العدد 552 - الأربعاء 10 مارس 2004م الموافق 18 محرم 1425هـ

الصورة ودلالاتها الإعلامية بالملتقى الأهلي

أكد عضو هيئة التدريس بقسم الاعلام بجامعة البحرين عبدالله الزين الحيدري أن الاهتمام بمجال الصورة قد شهدته كل العصور على اختلاف ثقافاتها وأدواتها المعتمدة في التفكير والتصوير وأنه لا يمكن استثناء فترة من تاريخ الانسانية خالية من انتاج الصور أو من التفكير فيها.

وتناول الحيدري في ورقته التي ألقاها بالملتقى الثقافي الأهلي ضمن ندوة الصورة ودلالاتها في خطاب الاعلام العربي مساء الأحد الماضي 7 مارس/ آذار الجاري أهمية الصورة على صعيد التربية والتكوين والبحث العلمي وعلى الصعيد الاقتصادي. شارحا في الوقت نفسه مدى الاهتمام والفهم لأبعاد وجوانب الصورة لدى الاعلام الغربي مقارنة بالاعلام العربي الذي لا يزال يعالج بعدها المادي على حساب بعدها الرمزي.

جاء في ورقة الحيدري «ان عصرنا اليوم هو عصر الصورة بحسب ما يصف الباحثين والمفكرين والاعلاميين، وذلك راجع الى أن الصورة تقوم بدور مهم في ضبط السلوك وتوجيه الرأي، الأمر الذي حدى للاهتمام بها على أكثر من صعيد، فعلى صعيد التربية والتكوين يبدو الاعتماد على الصورة لكسب المهارات الأساسية خلال مراحل التعليم الأولى يفوق بكثير الاعتماد على المكتوب وخصوصا مع اختراع الليزر وتطور الأنظمة الرقمية والحاسوبية، وعلى صعيد البحث العلمي نجد أن الفكر الغربي قدم كمّا هائلا من الأدبيات التي عنيت بموضوع الصورة وأنه برزت أسماء لمعت في اثراء هذا الرصيد البحثي من أمثال أمبرتو ايكو، كريستيان ماتز ورولان بارت، الذين تنبع أهمية أبحاثهم كونها اعتبرت مداخل أساسية لفهم دلالات الصورة ونفوذها ومنحت الشرعية في تأسيس أقسام خاصة بالصورة ضمن معاهد الاعلام وكلياته في الكثير من البلدان الأوروبية، أما على الصعيد الاقتصادي فان الصورة تحظى باهتمام كبير نظرا لما يحيط بها من عوامل مهمة أبرزها تبدل قيم المجتمع من ناحية وعودة الانبهار بتكنولوجيا الاعلام من ناحية أخرى وهي المرحلة التي أدركها العالم إبان النصف الأول من القرن العشرين.

وبخصوص التراث العربي البلاغي واهتمامه بالصورة اضاف المحاضر «الحقيقة أن الاهتمام بالصورة مجال شهدته كل العصور، فالتراث البلاغي العربي يطالعنا بكم هائل من الأعمال البحثية والنقدية التي تعكس الاهتمام بدراسة الصلات المركبة القائمة بين التصوير والتصور وبين اللفظ والمعنى والشكل والمضمون والتخيل والواقع والذهني والمتجسد، فالصورة ليست ظاهرة تبرز ثم تختفي وانما هي أمر شديد الأهمية ويكفي التمعن في تركيبة النظام البصري للانسان حتى نسلم جميعا أن تفكير الانسان يجري بحضور الصورة.

وأردف «ان الموضوع الذي نطرحه هنا وهو المتعلق بتعامل الانسان العربي مع الصورة وعن حجم الرصيد المعرفي الذي يعتمده في صناعتها، موضوع يستوجب منا حصر بعض المفاهيم المتصلة بالصورة أولا، والاجابة على سؤال خطير يتعلق بالحديث عن كيان متماسك للاعلام العربي في وجود سياسات اعلامية مستقلة بذاتها، فنحن نتساءل هنا، كيف يجوز الفصل بين أصناف الصور ونحن هنا بصدد التفكير ضمن مجال وسائطي لا تفلت من حدوده مستويات التعبير على اختلاف أساليبها وادواتها، لذلك سنكتفي بالتعامل مع واقع الاعلام العربي من خلال سماته الكبرى المشتركة والمتمثلة في وجود سياسات اعلامية متقاربة، وأولى هذه السمات هي الصورة الميدياتيكية، فنحن عندما نتابع أخبار العالم في التلفزيون يمنحنا الوسيط الاعلامي الاحساس بأن ما نتابعه هو صورة للواقع، ولكن الحقيقة أن هذا الواقع يتم نقله طبقا لتمثلات القائمين بالاتصال، وارادة هؤلاء متجهة الى تفكيك مكونات الواقع والتصرف في أجزائه عبر سلسلة من الأعمال التقنية والرمزية مثل الانتقاء الذي يقصد به اختيار الموضوع على أسس تحددها طبيعة الحوادث الجارية في المجتمع من ناحية وسياسة تحرير المؤسسة الاعلامية من ناحية أخرى إذ يتم الانتقال هنا الى فضاء يستوعبه التلفزيون، ومثل الزاوية التي يقصد بها حصر الموضوع ضمن محور اهتمام رئيسي، فتحديد الزاوية حصر لحقيقة الانحراف التي لا يجوز معالجتها في المطلق أو بشكل شمولي، ولذلك فان الفكرة المركزية في مثال الزاوية تتجسد في خطورة الانحراف، وكذلك التأطير على اعتبار أنها عملية جامعة للأعمال التقنية والرمزية فمن المهم تحديد الاطار المناسب للموضوع، فحتى نتجاوز عقبة التشويش في الصورة بسب من كونها متعددة المعاني يلزم اختيار الرموز المناسبة للمعنى، والتركيب أيضا والذي يتم انطلاقا من مجموعة الصور الملتقطة التي يجوز تشبيهها بالأفكار والافتراضات في الحقول الفلسفية والأدبية، فالتركيب في مستوى الصورة يستوجب نظاما تأليفيا تكيفه زاوية معينة، والقائم بالتركيب أي المركب يقتبس بحسب توجه المخرج وطبيعة الموضوع، ولكن الاقتباس في مجال التلفزيون يختلف عن غيره، فهو يستغل مصادر أخرى للصورة مثل الصور النموذجية أو المحورية، والصور المخزونة الممكنة المحفوظة ضمن حوامل تعرف بالشرائط، وكذلك الصور الثابتة والصور العلامية والمتعلقة بالعلامات اللغوية والأرقام، فمرحلة التركيب إذا هي العملية الفعلية التي يتم من خلالها ترويض المعنى.

ثم ضرب المحاضر مثلا لتوضيح رأيه بقوله «ليتضح الأمر أكثر نطرح المثال الآتي: هناك مظاهرة تنتظم بمكان ما يتم تصويرها حوادثها، ويتضمن شريط الصور كل الوقائع التي حدثت خلال المظاهرة، هنا نجد أن التغطية الاخبارية تكيفها عوامل سياسية وأخرى ثقافية، فعملية التركيب هنا تتم بانسجام مع طبيعة العوامل المذكورة آنفا، فيمكن في مثل هذا الحال جمع الصور التي تجسد العصيان المدني وتركيبها بشكل يدين المتظاهرين، كما يمكن تركيبها بأسلوب يترجم حقوق الانسان بالاعتماد صور اللقطات التي تبرز بوضوح اعتداء رجال الأمن على المتظاهرين. فالصناعة في مفهومها الشامل تركيب يقوم على التخطيط والدراسة والحيلة المسماة بالخدعة.

وتابع المحاضر «ان السمة الثانية من سمات الاعلام العربي تتمثل في الأداة والرمز فمنذ ظهور التلفزيون في البلدان العربية انحصر التفكير في تدريب الصحافيين والفنيين وجعلهم قادرين على التحكم في استخدام وسائط انتاج الصورة الالكترونية بسبب من اهتمام الحكومات العربية التي رأت في التلفزيون وسيطا بل امتداد للسلطة السياسية واداة من الأدوات الخاضعة الى ارادتها، لذلك انطبعت مناهج معاهدها الاعلامية بما كان يعرف بالاعلام التطبيقي الذي أدى إلى الفصل بين الأداة ودلالاتها وبين النظري والتطبيقي، الأمر الذي أفضى الى تكوين صحافيين يتعاملون مع الصورة على أنها انتاج تقني مستقل بذاته ليس له ترجمة سينمائية، فالاعلام العربي أدرك التلفزيون كتقنية مستقلة بذاتها، فلم يرافق ظهور التلفزيون لدينا رصيد معرفي يدرس مجال الصورة، لذلك ازدادت الفجوة بين الشكل والمضمون اتساعا وظلت الفضائيات العربية عاجزة عن منح الثقافة العربية الاسلامية البعد الذي تستحقه.

وعن السمة الثالثة قال الأستاذ الجامعي «ان ثالث هذه السمات هو البعد الاجتماعي والزمني الميدياتيكي، فحرص الأنظة العربية على ابراز ذاتها جعلها تحرص منذ تعاقدها مع التلفزيون على استمرارية التدريب والتكوين في مجال انتاج الصورة الالكترونية، لأن في ذلك سعي الى تجذير صورة سلطتها في الفكر الجماعي. فالتلفزيون في السياسات الاعلامية العربية يستجيب الى شروط الخطاب الفوري المتمثل في الأخبار، على حساب تراجع دوره عندما يتعلق الأمر بانتاج المجتمع. فتغييب الزمن الاجتماعي يعني تغيبب المسألة الثقافية برمتها، اذ ليس للصور التي ينتجها الاعلام العربي بعدا واضحا للزمن الاجتماعي، بل انها أقرب الى ترجمة الزمن المضغوط من خلال عرض الصور والأكلات والمسلسلات والأخبار السريعة، فالمسألة الزمنية مسألة غائبة في الفكر العربي المهتم بقضايا الاعلام، والسبب غياب التفكير أساسا في دلالات الصورة الالكترونية المختزلة للزمن





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً