيتضح هنا أن مجلس النواب لم يكن متحمسا لتوسيع وظيفته الرقابية، فضلا عن عدم استثماره ما هو متاح له أصلا.

1 - الاقتراح برغبة

1-1- في القانون

على عكس ما يعتقد البعض، لا تدخل الاقتراحات برغبة ضمن المنظومة التشريعية، وهي أداة رقابية على ما يبدو (راجع اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي، ولوائح مجلس النواب الأردني ورغيد الصلح في ورقة له بعنوان «الدور الرقابي للمجالس النيابية العربية»)، يختص بها مجلس النواب المنتخب دون المجلس المعين، بحسب دستور مملكة البحرين.

الإشكال - القانوني - الأبرز الذي يواجه هذه الأداة يتمثل في عدم وجود معايير تضبط تعاطي الحكومة مع الرغبات المرفوعة من النواب.

فمن ناحية، تنص المادة (68) من الدستور على أن «لمجلس النواب إبداء رغبات مكتوبة للحكومة في المسائل العامة، وإن تعذر على الحكومة الأخذ بهذه الرغبات وجب أن تبين للمجلس كتابة أسباب ذلك»، من دون أن يحدد الدستور متى تبين الحكومة عدم قدرتها الأخذ بالرغبة.

من ناحية ثانية لا تتضمن اللائحة الداخلية أية ضوابط بهذا الشأن (انظر المواد من 127 الى 132 في اللائحة الداخلية لمجلس النواب).

ويعد خلو الدستور واللوائح من ضابط كهذا ثغرة جوهرية، فلا قوة لما يرفعه النواب إلى الحكومة، إذا كان يمكن لها أن تتجاهله كليا.

وهذا ما التفت إليه المشرع الأردني، إذ تنص اللوائح الناظمة لعمل مجلس النواب على أن «على رئيس الوزراء إبلاغ المجلس بما تم في الاقتراح الذي أحيل إليه خلال مدة لا تتجاوز شهرا، إلا إذا قرر المجلس أجلا اقصر» (المادة 134 من النظام الداخلي لمجلس النواب الأردني).

ما يلفت النظر أن مجلس النواب البحريني حين همّ بتعديل لائحته الداخلية التي أعدتها الحكومة - مخالفة بذلك الأعراف البرلمانية - لم تقترح اللجنة التشريعية في تقريرها، ولا أي نائب أثناء النقاشات تعديل المادة 127 من اللائحة الداخلية بما يضيف كلمات تفرض على الحكومة الرد في وقت معلوم، بل ولم تثر المادة المذكورة التي تخلو من تحديد وقت معلوم للرد إلا نقاشا محدودا عن حق النواب في التعليق على بيان الحكومة مرة واحدة، وهو الأمر الذي عارضه وزير شئون مجلس الوزارء أيضا (انظر مضبطة الجلسة الاستثنائية الثالثة في دور الانعقاد السنوي العادي الأول، الفصل التشريعي الأول المنعقدة في ابريل/ نيسان 2003).

ونتيجة ذلك تجاهلت الحكومة من دون إبداء الأسباب - اقتراحات «عاجلة» مثل اقتراح بشأن تأسيس شركة مساهمة وطنية عامة وطرح رخصة الاتصالات على للمزاد، والذي قدمه عدد من النواب على خلفية الإشكالات التي رافقت إنشاء شركة فودافون، وآخر بشأن طلب وقف الترخيص الخاص بإنشاء شركة جديدة لسيارات الأجرة.

1- 2- في الممارسة

إن تحليل الممارسة يلاحظ منه أن النواب الأربعين قدموا 75 اقتراحا برغبة منذ بدء أعمال مجلس النواب في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2002 إلى ديسمبر 2003. ولم تردّ الحكومة إلا على عدد محدود منها. إذ تجاهلت جل الرغبات، ويحق لها - بحسب القانون - أن ترد بعد عشر أو عشرين سنة لتبين أسباب هذا التجاهل وخصوصا أن الحكومة لم تعتد أن تلتزم بروح النصوص.

وعند مقارنة عدد الاقتراحات برغبة التي قدمها النواب البحرينيون بما قدمه النواب الكويتيون من رغبات، نلاحظ أن الفرق كبير لصالح نواب الكويت. إذ يشير تقرير صادر عن مجلس الأمة في الكويتي إلى أن عدد الاقتراحات برغبة التي قدمت في دور الانعقاد السابق بلغت 368 اقتراحا برغبة. أي بمعدل 92 اقتراحا كل دور تشريعي، وهو عدد يفوق ما تقدم به النواب البحرينيون.

على مستوى النوع، لامست الاقتراحات برغبة واقع الحال - عموما - لكنها أشبه بتوصيات الأبحاث التي تملأ الأدراج، ما يفقدها القيمة من الناحية العملية، في حين بدا عدد من الاقتراحات مغاليا مثل اقتراح برغبة بشأن التشجيع على حفظ القرآن الكريم بمعاملة الحافظين له في درجاتهم الوظيفية معاملة الحاصلين على الشهادة الجامعية، والمقدم من رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني.

1- 3 - في الرؤية

إذا جاز اعتبار الاقتراحات برغبة جزءا من الرقابة، فإن ذلك يعني أن بعضها مهيأ نظريا للتحول إلى تشريع أو سؤال أو لجنة تحقيق أو استجواب، وبحسب ما يبدو فإن ذلك لم يحدث إلا مرة واحدة، إذ شكلت لجنة التحقيق في هيئتي التقاعد والتأمينات التي أنجزت الكثير. إن عدم البناء على الاقتراحات يعطي انطباعا شبه أكيد أن النواب قد لا يستفيدون من أدواتهم الدستورية. ومثلا قدم نواب اقتراح برغبة الأطباء، ولم تنفذ الحكومة هذه الرغبة، في هذه الحالة يمكن للنواب أن يتساءلوا عن أسباب ذلك، وأن يتخذوا إجراءات تشريعية أو رقابية لضمان تنفيذ ما يعتقدون أنه صواب.

2- الأسئلة

2- 1 - في القانون

يتحدث دستور 2002 عن حق «مطلق» لأعضاء مجلسي الشورى والنواب في توجيه الأسئلة إلى الوزراء. بينما ينص نظاما العمل الداخليان لكلا المجلسين على أن يقدم العضو المعين والمنتخب سؤالا واحدا فقط في الشهر.

وإبان اشتغال مجلس النواب الحالي على تعديل لائحته الداخلية، كان المقترح المقدم من اللجنة التشريعية أن تحذف فقرة من المادة (137) من اللائحة تنص على أنه «لا يجوز أن يتقدم العضو بأكثر من سؤال فى شهر واحد».

المفاجأة - إن صح القول - أن عددا من النواب اعترضوا على اقتراح حذف النص المذكور، من بينهم رئيس المجلس خليفة الظهراني، والنواب عادل المعاودة، وسامي البحيري، وعلي مطر، ومحمد الكعبي، وعيسى المطوع وغيرهم (راجع مضبطة الجلسة الاستثنائية الرابعة الفصل التشريعي السنوي العادي الأول، الفصل التشريعي الاول 9 ابريل 2004)، لكن المجلس وافق على حذف النص في النهاية، وفي جلسة أخرى تراجع عن ذلك بدعوة من رئيسه، وقيّد نفسه بتوجيه سؤال واحد في الشهر.

ويمكن من خلال ذلك استنتاج أن الحكومة وضعت عراقيل في اللائحة الداخلية أمام تفعيل الدور الرقابي، وأن عددا من النواب غير مدرك لأهمية توسيع هامش المناورة أمامهم، تحت دعاوى «عدم إشغال الحكومة بكثرة الأسئلة»، وكأنه عضو فيها.

وبمراجعة اللوائح الداخلية في دولة الكويت وفي الأردن يتضح أنه لا يوجد تقييد لعدد الأسئلة التي يقدمها النواب إلى الوزراء (انظر المادة 12 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي، والمادة 114 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب الأردني). كما تتيح القوانين الأردنية والكويتية توجيه السؤال إلى رئيس الوزراء، وهو الأمر الذي لا يتيحه دستور 2002 البحريني. بينما كان دستور 1973 يتيح ذلك، إذ تنص المادة (66) من هذا الدستور على أن «لكل عضو من أعضاء المجلس الوطني أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء أسئلة لاستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصهم...»، أي أن دستور 2002 استثنى رئيس الوزراء، وهو بالمناسبة حذف أو تعديل دستوري لم يتم التوافق على إجرائه حين صوّت البحرينيون على ميثاق العمل الوطني الذي حدد إجراء التغييرات الدستورية في مسألتين: التحول من دولة إلى مملكة، وإنشاء مجلس معين يختص بالمشورة إلى جانب المجلس المنتخب.

كما «يسمح الدستور السوري (المادة 70)، والنظام الداخلي لمجلس النواب اللبناني بتوجيه الأسئلة إلى الحكومة بمجموعها (المادة 124) ما يوسع نطاق استخدام السؤال كأداة للمراقبة. ويحق للنواب، كما جاء في اللائحة الداخلية لمجلس الشعب في جمهورية مصر العربية، توجيه الأسئلة إلى نواب رئيس الحكومة ونواب الوزراء (المادة 180). وهي خطوة توسع أيضا نطاق استخدام السؤال نظرا إلى الأدوار المهمة التي يضطلع بها هؤلاء المسئولون» (أنظر رغيد الصلح «الدور الرقابي للمجالس النيابية العربية» برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) .

بينما تلزم اللوائح الداخلية لمجلسي الشورى والنواب البحريني توجيه الأسئلة إلى وزير واحد من دون غيره. وهو الأمر الذي ظل كما هو في اللائحة الداخلية التي أجرى المجلس المنتخب تعديلا عليها ورفعها إلى الحكومة، علما بأن المادة (91) من دستور 2002 لا تشترط توجيه السؤال إلى وزير واحد، إذ تعطي المادة «لكل عضو من أعضاء مجلس الشورى أو مجلس النواب أن يوجه إلى الوزراء أسئلة مكتوبة لاستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصهم...».

كما لا تشترط هذه المادة عدم توجيه أسئلة إلى رئيس الوزراء، وهي تتحدث عن الوزراء عموما، ورئيس الوزراء - بحسب بعض الدول - وزير أول. لكن هذا الفهم - بحسب قانونيين - يبدو تعسفيا.

2 -2 - في الممارسة

يلاحظ أن النواب لا يستفيدون من المتاح لهم أصلا من مساحة لممارسة وظيفتهم الرقابية، إذ وجه النواب خلال 10 أشهر من عملهم - وتحديدا في الفترة من 14 ديسمبر/ كانون الأول 2002 إلى 31 ديسمبر 2003 - اثنين وأربعون سؤالا فقط، ما يعني أنهم مارسوا رقابة بنسبة 10 في المئة، إن صح التعبير.

فبينما يحق لهم توجيه 40 سؤالا في الشهر، أي 400 سؤال في الأشهر العشرة، فإنهم قدموا 42 سؤالا فقط، وربما هذا ما يفسر عدم اهتمامهم بتوسيع صلاحياتهم (وجه أعضاء مجلس الشورى خلال الدور الأول الذي انتهى في يونيو/ تموز الماضي تسعة اسئلة فقط الى الوزراء، وفي هذا البحث تم التركيز على النواب، وآمل ان تتاح فرصة لإلقاء الضوء على نشاط الشورى الرقابي والتشريعي). في الوقت الذي تشير الدراسات إلى أن متوسط عدد الاسئلة في بريطانيا بلغ خلال الخمسينات والستينات 16000 سؤال في العام الواحد، ووصل العام 1987 الى 73000 سؤال (أنظر رغيد الصلح، «الدور الرقابي للمجالس النيابية العربية»).

وبتحليل الأسئلة الموجهة من النواب إلى الوزراء، يلاحظ أن 17 نائبا لم يستخدم أداة السؤال أبدا، أي أن هؤلاء ضيعوا فرصة توجيه 170 سؤالا، كان يمكن أن تشكل إضافة إلى إنجاز المجلس، وتفعيل دوره الرقابي.

يحدث ذلك على رغم أن البلد يعيش وضعا غير مستقر على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، وتتكرر إشاعات بشأن الفساد وإساءة استخدام السلطة ويمكن للنواب إلقاء مزيد من الضوء على ذلك.

أما الوزراء المستهدفون بالأسئلة، فهم وزراء الخدمات عموما، فيما حظي قطاع العمل والشئون الاجتماعية باهتمام كبير، ولم يوجه سؤال واحد إلى وزارة الخارجية مثلا، بما في ذلك قضية الشهداء البحرينيين الذين كانوا مفقودين في العراق، وأهملتهم الخارجية لمدة 13 عاما، وكذلك المحتجزون في غوانتنامو، والمشكل المتجدد بشأن البحارة البحرينيين الذين يحتجزون في قطر.

ويرجح رغيد الصلح أن يكون سبب الابتعاد عن توجيه أسئلة في هذا الشأن عائدا إلى أن «السياسة الخارجية هي في غالبية الأحوال محط اهتمام رؤوس البلاد في الدول العربية، وبسبب الانطباع الشائع أن توجيه الأسئلة حولها قد ينطوي على تعرض لقادة البلاد ومن ثم قد تكون له بعض المحاذير من حيث علاقة النائب بالسلطة التنفيذية».

إلى ذلك، يمكن الإشارة هنا إلى موقف النواب مع المعارضة المقاطعة الذي يجعلها غير مهتمة بقضايا الحريات. فبينما وجه النائب الكويتي أحمد السعدون سؤالا إلى وزير الداخلية بشأن أسباب منع بحرينيين من دخول الكويت، لم يوجه النواب البحرينيون أي سؤال بشأن الأسباب التي جعلت البحرين ترفض دخول مواطنين خليجيين، وكذلك أسباب منع دخول بحرينيين إلى الكويت وغيرها ببسب ما يعرف بقوائم المنع التي تتهم الحكومة البحرينية بالوقوف ورائها.

ورقة قدمت إلى حلقة «التنمية في ظل الانفتاح السياسي» من تنظيم المعهد الوطني الديمقراطي (NDI) بالتعاون مع جمعية ميثاق العمل الوطني

العدد 554 - الجمعة 12 مارس 2004م الموافق 20 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً