في 8 مارس/ آذار الجاري احتفلت المرأة العربية باليوم «العالمي للمرأة»، وترافقت الاحتفالات مع الكثير من الفعاليات في دول العالم. فالمناسبة عالمية وبالتالي الكلام المعاد تكراره في هذه المناسبات يتشابه بين دولة واخرى باستثناء بعض الاوراق والمقالات الجدية التي تجتهد للدخول في الارقام وقراءة التفصيلات الصغيرة التي تميز بين وضع المرأة في مكان واختلافه عن وضعها في مكان آخر.
المناسبة عالمية إلا ان الحالات مختلفة وغير متشابهة بين البلدان. فالحديث عن المرأة هو اقرب إلى أحاديث متنوعة عن حالات نسائية ليست متطابقة في النوع والجوهر. فكل بلد له خصوصية ليس في موضوع المرأة وانما في مختلف الموضوعات التي اخذت في السنوات الاخيرة منحاها العالمي، فالعالمية في هذا المعنى لا تعني توحد الحالات والظروف بالنسبة للمرأة او الرجل او الطفل او غيرها من قضايا اتفق على ان يحتفل بها العالم في يوم محدد.
وحتى لا تمر الايام وتمر معها الاحتفالات مرور الكرام لابد من قراءة مختلفة لمثل هذه المناسبات حتى يكون طعم اليوم في هذه السنة غيره في السنة المقبلة. وللأسف معظم الدراسات تلجأ دائما الى التعميم وتشمل كل الحالات وتضعها كلها في قياس جغرافي وزمني واحد من دون الاخذ في الاعتبار النمو المتفاوت بين بلد وآخر. فمثلا لا يجوز قياس وضع المرأة في الصومال بوضع المرأة في السويد، كذلك لا تجوز المقارنة بين وضع الرجل في الصومال مثلا ووضعه في السويد فالنتيجة ستكون بالتأكيد مختلفة ليس بين المرأة والمرأة بل بين الرجل والرجل، والطفل والطفل وصولا إلى أصغر جزئيات في المجتمع. فالاختلاف (التمييز) ليس بالضرورة سببه القوانين والتشريعات بل احيانا يجد الاختلاف أساسه في التخلف العام الذي يبدأ بالاقتصاد والاجتماع والثقافة وانتهاء بالسياسة. فالاختلاف أساسه هو الفارق في النمو العام على مختلف القطاعات والحقول. وبالتالي حتى تستقيم الاقيسة وتتوازن لابد ان تكون المقارنات والامثلة بين حالات متشابهة وليس بين اوضاع مختلفة. وفي حال الصومال مثلا تجب المقارنة مع المحيط الجغرافي كالسودان وأريتريا واثيوبيا او جيبوتي. فالمقارنة هنا صعبة وايضا تفرض الدقة للتوصل إلى ميزان صحيح لمعرفة اتجاهات المجتمع ودور الدولة في قيادة الاصلاح والتغيير.
المشكلة في المناسبات والايام «العالمية» أنها تخلط دول الكرة الارضية ببعضها وتضعها كلها في درجة واحدة من المطالب والشعارات بينما الواقع يتطلب قراءة دقيقة في درجات تطور (نمو) الدول وبالتالي التقاط المفارقات بين الحالات انطلاقا من دراسة ظروف كل دولة ومجتمع. فالتعميم في مثل هذه الايام والمناسبات «العالمية» يجعل المشكلات متشابهة وبالتالي الحلول مشتركة بينما الواقع يشير إلى درجات في الحلول وعدم تشابه في المشكلات. فالتعميم إذا تكرر يؤدي إلى شمولية الاهداف ويعطل فعلا امكانات تطوير وتحسين ورفع دور المرأة واخذ مكانها في المجتمع والدول وخصوصا في البلدان التي تمارس التمييز والتفرقة على مختلف القطاعات والحقول.
إلى اهمال التفاوت العام بين الدول هناك مداخل البحث عن المشكلات. فمعظم المقالات والدراسات تركز على السياسة وضعف مشاركة المرأة في هذا الحقل من النشاط الاجتماعي بينما الواقع يشير إلى تراجع دور المرأة في الكثير من القطاعات والحقول. والسياسة هي أضعف الحلقات ولكنها ليست مؤشرا على نمو البلد وتقدمه الاجتماعي - الاقتصادي.
مثلا أشار «تقرير التنمية العربية» للعام 2003 إلى ان النساء في العالم العربي لا يشغلن سوى 3,5 في المئة من المقاعد البرلمانية، بينما تشغل النساء في افريقيا مثلا 8,4 في المئة من المقاعد. ويستنتج التقرير ان وضع المرأة سيئ انطلاقا من قياس نسبة مقاعد البرلمان. إلا ان الوقائع تشير إلى أن وضع المرأة العربية اعقد بكثير من المثال الذي اعطاه التقرير عن البرلمانات العربية. فهذا المثال ضعيف لان متوسط نسبة المشاركة (او التمثيل) النسائي في برلمانات العالم لا يتعدى 11 في المئة. وهذا لا يعني ان دول اوروبا وشمال اميركا متخلفة والمرأة مظلومة ومضطهدة. فالمسألة ايضا في هذا المجال معقدة وشديدة التداخل. ويمكن القول إن نساء العالم الثالث سبقن كثيرا نساء اوروبا في مجال الاشتغال في السياسة ووصلن في كثير من البلدان المتخلفة إلى احتلال اعلى المراتب في فترة زمنية متقاربة واحيانا قبل ان تصل مارغريت ثاتشر إلى رئاسة الوزراء في بريطانيا. ويمكن اعطاء عشرات الامثلة عن المرأة والسياسة في تركيا وباكستان والهند وبنغلاديش وسريلانكا والفلبين وغيرها من الدول لتأكيد الاسبقية.
المسألة ليست في السياسة ولا في القوانين، وانما في الاجتماع والتفاوت الزمني ونسبة التطور الاقتصادي بين عالم وآخر. فالفارق التاريخي موجود والمطالب والاهداف مختلفة حتى لو احتفل العالم في المناسبة نفسها في يوم واحد
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 551 - الثلثاء 09 مارس 2004م الموافق 17 محرم 1425هـ