العدد 550 - الإثنين 08 مارس 2004م الموافق 16 محرم 1425هـ

50 عاما على تصنيع أول خلية شمسية لتحويل طاقة الشمس إلى كهرباء

المؤتمر العالمي العربي للطاقة الشمسية

وهيب عيسى الناصر comments [at] alwasatnews.com

إن التوفيق بين شراهة العالم للوقود من دون الإضرار بالبيئة يعتبر أحد أهم التحديات التي تواجه البشرية في القرن الواحد والعشرين، وخصوصا القطاع الصناعي. ومن المتوقع أن يصل الاستهلاك العالمي للطاقة إلى أكثر من 50 في المئة من الحالي في العام 2020 ليصل إلى 180 ألف جيجاوات ساعة سنويا (10 جيجاوات = 1 بليون) مع مراعاة احتياجات العالم النامي وزيادة مساهمته في الطلب على الطاقة.

وعلى رغم أن مخزون النفط والغاز يكفي لعقود متعددة كثيرة فإن القلق البيئي يزداد، ما يؤثر على الاعتماد على هذين المصدرين ويبعث على استعجال واستغلال مصادر أخرى مساندة لتفي باحتياجات الإنسان. فقبل عام تقريبا وافقت 178 دولة على وثيقة كيوتو لخفض الغازات الدفينة إلى 5,2 في المئة من مستوى انبعاثها العام 1990، وبعد التعديل تم خفض ذلك إلى 2 في المئة، ومع ذلك انفردت أميركا بمصلحتها وخفضت واردات هذه المعاهدة لأجل مصلحتها، ولذلك فإن دول الخليج والعالم العربي لديه مطلق الحرية في أن يتصرف حسب اختياره واحتياجات شعوبه، وخصوصا أن 90 في المئة من دول العالم العربي تحت خط الفقر المائي، بل إن دول الخليج العربي فقيرة جدا مائيا، فهي تقع في أدنى خط الفقر المائي بكثير ليصل الماء «الضارب للملوحة» إلى نحو 100 متر مكعب لكل فرد سنويا، أي نحو ربع متر مكعب في اليوم الواحد من الماء المالح! لذلك فإن مطالبها للحصول على طاقة من ثرواتها الاعتيادية (الأحفورية) لها مبرراتها إذ من دون تحلية المياه سيهلك المواطن ويندثر موطن اسمه الخليج العربي كما اندثرت حضارات بسبب انقطاع موارد المياه فيها. أضف إلى ذلك قسوة الجو من حرارة ورطوبة، ونقص في التقنية والتقنين، وندرة في الغطاء الأخضر الطبيعي مع الأغبرة السائدة، والحمد لله أنه تمكنت حكومات تلك الدول من تغيير المناخ للمواطن ليعيش في رخاء، وإن كان هناك ضرر على البيئة إلا أنه العاهة ولا الموت! فتم استغلال النفط والغاز، وربما المستقبل سيتطلب استغلال الشمس والمصادر المتجددة للطاقة مثل طاقة الشمس، والرياح، والأمواج، والمد والجزر، وتيارات أمواج البحر، وجوف الأرض، والكتلة الحيوية، وغير ذلك.

فالعالم العربي بعدد سكانه البالغ تقريبا 300 مليون يعيش نصف سكانه تقريبا في مناطق ريفية ونائية غالبيتها محروم من الإمدادات والخدمات الأساسية للطاقة، ما يساعد على تدهور الأوضاع الاجتماعية وانخفاض مستوى التعليم والرعاية الصحية، فباستثناء دول الخليج العربي التي يصل متوسط استهلاك الفرد سنويا للكهرباء فيها نحو 12 ألف كيلووات ساعة، فإن متوسط استهلاك الفرد من الكهرباء في العالم العربي منخفض جدا، كجمهورية مصر (380 كيلووات ساعة)، واليمن (110 كيلووات ساعة)، والسودان (26 كيلووات ساعة)، بينما في النرويج (44 ألف كيلووات ساعة)، وأميركا (12 ألف كيلووات ساعة)، بل إن بعض المراجع تشير إلى أن هناك أكثر من 100 مليون مواطن في الوطن العربي لا يحصلون على طاقة كهربائية أكثر من 100 وات يوميا! علما بأن معدلات الإشعاع الشمسي الكلي في هذه الدول يصل في المتوسط إلى نحو 2000 كيلووات ساعة/ م2/ سنة مع غطاء سحب منخفض جدا نحو 20 في المئة على مدار العام، أي أن هناك نحو 3200 ساعة سطوع شمسي سنويا، وهي نسبة عالية جدا إذا ما قورنت بالدول الأوروبية (نحو 1600 ساعة سطوع شمسي)، بينما متوسط سرعة الرياح في الوطن العربي يصل إلى نحو 5م/ ث عند ارتفاع 10م.

إن القلق البيئي يدفع البشر إلى البحث عن مصادر ذات كفاءة في الطاقة، أي انخفاض في الضياع، فعلى سبيل المثال، تستهلك المكاتب طاقة كهربائية تعادل 15 في المئة من الاستهلاك الكلي في أميركا، ولو تم استغلال تقنية مصابيح الدايوه الباعث للضوء لتم توفير طاقة تعادل تلك الناتجة من 25 محطة إنتاج كهرباء في أميركا وحدها!

للأسف، يبلغ حجم الطاقة المتجددة من مجمل الطاقة المنتجة على الصعيد العالمي، تجاريا، 1 في المئة فقط، لدرجة أنه لم يبلغ إنتاج 1 بليون وات من الطاقة الكهربائية عن طريق الخلايا الشمسية إلا في العام 1999 تقريبا، وهذه تعادل الطاقة الصادرة من محطة توليد كهرباء واحدة تعمل بالفحم أو الغاز! مع ذلك، يتم تصنيع الخلايا الشمسية وتركيبها وانتشارها عالميا على نحو متسارع جدا حاليا، والرهان الآن على الطاقة الشمسية والاستثمار فيها مربح جدا، لدرجة أن شركة BP البريطانية (النفط البريطاني) باتت تصنّع خلايا شمسية، ووضعتها في جميع محطات ضخ الوقود في أرجاء بريطانيا كافة تقريبا. وصرح مديرها بأن عوائد هذه التجارة مربح جدا وموائم للبيئة، وهذا ما جعل الشركة تغير معنى رمز شركتها ليكون «ما بعد البترول». ومن التقنيات الواعدة التي أصبحت تنافس في كلفتها الطاقة الاعتيادية (الأحفورية) هي طاقة الرياح التي تحول سرعة الرياح إلى كهرباء، وهي طاقة مستدامة. بالإضافة إلى ذلك خلايا الوقود، وهي أجهزة تحول الطاقة الكيميائية للهيدروجين والأكسجين إلى كهرباء مباشرة ومخلفات هذه التقنية هي بخار ماء، أو بالأحرى ماء صالح للشرب! وهذه التقنية منتشرة نسبيا في تطبيقات الفضاء والشئون العسكرية، لكونها ذات عمر طويل وكفاءة في الأداء نحو 5-60 في المئة، ولا تحدث ضجيجا إطلاقا ويعيبها فقط ثقل وزنها، وهي مرشحة لتحل مكان مكائن الاحتراق الداخلي والغلايات المركزية وبطاريات حاسوب الحضن أو الهواتف النقالة. ومن الدول الناجحة في استغلال هذه التقنية ايسلندا، إذ دشنت 80 حافلة للنقل الجماعي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين.

كما أن هناك الآن تزاوجا بين مواد البناء والإشعاع الشمسي والحراري، بمعنى آخر الهندسة المعمارية الشمسية، أي تشييد مبانٍ لا تستهلك طاقة كهربائية عالية وذلك بمراعاة تدفق حرارة الشمس صيفا، ما يؤدي إلى الحاجة إلى كهرباء عالية للتكييف والتبريد، وخصوصا أن 70 في المئة من كهرباء المنازل تكون للتبريد ولتلطيف الجو في دول الخليج.

كل هذه الموضوعات ستتم مناقشتها والتعرض إليها في المؤتمر العالمي العربي الثامن الذي تستضيفه، مشكورة، جامعة البحرين للمرة الثانية، بمشاركة علماء بارزين عالميا، من بينهم مدير عام المركز الوطني للخلايا الشمسية في أميركا لورانس كارمرسكي، وهو أحد مخترعي الخلايا الشمسية ورئيس تحرير مجلة عالمية في مواد الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى 6 علماء هم رؤساء تحرير مجلات عالمية في الطاقة المتجددة وإدارة الطاقة وحفظها، من بينهم ثلاثة علماء عرب هم علي الصايغ (بريطانيا)، وعبدالحميد الشعراوي (كندا)، وناصر البسام (ألمانيا)، إذ سيكون هذا الملتقى في فندق كراون بلازا بدءا من يوم الاثنين 8 مارس/ آذار الجاري حتى الـ 10 منه، برعاية وزير الكهرباء والماء، ورئاسة رئيسة جامعة البحرين، ودعم من شركات كبرى في البحرين من بينها، والأكثر سخاء، شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات، وألبا، ووزارة الكهرباء، ووزارة شئون البلديات والزراعة، ووزارة الأشغال، ووزارة التربية والتعليم، وشركة غاز البحرين (بناغاز)، وبابكو، وبيت التمويل الكويتي، وبنك البحرين والكويت، والطيران المدني، وجهات عالمية كذلك مثل الأيسيسكو (المغرب)، وجامعة الأمم المتحدة (اليابان)، والجمعية العالمية للطاقة الشمسية (ألمانيا)، وبرنامج الأمم المتحدة (UNDP)، واتحاد الجامعات العربية (الأردن)، وغيرها.

فالدعوة مفتوحة لمشاركة الراغبين كافة في حضور هذا الملتقى المهم سواء من المختصين أم المهتمين أم أصحاب صنع القرار، لذلك تم جعل رسوم التسجيل مخفضة لتبلغ فقط 200 دولار أميركي ليتسنى للعرب كافة الاجتماع تحت سقف واحد، علما بأن المؤتمر الأول كان في دولة الكويت العام 1984، ثم البحرين العام 1986، ثم العراق العام 1988، ثم الأردن العام 1993، ثم البحرين العام 1995، ثم سلطنة عمان العام 1998، ثم الإمارات العربية المتحدة العام 2000، وحاليا في مملكة البحرين، والمؤتمر المقبل سيكون بإذن الله في ليبيا العام 2006.

تجدر الإشارة إلى أن هذا المؤتمر يتزامن مع مرور خمسين عاما (اليوبيل الذهبي)، لتصنيع الخلايا الشمسية بعد أن تم اختراع أول خلية شمسية العام 1952. لقد كانت خلية شمسية مساحتها 2 سم2، وكفاءتها 5 في المئة، وتنتج 2 ممللي وات فقط، أما الآن فتم إنتاج 500 مليون خلية شمسية مساحتها 4 بلايين سم2 وبكفاءة من 15 إلى 20 في المئة، وتنتج إجمالا 500 جيجاوات بكلفة 3,25 دولارات لكل وات، وبكلفة لكل خلية قدرها 2,5 دولار أميركي، وسيشهد المستقبل إنتاج خلايا شمسية بسماكة 125 ميكرون، وبكفاءة 20 في المئة في العام 2010 بكلفة 1,4 دولار لكل وات (بدلا من 10 دولارات لكل وات حاليا)، وبسعر 0,06 دولار لكل وات (بدلا من 0,52 دولار لكل وات الآن). فالطاقة الشمسية نصيبها من إجمالي الطاقة المتجددة هو 0,039 في المئة، والرياح 0,026 في المئة، والمد والجزر 0,004 في المئة، والطاقة المائية 2,3 في المئة، والمحروقات المتجددة والفضلات 11 في المئة، ليكون نصيب الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة العالمي 13,8 في المئة فقط

إقرأ أيضا لـ "وهيب عيسى الناصر"

العدد 550 - الإثنين 08 مارس 2004م الموافق 16 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً