العدد 549 - الأحد 07 مارس 2004م الموافق 15 محرم 1425هـ

رسالة خاطئة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

صدق مجلس الشيوخ الفرنسي على قانون منع الرموز الدينية في المدارس العامة بغالبية 276 صوتا ضد 20. وكانت الجمعية الوطنية (البرلمان) صدّقت على القانون بغالبية ساحقة في الشهر الماضي. وبعد تصديق الشيوخ يصبح القانون نافذ المفعول في مطلع السنة الدراسية في الخريف المقبل.

وفي موازاة محاربة الرموز الدينية وتحديدا (الحجاب الإسلامي) طالب بعض النواب بتطوير قانون يعاقب على العنصرية صدر في فبراير/ شباط في العام الماضي 2003. وجاء الاقتراح ردا على احتمال نمو مشاعر عنصرية ضد المسلمين والأقليات الدينية الأخرى. فالدولة متخوفة من ان تفهم خطوتها بأسلوب خاطئ وتقوم المجموعات العنصرية (قوية في الشارع الفرنسي) بتفسيره على طريقتها معتبرة إياه إشارة خضراء للهجوم على المسلمين في بلاد الفرانك.

الخبر ليس هنا، الخبر انه بعد تصديق مجلس الشيوخ على قانون محاربة الرموز الدينية قامت بعد 48 ساعة مجموعات عنصرية بمهاجمة وحرق مسجد في بلدة آنسي، وبعدها بقليل قامت مجموعات أخرى بمهاجمة وحرق مسجد آخر في بلدة سينود.

المسجدان يقعان في جنوب فرنسا وتخوفت الكثير من الجهات ان تتكرر الحوادث بعد ان فهمت المجموعات العنصرية القانون الجديد بطريقة خاطئة وفسرته انه بداية حملة إفرنجية على الإسلام والمسلمين في فرنسا.

ونظرا للاتصال بين موعد صدور القانون وموعد الهجوم والحرائق التي استهدفت المسجدين اضطرت الرئاسة الفرنسية الى الاسراع في إدانة الحريقين ووصف الرئيس جاك شيراك في بيان صدر عن قصر الرئاسة الهجمات بأنها من «الأعمال المشينة».

في اليوم التالي احتج المسلمون على الاعتداءات ونظموا مظاهرات صامته أدانت الحرائق وطالبت السلطات اتخاذ تدابير أمنية تقضي بحماية المراكز الدينية المسلمة كما هو حاصل من جهة حماية المعابد الدينية اليهودية.

استنكر المسلمون حوادث الاعتداء ونظموا مسيرات في آنسي وسينود إلا ان المسئولين الفرنسيين رفضوا المشاركة في الاحتجاج فاقتصرت المسيرات على المسلمين وحدهم الأمر الذي أثار حفيظة الفعاليات والهيئات المسلمة معتبرين ان المقاطعة لها صلة باقتراب موعد الانتخابات. فعدم التعاطف يعود الى مخاوف المسئولين المحليين والرسميين من التيار العنصري واحتمال تصويت مجموعاته لمصلحة المترشح الذي لم يشترك في المسيرة.

هذه مصيبة حقيقية وهي أسوأ سياسيا من التصديق على القانون. فالتصديق تم تغطيته بأنه جاء لصيانة علمانية الدولة وحماية مبادئ الجمهورية حتى ان البعض فسر تصويته بأنه يهدف الى حماية المسلمين من توحش المجموعات العنصرية. بينما الاستنكاف عن المشاركة في المسيرة فإنه لم يفسر او يشرح بل ترك الأمر لمن يريد ان يفهم أو لا يفهم. وفهم الأمر بأنه جاء خوفا من نفوذ التيار العنصري وتأثير مجموعات هذا التيار على صناديق الاقتراع. وهذا يعني ان فرنسا باتت تعاني من مشكلة داخلية أساسها ليس الديانات الأخرى او الأقليات الدينية التي تعيش في البلاد منذ أكثر من خمسة عقود، بل من المجتمع نفسه الذي بات فعلا هو مصدر القلق على علمانية الدولة ومبادئ الجمهورية. فالمشكلة إذا أكبر من المسلمين وموضوع الحجاب. فالحجاب جاء ذريعة «علمانية» للتغطية على مخاوف سياسية من نمو تيار متوحش يطلق عليه: العنصرية.

إلا ان مشكلة القانون الذي صدر عن البرلمان ومجلس الشيوخ جاءت لتصب الماء في طاحونة العنصرية وليس في مصلحة العلمانية. فالقانون فهمته المجموعات العنصرية بأنه بداية تراجع عن «الجمهورية العلمانية» وهو خطوة أولى في مسيرة الألف ميل. وهذه البداية (القانون) أعطت رسالة خاطئة لذلك التيار الذي وجد في نفسه قوة سياسية لا يستغنى عنها لكسب الأصوات في معركة انتخابية باتت قريبة.

والمشكلة الأخرى ان الدولة الآن أوقعت نفسها في ازدواجية بين حماية الدستور (العلماني الجمهوري) وبين حماية المجتمع (المتعدد نسبيا) والازدواجية أساسها التعارض بين تنوع التركيب الديني للبلاد وأحادية القوانين التي تعكس نمطا من التفكير وليس واقعا اجتماعيا تتألف منه فرنسا.

ما حصل في آنسي وسينود ليس إلا البداية. فالدولة سنت القانون الذي يحميها وتخلت عن مسئولياتها السياسية في حماية المجتمع. وهذه إشارة خاطئة دستوريا وسيئة سياسيا. ففي الجانب الأول رفعت حمايتها عن 5 ملايين مسلم يعيشون في البلاد وفي الجانب الثاني أعطت رسالة مغلوطة للتيار العنصري... وبأنه يستطيع الهجوم إذا أراد ذلك. هذا على الأقل ما فهمته المجموعات العنصرية وبدأت تستفيد منه على الأقل في المرحلة الفاصلة بين صدور القانون ودورة الانتخابات

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 549 - الأحد 07 مارس 2004م الموافق 15 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً