العدد 549 - الأحد 07 مارس 2004م الموافق 15 محرم 1425هـ

الأخلاق والاستثمار: تكامل أم تصادم؟

أنور يوسف comments [at] alwasatnews.com

إن المتتبع للقضايا والموضوعات التي تطرحها الكتل الإسلامية في مجلس النواب منذ دور الانعقاد الأول حتى الآن يجد أنها تقابل دائما بمواجهات وتحليلات وانتقادات بعيدة عن نبض الشارع ومشاعر الناس. وحجتهم في ذلك هي عدم وجود برنامج عمل لهذه الكتل توصل إلى حلول واعدة لقضايا المجتمع الأساسية وخصوصا الاقتصادية منها ذات العلاقة بموارد المملكة وحال المواطنين المعيشية. كما يرجع هؤلاء طرح الكتل الإسلامية لقضايا أخلاقيه بين الحين والآخر إلى التهافت والاندفاع للحصول على السبق في مكاسب برلمانية، وتعزيز تأييد عامة وبسطاء الناس لهم. إذ سمعنا ذلك في المجالس وقرأناه في الصحف عندما أثار منتسبو هذه الكتل في مجلس النواب الزي العسكري لمنتسبات الداخلية ومسألة الفوائد الربوية على قروض الاسكان أو عندما زارت المملكة نانسي عجرم وعند بحث التداخل بين مواقع الفنادق والمساكن وأخيرا عندما بدء بث برنامج «الأخ الأكبر».

ولا يخفى على هؤلاء تميز مجتمع البحرين بنقائه وصفاء فطرته وعشقه للتمسك بدينه وتراثه وقيمه وأخلاقه على رغم تفرده وقلة دفاعاته لمواجهة الغزو الفكري الكثيف الذي وجد جنود هذا الغزو في سياسة المملكة من انفتاح فكري وسيلة لنشر المدارس الفكرية المختلفة لدى الناس ومنذ عقود طويلة. كما لا يخفى على أحد أثر الإعلان أن دين الدولة الإسلام، الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع بالميثاق الوطني ودستور المملكة في تأييد المجتمع لهذه الوثائق الوطنية. وهذا يدل دلالة قطعية على نقاء المجتمع والتزامه بدينه وخوفه من غضب وقعته. وسيبقى مجتمع البحرين مجتمعا محافظا يرفض الابتذال والتحلل من القيم والمبادئ فهو في مجموعه محافظ على الدين على رغم الفساد الرخيص الذي تروج له منابع مكامن الشر من حفلات ماجنة وبرامج سياحية وفنية مبتذلة.

كما لا يخفى على تجارنا وصحافيينا أن الأخلاق هي ركيزة التنمية البشرية وهي قاعدة المجتمع الصلبة التي تبنى عليها حضارة وتقدم وتطور الوطن. إذ سيخسر المجتمع وجوده لو أن أخلاقه وعرفه وتقاليده لم تكن امتدادا لدينه وقيمه وتراثه. ولهذا فقد حاول الإسلاميون في مجلس النواب أن ينقلوا نبض المجتمع وهمومه ومرئياته في بعض الانحرافات الأخلاقية التي يشاهدها المواطن في مواقع كثيرة بالبلاد ويتمزق حزنا لتوطينها والترويج لها، ولإيمان الجميع بأن محاربة الفساد مجلبة لرحمة الله والمال الحلال ومحققة لأعلى مستويات الحماية للشباب وهم عماد الوطن من الانزلاق تجاه الخطأ وطريق الضلال، وبأياديهم المكبرة لله تنهض الأمة وترقى في كل المجالات.

وأستغرب أن تكون هناك اختلافات بين فئات المجتمع تجاه ما عرضته الكتل الإسلامية في مجلس النواب من قضايا وموضوعات، فقد نختلف في قضية سياسية وقد تتباين وجهات النظر في طرح اقتصادي ولكن المشكلة الكبرى في ألا نتفق جميعنا على تحديد جامع وواضح لمفهوم الأخلاق وأن يختل تمييزنا لما هو صالح وما هو مبتذل وطالح وعلى وجوب ارتداء المرأة للحجاب وعلى حرمة الدين للخمر والبغاء والربا والفن الرخيص المبتذل بحجج واهية. فهل يعقل أن التمسك بالأخلاق والعرف والتقاليد يطرد الاستثمار ويثبط رجال الأعمال من توظيف أموالهم في الوطن ويزيد نسبة البطالة ويقلل من فرص التوظيف؟. وهل يمكننا أن نصدق أن أصحاب الأموال لا يجدون فرصا لتحقيق المكاسب والايرادات لأموالهم إلا في الاستثمار بالسياحة المنحرفة والبرامج المبتذلة؟.

إنه من العجب أن نختلف حتى في تحديد هوية المجتمع البحريني ونخطأ في معرفة قدر انتمائه وولائه لدينه وتقاليده. وأتساءل ما الضرر في أن توظف الديمقراطية المتاحة لنا لتعزيز أخلاق المجتمع وللحفاظ على سمعة الوطن كما هو الحال في استغلالها كآلية لمعالجة مشكلاتنا الاقتصادية وقضايانا السياسية. إنه من الأصلح أن تتوافق مسيرة الاصلاح والتنمية في منهج واحد متجانس حتى نحصد رجالا متسلحين بالدين والأخلاق والعلم لينفعوا أنفسهم وأهليهم ويخدموا وطنهم وأمتهم ويساهموا بفعالية في الوقت ذاته في بناء وطن قوي باقتصاده ومشروعاته التنموية من دون فساد مالي أو تجاوزات إدارية. ويستلزم الإشارة هنا إلى الموقع والدور المفقود لجمعية الاجتماعيين فكلنا يترقب عطاءهم لتوضيح ارتباط وأثر الأخلاق والنزاهة والأمانة والصدق واتقان العمل على التنمية الاقتصادية المنشودة، ولتعريف المجتمع ومؤسساته بمدى تأثير البرامج التلفزيونية المبتذلة كبرنامج «الأخ الأكبر» وغيره على سلوكيات الناشئة والمراهقين.

إنه من المفيد للوطن أن يسن مجلس النواب القوانين والتشريعات، ويعكس رأي المواطن في كل قضايا المجتمع ومنها القضايا الأخلاقية وأن تحظى كل جوانب حياة المواطن بالعرض والنقاش. فالديمقراطية تبرز رأي الشعب وتعكس مرئياته بشأن كل ما يشاهده ويسمعه ويعيشه المواطن وليس من قضية تستحق تأكيد الرأي الإسلامي فيها كما في هوية الأمة وعندما تضطرب موازين المجتمع في فهمه لدينه وقيمه وتقاليده. فما أجمل أن نعلن حكم الله في ما نختلف فيه وأن نلتزم بشرعه وحدوده وان خالف ذلك هوى النفس. وما أجمل أن يواصل الإسلاميون بمجلس النواب والعقلاء في الصحافة والإعلام ورجال المال والاقتصاد والاستثمار تبني قضايا المجتمع المختلفة ولا تلومنا لائمة من أفراد يسعون إلى إشاعة الفاحشة واستقطاب الأموال والاستثمارات لتوظيفها في إفساد المجتمع وزلزلة روابطه بالدين إذ يقول الله عز وجل «ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدينا والآخره والله يعلم وأنتم لا تعلمون».

فلنحرص جميعا على تنمية الوطن بمال حلال وتوجيه الاستثمار المحلي والأجنبي لتحقيق نهضة صناعية كبيرة تجلب الكسب الحلال وتساهم في دعم اقتصاد الوطن بدلا من توظيفها في مشروعات الفساد وبرامج الضلال، وأن ندعم كل من يساهم في بناء شباب الأمة فهذه مسئولية الجميع فهم عماد الأمة وسندها وستسقط أية أمة هزلية بلا دين وأخلاق وجدية، ولنوجه أموال الوطن لتشييد مصانع منتجة لسلع أساسية وتحقيق مستويات متقدمة من الأمن الغذائي والماء النقي والخدمات المتميزة للمواطن بدلا من صرف الأموال على إقامة الحفلات الماجنة وانتاج البرامج المبتذلة والترويج لمحرمات الله. فلتهاجر الأموال إن أرادت غمسنا في الرذيلة والمعصية، ولتكن مسيرة الخير متنوعة بعطائها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي ومحكومة في الوقت ذاته بدين الله وأحكامه، ولنقف صفا متلاحما لكل العابثين بهوية الأمة ودينها أو من يروج لعبثهم

العدد 549 - الأحد 07 مارس 2004م الموافق 15 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً