ينتابك الحزن وأنت تقرأ ما كان يقدمه الكاتب السيد ضياء الموسوي طوال أيام محرم الحرام من مادة مفجعة تصعقك صباح كل يوم عن الممارسات الخاطئة والمآخذ والتجاوزات في الأوقاف الجعفرية. وحتى يوم أمس الأول (الأحد) كان يسأل في عموده اليومي: كيف حدث هذا؟
أحد الإخوة من رأس الرمان طلب مني أن أبلغ السيد بضرورة القراءة عن مصيبة الإمام الحسين (ع) بدلا من الحديث كل ليلة عن الأوقاف، «لأن المستمعة يريدون أن يبكوا على المصيبة». الرسالة أوصلتها شفهيا للسيد فردّ بابتسامة عريضة، ولكن تمنيت بيني وبين نفسي إن كان هناك مزيد من هذه الروائح النتنة فليخرجها إلى الملأ ولينشرها تحت الشمس لتطهرها، ولتسقط بعد ذلك رؤوس طالما ريّشت واستطالت أثوابها بفعل خيرات من مات ظمآنا في كربلاء دفاعا عن الحق والعدل والحرية والمساواة، فإذا بنا نشاهد أفرادا هنا يتلاعبون بميراثه!
الصحافة والمتلاعبون
وعندما تكلّم السيد وغير السيد عن هذا الملف المتعفن، اعتبر البعض المسألة مسألة إثارة صحافية ورغبة في الظهور. بل ذهب البعض خطوة أبعد على طريق العبث والمماحكة باستضافة مسئولين من الاوقاف للدفاع عن أنفسهم وتبرئة ساحتهم، أليست «الصحافة» هي التي تنقل الرأي و«الرأي الآخر»... حتى لو كان رأي المتجاوزين للقوانين؟!
في تلك الفترة، كان الناس يترقبون نشر الأرقام، وكانت الارقام موجودة، ولكن السيد تحفّظ على نشرها ثمانية أشهر، ربما ليكتمل الملف ليصعقنا به في موسم عاشوراء، وليفتح جبهة من جبهات القتال ضد الباطل والفساد المالي والإداري. الاوقاف في فترة «الهدنة» السابقة نامت علي جنبها الأيمن، ظنا بأنها نجحت في تجاوز مرحلة الخطر، وبدلا من المبادرة إلى تصحيح أوضاعها ومعالجة الأخطاء الفظيعة التي تورّط بعض مسئوليها فيها، قامت بهجمة «استباقية»، في محاولةٍ لتحويل أول من تجرّأ على رفع الغطاء إلى «مجرم»، فجرجرت مديرها السابق الحداد إلى المحكمة. المدهش أكثر هو تلك المساومة الوضيعة حين طلب منه الاعتذار عما سبق مقابل إسقاط الدعوى، وكان الله غفورا رحيما! ولكن الرجل أثبت نزاهته حقا، بإعرابه عن استعداده لدخول السجن على التنازل لـ «جماعة» الاوقاف المتنفذة. وبمقدار ما كان الرجل كبيرا في موقفه، فانه كبر في عيون المتابعين.
واليوم، إذا أردنا الحق فلنتكلم عن جهتين هما موضع مساءلة ومراجعة، إن لم نقل موضع نقد واتهام، أولا: الجهات الرسمية التي اختارت تعيين هؤلاء الاعضاء الذين كانت تدور حولهم التهم والشكوك فأصبحت اليوم مدعمة بالأرقام والتواريخ. فالأمر لا يحتمل المساومات السياسية ولا لعبة التوازنات ولا الترضيات بين فرقاء مختلفين. ولابد أن ينظر إلى الموضوع بمقدار حساسيته وخطورته، لأنه يهم المجتمع كله ويتعلق بمصالح أكثر من (1200) مسجد ومأتم في كل مناطق البحرين، وبالتالي يعني مصالح عشرات الآلاف من المواطنين من رواد هذه المؤسسات الاجتماعية، فضلا عن بعدها الديني والعقائدي.
ياعلماء... إنكم مسئولون!
الجهة الأخرى المسئولة هم علماء الدين، واسمحوا لنا أن نتكلم بصراحة اليوم، فلم تعد «التقية» مقبولة بعد كل هذا الطرح المدعم بالأرقام والأدلة والبراهين التي ساقها السيد ضياء، تتركونه يخوض الحرب وحده، وتقفون على الضفة المسالمة تتفرجون وكأن المسألة لا تعنيكم في شيء. وإذا كنتم تنفون المسئولية عن أنفسكم بالأمس لأنكم كنتم مهّمشين، فمن الذي يمنعكم من التقدم لإصلاح الوضع في الأوقاف اليوم. انتم مسئولون اليوم أمام الناس عن استمرار هذا الوضع الفاسد جدا، وغدا أمام الله، إذا بقيتم على هذا السكوت الذي لا يقيم حجة، ولا يدفع باطلا ولا يحق حقا، ولا يحفظ ميراث الحسين (ع) من التلاعب. تركتم الحداد حتى اقتادوه إلى السجن كما يقاد المجرمون، فلا تتركوا السيد ضياء أيضا لوحده، فلقد قام بالواجب، وخاض معركة تحتاج إلى كتيبة من المقاتلين، وبقي عليكم أن تتحركوا أنتم، فما للتقية من معنى أمام هذا الكم الهائل من التجاوزات في بيوت ومزارع وأراضٍ أوقفها المحبون للحسين (ع) وقضيته.
أكتب هذه الكلمات، وأعلم تماما أن كثيرا من رجال الدين لا يتابعون عناوين الصحف، لكن لي أملٌ كبيرٌ بأن يوصلها إليهم من يقرأها من المثقفين والمخلصين من أبناء هذا الدين، وحتى من رؤساء المآتم، فمسئولية الكاتب تنتهي إلى إبلاغ الرسالة إلى أصحابها. الحداد أدى دوره حتى خيّروه بين «السجن» او الذلة، والسيد ضياء ترك البكاء على الحسين هذا العام ليندب املاكه الضائعة، والسؤال: ما هو دوركم أنتم؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 550 - الإثنين 08 مارس 2004م الموافق 16 محرم 1425هـ