تجدد النساء حول العالم في 8 مارس/ آذار من كل عام، تقييمها الموضوعي لأوضاعها من ناحية حقوقها ومطالبها الملحلة المتصدرة أجندات العمل أو التقدم المحرز في بعض المجالات، أو الفرص التي ضاعت، مستلهمة في ذلك نضال 15000 عاملة من عاملات مصانع النسيج في إضرابهن بمدينة نيويورك في العام 1908 - ويقال أيضا في العام 1857 - للمطالبة بحقوقهن المشروعة في أجور أعلى، وساعات عمل أقصر، وحق التصويت وإنهاء عمالة الأطفال.
لقد اتخذت الأمم المتحدة «المرأة والإيدز» شعارا ليوم المرأة العالمي لهذا العام بعد تفاقم عدد الأرواح التي ذهبت وتذهب ضحايا لفيروس نقص المناعة البشرية (الايدز) من النساء وأطفالهن. فقبل عشر سنوات كانت نسبة النساء من بين المصابين بالإيدز 38 في المئة على نطاق العالم، أما اليوم فقد بلغت النسبة 50 في المئة، وتبلغ النسبة من المصابات في إفريقيا وحدها 58 في المئة وفي منطقة البحر الكاريبي 52 في المئة.
وفي العالم النامي، زاد عدد الفتيات المصابات بالايدز عن ضعف عدد الفتيان المصابين في الفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة. وما يجعل الأمر أكثر خطورة على النساء والفتيات خصوصا أنهم من الناحية البيولوجية أشد عرضة للإصابة من الرجال كما أن الأثر الاجتماعي أشد وقعا عليهن إذ إنهن يقمن بالرعاية عند إصابة أحد أفراد الأسرة بالداء، فيحرمن من التعليم والعمل وعند إصابتهن بالمرض فلا يحصلن على العلاج في غالبية الأحيان. وفي غالبية الحالات لا قدرة للمرأة على رفض العلاقة الجنسية غير المرغوبة أو طلب علاقة جنسية مأمونة لأنها تواجه بالعنف والاغتصاب، ضمن حصارها في دائرة مركبة من الفقر، وسوء المعاملة، وقلة المعرفة والاضطهاد من زوج يعاشر عددا غير محدود من النساء أو الرجال.
ومن بين القضايا التي ألقي الضوء عليها بمناسبة يوم المرأة العالمي ما يأتي:
حرق 25000 عروس في الهند سنويا من قبل الزوج أو أهلها لعدم ملاءمة هدية أو مهر الزواج الذي قدمته العروس للعريس وتفسير ذلك بالانتحار أو الحادث.
قتل النساء المتعرضات للاغتصاب عن طريق الأهل بدعوى الحفاظ على الشرف فيما يسمى بـ «جرائم الشرف» في كل من الأردن وباكستان ولبنان والعراق وغيرها.
تشويه الأعضاء الجنسية لما بين 85 مليونا إلى 115 مليونا من النساء والفتيات بعمليات الختان بحسب منظمة الصحة العالمية، وهي عملية مازالت تمارس في 28 دولة إفريقية، بعضها يمنع فيها الختان بنصوص قانونية.
استخدام اغتصاب النساء سلاحا أثناء الحروب كما حدث في المكسيك، رواندا، هاييتي، كولومبيا، يوغسلافيا والكويت.
تعرض امرأة للضرب والاعتداء في الولايات المتحدة الأميركية في كل 9 ثوان، وقيام واحدة فقط من بين كل 100 امرأة من النساء المعنفات بإبلاغ السلطات.
59 في المئة من النساء اليابانيات هن ضحايا للعنف المنزلي.
42 في المئة من نساء كينيا و80 في المئة من نساء باكستان قد تعرضن لتجربة العنف داخل المنزل.
نصف ضحايا جرائم القتل في روسيا هن من النساء ويتم قتلهن بيد شريكهن الذكر.
في كل 80 ثانية تتعرض امرأة للاغتصاب في جنوب إفريقيا.
في كل 3 دقائق يتم اغتصاب امرأة في الولايات المتحدة، علما بأن امرأة من بين خمس نساء تكون ضحية للاغتصاب خلال حياتها.
ثلث النساء في الباربادوس وكندا وهولندا ونيوزيلندا والنرويج يتم استغلالهن جنسيا خلال مرحلة الطفولة.
هذه نبذة مبسطة جدا لبعض قضايا النساء على المستوى العالمي، فماذا عن المستوى المحلي؟ ما هي طموحات وآمال المرأة البحرينية التي تتمناها هذا العام وفي الأعوام المقبلة؟
هنا نقول إن المرأة البحرينية قد أدركت منذ فترة طويلة أن حقوقها كمواطن لا تختلف عن حقوق الرجل أمام القانون، وعملت - عبر الجمعيات النسائية والهيئات والأفراد - على مقاومة أوجه التمييز الذي ترصده في التطبيق والممارسات في المجالات كافة وبما كان متاحا لها من أساليب وآليات، لا كما يبسط البعض الموضوع بوعي أو من دون وعي بالمقولة الجاهزة «حقوقكن كاملة وموثقة في الدستور والميثاق فماذا تردن أكثر؟».
اليوم تبرز أمامنا المنهجيات والآليات الحديثة في قياس أوضاع المرأة، إذ تصاغ خطط التنمية من منظور النوع الاجتماعي، وتستهدف المرأة كمجموعة منفصلة في خطط التنمية الوطنية، فلم تعد الدراسات مقتصرة على إحصاءات نسب مشاركة المرأة ولكنها اهتمت أيضا بمقارنة نسب النساء إلى الرجال وتحليل أسباب تخلف المرأة.
أصبحت إحصاءات النوع الاجتماعي من مهمات الأجهزة المركزية للإحصاء للدول وتعرض تقاريرها على متخذي القرارات في الوزارات والهيئات ومؤسسات المجتمع المدني كافة وعامة الناس لا على الجمعيات النسائية فقط، وذلك بهدف التخطيط لسياسات حساسة لقضايا النوع الاجتماعي.
إن نتائج هذه الإحصاءات توظف لتحقيق أهداف تقدم المرأة الموضوعة في الخطط الوطنية الاستراتيجية عن المساواة في النوع الاجتماعي، والتي تطورها الدول لتسهيل تطبيق التزامات الحكومة مع إعلان بكين ومنهاج العمل المقر من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي شمل 12 مجالا هي: الفقر: الصحة، العنف، التعليم والتدريب، الاقتصاد، حقوق الإنسان، وسائط الاتصال، البيئة، الطفلة، النزاع المسلح، صنع القرار والآليات المؤسسية.
إن الدول اليوم تضع الخطط الوطنية والاستراتيجيات للنهوض بالمرأة، متوافقة مع التوجهات والخبرات العالمية القيمة في تقدم وضع المرأة، إذ لم تعد المعالجات الجزئية مفيدة، كما أن قضايا المرأة أثبتت ارتباطها فيما بينها، ولابد من النظر إليها بشمولية.
لقد وقعت مملكة البحرين من بين 175 دولة حتى ديسمبر/ كانون الأول 2003 اتفاق تفعيل القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة كافة في 18 يونيو/ حزيران 2002، وعلى رغم تحفظها على عدد من المواد في الاتفاق، فإنها أصبحت ملزمة بتنفيذ مضامين المواد المتبقية على أرض الواقع وكأنها جزء من التشريعات الوطنية. هذا الاتفاق تطلب من الدول الأطراف القضاء على التمييز في ممارسة جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي التمتع بها، كذلك تشمل ما يقع من تمييز في نطاق الحياة الخاصة وخصوصا في الإطار الأسري. وتحدد المواد الجوهرية الستة عشرة من الاتفاق مجالات محددة للتمييز ذات أهمية خاصة بالنسبة إلى المرأة، وتضع الوسائل للقضاء على أوجه التمييز هذه.
وبموجب الجزء الأول من الاتفاق (المواد من 1 الى 6) توافق الدولة على اتخاذ التدابير كافة لضمان تقدم المرأة في صورة إجراءات قانونية وإدارية وتدابير مؤقتة خاصة تتسم بالفعل الإيجابي من أجل تعديل أنماط السلوك الاجتماعية والثقافية. وبموجب مواد الجزء الثاني (المواد 7 - 9) تتعهد الدول بحماية حقوق المرأة في مجالي الحياة السياسية والعامة كالانتخاب والترشيح والمشاركة في الحكم وتمثيل البلاد في المحافل العالمية. أما في الجزء الثالث (10 - 14) فتعرب الدول الأطراف عن جملة من الالتزامات المختلفة للقضاء على التمييز في التعليم، والتشغيل، والصحة، وفي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي الجزء الرابع توجد المواد الخاصة بالزام الدول بتوفير المساواة للمرأة مع الرجل أمام القانون، وممارسة الحقوق القانونية وعلى وجه الخصوص في ميدان الأحوال الشخصية والأسرية.
إن الجانبين الأهلي والرسمي بدآ خطوات جادة وحثيثة في انتهاج هذه الرؤية الجديدة في معالجة قضايا المرأة والمدافعة من أجل تقدمها. ويستعدان لتقديم التقرير الأولي للجنة القضاء على التمييز ضد المرأة في الأمم المتحدة قريبا، إذ كان من المفترض تقديمه بعد انتهاء عام واحد على توقيع الاتفاق. إن من شأن التقرير استعراض التدابير التي نفذتها الدولة تحت كل بند من بنود الاتفاق في المجالات المذكورة آنفا، وعلى رغم خلو صيغ التشريعات الوطنية البحرينية عموما من التمييز فإنه لا تتوافر هناك إجراءات لمحاسبة مرتكبيها أو معززيها، كما أننا نلمس إهمالا وتكاسلا على صعيد التنفيذ، ولعل ما تعانيه النساء في أروقة المحاكم من ذل وهوان أبلغ دليل على صدق ما نزعم.
نعتقد أن المرأة البحرينية ترحب أولا - وقبل كل شيء - بالاستقرار داخل أسرتها والاطمئنان على أطفالها، وهذا يتطلب قانونا متقدما للأحوال الشخصية ومحاكم مؤهلة بقضاة متمرسين، وبأنظمة قضائية عصرية وإجراءات قضائية محايدة وسريعة، تسهل أحكام السكن والنفقة والحضانة.
المرأة البحرينية سترحب بالتأكيد بحقوقها العادلة في الانتفاع بالخدمات الإسكانية عندما تكون معوزة ومستحقة فعلا، وان لم تكن ضمن الحالات التي تضمنها القرار الوزاري رقم 12 لسنة 2004 الذي أصدره وزير الأشغال والإسكان أخيرا والذي حصر حق الانتفاع على حالات المطلقة الحاضنة والعاملة والمعيلة ذات الأجر الشهري الثابت وغير الممتلكة لعقار، والمطلقة المتمكنة من إثبات حقها القانوني في الممتلكات قيد النزاع، إذ إن هناك حالات أخرى كثيرة من النساء المعوزات والمهمشات متضررات بدرجة كبيرة وغير قادرات على التصدي نتيجة فقرهن وقلة معرفتهن القانونية، ومن بينهن المهجورات والمعنفات والمتسولات للمعونات الشهرية الزهيدة المهينة.
من وجهة نظرنا، انه ينبغي اعتبار حالات النساء المتضررات كافة ورعايتهن بالقرار، بالتشاور مع جهات الاختصاص وفق آلية رسمية أهلية لدراسة الاستحقاق.
سترحب المرأة البحرينية كذلك بالإجراءات والتدابير أثناء الحمل والولادة واجازات الوضع أسوة بالنظم المتقدمة التي تنظر الى الأمومة كواحدة من أهم الوظائف الاجتماعية التي تؤديها المرأة للمجتمع. سترحب أيضا بالفرص المتكافئة في العمل عند التدريب والترقي للمناصب العليا التي مازالت - في غالبيتها - حكرا على الرجال، على رغم وجود الكثير من الكفاءات النسائية القادرة. وسترحب الفتاة البحرينية - خصوصا - بحقها في الابتعاث للدراسات العليا عندما تكون نتائجها أعلى من زميلها بعد انتهاء الدراسة الثانوية. وعموما، فإن المرأة البحرينية سترحب بتنقيح التشريعات من أية شوائ
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 549 - الأحد 07 مارس 2004م الموافق 15 محرم 1425هـ