من جديد يتم تلويث سمعة العرب والمسلمين في مدريد هذه المرة وباسم ليس بعيدا عن الآذان «ألوية أبوحفص المصري». إنها دورة من العنف ما ان تضرب في مكان حتى تنتقل إلى آخر... وفي كل ضربة ترسل بيانات بالفاكس من جهات مجهولة إلى عناوين مضمونة باسم تنظيم «القاعدة» الذي لا يعرف أوله من آخره ولا رأسه من كعبه. فالقاعدة مجرد اسم فاعل لمجهول لا يعرف مكانه ولا عنوانه ولكنه تحول في السنوات الأخيرة إلى غطاء لتبرير السياسات العدوانية ضد العرب والمسلمين. فالقاعدة اسم يستخدم لأعمال طائشة وأفعال مجنونة لا وظيفة لها سوى تأليب العالم ضد مصالح العرب والمسلمين. وأسوأ الأمور في كل هذه البيانات هي تلك اللغة البذيئة المستخدمة في صوغ فقراتها. فاللغة تعكس معنى الكلام. وحين تهذي الكلمات فمعنى ذلك أن العقل أصيب بعطب. وحين تكون الأعمال مجنونة واللغة مريضة فلاشك أن الجهة التي تقف وراء تلك الأفعال هي أيضا من الصنف نفسه. فالبيانات تدل على عناوين مجهولة وعقول جاهلة بالسياسة.
من جديد يطرح السؤال: ما الفائدة من هذه الأعمال، ومن المستفيد من قتل أبرياء في محطات القطار في مدريد أو في اسطنبول أو في بغداد وكربلاء وغيرها من مدن وبلدان؟ وسؤال لمصلحة من تحصل هذه الأفعال مهم لأنه يساعد على توضيح الجوانب المظلمة من أعمال بشعة تسجل بأسماء مجهولين وعناوين غير معروفة.
مجرد طرح السؤال يكشف زوايا كثيرة في الجواب. فالسؤال أحيانا هو الجواب. والجواب على أسئلة من المستفيد، ومن المتضرر، ولمصلحة من تجري مثل هذه الأمور يساعد على قراءة مختلفة لكل هذه الجرائم المشينة.
مثلا سؤال من المستفيد أو المتضرر من تفجيرات محطات القطار في مدريد يشير إلى العناصر الآتية: محاصرة العرب والمسلمين وإعطاء الدول الكبرى المزيد من الأسباب التي تدفع بهم إلى تشديد الحصار. تجييش أوروبا ضد الجاليات المسلمة وفرض المزيد من الرقابة عليها. تقوية نفوذ التيار العنصري الفاشي المعادي للأجنبي (الغريب) في أوروبا. تبرير السياسة العدوانية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدول العربية والمسلمة بذريعة مكافحة «الارهاب الدولي». إعطاء ذريعة للتحالف الدولي المضاد للعرب والمسلمين لمواصلة حروبه العدوانية تحت ستار «الضربات الاستباقية». وأخيرا تعزيز ذرائع جورج بوش وكل الأجهزة الأمنية والصناعات الحربية وشبكات الرقابة في حملته الانتخابية ضد منافسه من الحزب الديمقراطي.
... وأخيرا وليس آخرا، هناك الكثير من العناصر الظاهرة والباطنة التي يمكن أن تكشف عنها مثل هذه الأفعال الشنيعة ولغة البيانات التحريضية البذيئة. فاسبانيا تعتبر أقرب الدول الأوروبية إلى الشواطئ العربية - المسلمة وهناك تاريخ حافل من الصراعات المتبادلة بينها وبين المغاربة وحتى الآن لاتزال مدريد تحتل بعض المناطق والجزر والمدن في داخل أراضي المغرب من عقود طويلة. فإسبانيا هي المدخل إلى غرب العالم العربي وكذلك فهي المعبر البحري - البري للكثير من العائلات ذهابا وإيابا بين أوروبا والعالم العربي وغرب إفريقيا. وإسبانيا الآن على أبواب انتخابات يرجح أن تكون نتائجها ضد حزب أثنار المحافظ والمتحالف مع واشنطن. وكذلك الولايات المتحدة فهي تعيش بدايات حملة انتخابية قاسية أساسها الاختلاف على تضخيم المخاطر الأمنية و«الارهابية» ضد أميركا.
هذه الأعمال (تفجيرات مدريد مثلا) تخدم من دون تردد التيار العنصري الفاشي المحافظ في إسبانيا وأوروبا والولايات المتحدة، وتعزز حال العداء ضد العرب والمسلمين، وتضعف كل القوى الديمقراطية والإنسانية في القارتين الأوروبية والأميركية، وتعطي ذريعة قوية لشركات التصنيع العسكري وشبكات المخابرات والأجهزة الأمنية لرفع انتاجها وزيادة موازناتها لمواجهة ما تسميه حرب تنظيم «القاعدة» ضد أوروبا وأميركا. ومحصلة النتيجة كلها هي المزيد من الضرب على الدول العربية والمسلمة ومواصلة الحصار لقضايا العرب والمسلمين العادلة وعزلها دوليا ومنع وصولها أو اتصالها بالقوى المعتدلة التي تريد الاستماع والتفاوض والمصالحة مع شعوب المنطقة.
من جديد يتم تلويث سمعة العرب والمسلمين ولكن المشكلة في أساسها أن الكلام عن المستفيد ولمصلحة من لا قيمة له لأنه لا يصل في النهاية. فالحرب مجهولة الدوافع والأسباب، وأسماء «أبطالها» غير معروفة كذلك عناوينهم. وهذه الحال مناسبة ومفضلة لكل القوى التي تتربص بالعرب وتريد الشر والأذى للعالم الإسلامي. فبوش فعلا يريد مجهولين وجهلة لتبرير سياسته المعلنة منذ سنوات
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 554 - الجمعة 12 مارس 2004م الموافق 20 محرم 1425هـ