العدد 552 - الأربعاء 10 مارس 2004م الموافق 18 محرم 1425هـ

فكر لا يطرف له جفن أداة

التفكير، حرب معلنة على البلادة، حرب على الغيبوبة والغياب، لهذا تراه في ذيل اهتمام الأنظمة في العالم الثالث، لأنه يفضح حال النوايا التي تشتغل عليها تلك الأنظمة! أن تظل الشعوب بليدة وفي حال من الغيبوبة لا أمل في حضورها!

لم يمس الفكر العربي حالا من المراجعة ولم يتماس معها. ماذا يعني ذلك؟ يعني ان ذلك الفكر ذهب ولا يزال واثقا من أطروحاته وتشخيصاته التي لم تصب موضع الخلل والداء!

أن تفكر، يعني انك مصدر ارهاب للسلطة! والسلطة في العالم الثالث خصوصا. أن تفكر، فذلك كشف للمنهج الذي تشتغل عليه السلطة لتعطيل وضعية ونظامية التفكير في جانبه وحركته الفاعلة والمنتجة. أن تفكر فذلك يعني انك بصدد الخروج على تلك الوضعية والنظامية التي تريدها السلطة «مؤبدة» لا مجال لتغييرها أو تحريكها. وضعية ونظامية تهدف الى «تأبيد» التابع والمتبوع!

أي فكر ذلك الذي نحن بصدده؟ فكر لا يتورع عن كشف حالات ومآس من الزيف والتزييف، حال من تشييئ البشر، حال من مكننتهم، وأتمتتهم، حال من تكثيف وضخ مزيد من المتاهات والدوائر المغلقة التي لا يتمكن فيها مواطنو تلك الأنظمة من التفكير في حال الخروج من تلك النطاقات المستحكمة والمدروسة!

فكر يضمّن فيما يضمّن ويكرّس فيما يكرّس «التابو»، ما يعني أن تكون مرتهنا أو تستند في مرجعيتك الى «ثقافة» - وأضع ثقافة بين هلالين لأميز بين ثقافة تتراكم وتمتد بشكل أفقي وأخرى تتراكم وتمتد بشكل عمودي - كل موهبتها السطوة والقوة والإملاء. فأي فكر في هكذا وضعية مزرية يمكنه أن يشخص عميقا وأن يقرأ بحيادية حالا من المتاهات ووضعيات من الخلل لا حصر لها؟

فكر كهذا هو محض مساحات مشرعة على القبور والصمت والهذيان وابتغاء السلامة، فكر ضالع حتى العظم في حال من التواطؤ غير البرئ، فكر هو واحد من أسباب تنوع وتعدد حال التيه والتخلف والمستقبل الموعود بمزيد من تصاعدهما واطرادهما!

فكر كهذا ضالع في الإجابة فيما هو يصادر حق السؤال جدير بأن يكون «هامشا» لـ «متن» السلطة - وهو كذلك - بكل ما يعنيه ذلك من صناعة زيف وموهبة وتزويق وسلطة تجميل القبيح من الحاضر والماضي والتبشير بمستقبل هو في الذروة من الغياب!

ليس فكرا ذلك الذي هو على انفصال مع دقائق قضايا الأمة، هو محض « بنج» يؤجل الإحساس بالآمها، ولكنه مع زوال ذلك البنج، بحكم «مؤقتيته» تبدأ الأمة أوديسة» احساسها بعِظم وفظاعة ذلك الألم!

بعض المشتغلين على الفكر المبارك من السلطة، شرعوا في إعادة نظر جزئي في «سياق» خطابهم، وهي اعادة نظر تهدف فيما تهدف الى الحرص على طريق رجعة موهومة في ظل طرق تم قطعها مع الأساس!

فكر يستقي توجيهاته وأسس تنظيراته من «ترصد السلطة» وتشفيها من قاعدتها أو «من دون مستوى القاعدة»، فكر جدير بأن ينظر اليه كرافد لتعطيل الحراك في مجمله!

التفكير ليس لعبة يمليها المزاج عموما، مزاج السلطة ومزاج الرعية، بل يمليه النظرالعميق في المشكلات والقضايا والظواهر المجتمعية بحيث تتأسس المنطلقات من الحقيقي والواقعي من مشكلاته وقضاياه وظواهره!

ما الذي يمكننا أن نلتمسه من فكر مدجّن مروّض مسيّس موجّه كهذا؟ أن نمعن في دفعه غباء نحو تجسيدنا وجعلنا واختيارنا كأنموذج حي وحاضر(ضمن توصيفه) فيما هو في الصميم من الغياب بممارساته المدجنة والمروضة والمسيسة والموجهة ضمن خطة والتزام تتحراهما السلطة!

فكر متورط في الذروة من اليقيني من التاريخ ،وفي الذروة من اليقيني من حاضر السلطة، وفي الذروة من اليقيني من مستقبلها الذي لا شك فيه ضمن قرائتها وتوصيفها وتفكيكها وتحليلها الأحادي الجانب!

هل يمكننا إزاء فكر كهذا أن نستند اليه في استشراف مستقبل لن يأتي وماض تم التصرف في تركته ومستقبل يظل فعلا ماضيا مبنيا للمجهول؟. هل يمكننا الإتكاء على رخاوة وهشاشة فكر كذاك؟ ربما في ظل رخاوة وهشاشة تعاط مع السهل والبسيط والموجّه من التوصيف والتفكيك والتحليل من الباطن! ولكننا لن نتمكن من التعاطي مع الصلب والمتماسك والصعب من ذلك الفكر، لأننا وببساطة شديدة موغولون في حال من التوجيه بـ «الريموت كنترول»!

فكر يُمنح الرفيع من الشرف، فيما جهة الاختبار - الأمة - في الوضيع من المكان. والفكر إياه لا يطرف له جفن أداة من الممارسة والتحليل! مالذي يعنيه ذلك؟ يعني انه فكر منزوعة مشروعية استمراره في ظل تزييف وتغاض وسكوت يمارسه وبهذا الحجم من الهول!

«فكر» كهذا هو محض «كفر» بقيمة الإنسان وحقه في الممارسة على مستوى الوجود والتفكير





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً