العدد 548 - السبت 06 مارس 2004م الموافق 14 محرم 1425هـ

قراءة للمشهد الإيراني الراهن

بعد انتهاء معركة انتخابات المجلس النيابي السابع

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إن كثيرا من تعليقات وسائل الإعلام العربية والعالمية التي استهوتها حمى الأزمة الأخيرة الناشبة بين مجلس صيانة الدستور وأطراف كثيرة في الأجهزة التنفيذية وبعض قوى المجتمع المدني في إيران عن رفض أهليّة أكثر من ألفي مُترشّح للانتخابات التشريعية السابعة اتسمت بنوع من «إساءة قراءة» وبمسحة انتقائية مُفرطة الأمر الذي جعلها مُصابة في رشدها بدوامة صمت راديكالية أفقدتها كثيرا من «حصافة» الرأي وبمساس واضح بأخلاقيات المهنة، وخصوصا أن البعض احتفى باستحالة حلٍّ لما يجري، من دون أن يسترشد بالمعطيات الموضوعية التي تفضيه إلى تحليل موزون يُحاكي ما هو محسوس وكائن فاستعصى عليه إمكان تحييده، فرأى ما حدث انقلابا أبيض على قوى الإصلاح، ثم رآه «بتبسيط فاقع» صراعا أزليا بين المحافظين والإصلاحيين، وهي الاسطوانة التي باتت تشبه «سوق الصفَّارين» في بغداد لا نسمع ونرى ولا نقرأ إلى صداها المُمِل.

فإيران التي يحكمها نظام سياسي أعقد من أي نظام قريب أو بعيد قديم أو حديث ويحوطها مجتمع تُكونه وتكتسيه وتلفّه السياسة من رأسه حتى أخمص قدميه لا يُمكن أبدا أن يُقرأ من زاوية واحدة أو من خلال قصاصات أخبار متناثرة من دون أن يجمعها تسلسل تاريخي بظروف مقام متّسِقة. لابد إذا من القيام «بمحاولة» قراءة لما جرى لإرهاصات أزمة أهلية وظروف الانتخابات النيابية التي جرت في 20 فبراير/ شباط الماضي.

(1) أن الذي حدث في الجمهورية الإسلامية من قيام مجلس صيانة الدستور برفض عدد غير قليل من مترشحي التيار الموسوم بالإصلاحي (وبعض المحسوبين على اليمين والمستقلين) لم يكن سوى نزعة متنامية بدأ النظام الإسلامي يتحين فرصة مجيء سوانح الأيام للقيام بها وهي إجراء عملية جراحية (تجميلية لكنها ضرورية) في التيار (الإصلاحي) ذلك أنه بات أكثر اقتناعا من أي وقت مضى، بأن هذا التيار وخصوصا المتطرفين من جبهة المشاركة ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية ومكتب تعزيز الوحدة بدأوا في التجاسر ومن دون ضوابط على ما لم يسبق التفكير فيه من اسس الدولة آخذين بالضغط على العبارات والكلمات في صحفهم اليومية التي تُثير حساسية الحكم وقواه الارتكازية. كما سعت هذه التيارات السياسية بتعمد لأن تكون المصدر الرئيسي للكثير مما ثار على الساحة السياسية الإيرانية في السنوات الست الماضية من غبار ورمال وحجارة ملأت الأجواء وحجبت الرؤية، فالنشاط السياسي المشبوه الذي قامت به تلك القوى لم يعد يُحتمل من قِبَل القيِّميين من رجال الثورة الأوائل، وفيما يأتي نماذج منه:

(أ) ترحيب جبهة المشاركة بقيام واشنطن بفتح عدد من المواقع الإلكترونية الناطقة بالفارسية بحجة تشجيع الديمقراطية في إيران، علما بأن المسئول الأميركي الذي صرّح لوكالة «رويترز» بذلك قال: إن هذه المواقع ستقدم للناس التعليمات اللازمة للقيام بتحركات سياسية في إيران.

(ب) قيام جبهة المشاركة بتشكيل لجنة خاصة لتوجيه حوادث 9 يوليو/ تموز من العام الماضي في الحي الجامعي بطهران بعضوية كل من مصطفى تاج زادة ورجب علي مزروعي وفاطمة حقيقت جو.

(ج) قيام بهزاد نبوي وهو من زعماء منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية بزيارة سرية إلى تركيا التقى هناك المبعوث الأميركي لأفغانستان زلماي خليل وتباحث معه عن مشروع التمرد المدني والرقابة الاستصوابية على الانتخابات.

(د) حضور عبدالكريم سروش ومحسن كديفر وهما من منظري جبهة المشاركة احتفالا أقامته السفارة الأميركية في بولندا لاستلام جائزتين نيابة عن الصحافي أكبر كنجي وهاشم آغاجري.

(هـ) قيام مكتب تعزيز الوحدة بتوجيه رسالة مفتوحة لمنسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافير سولانا تنتقد فيها «الأداء والمواقف لبعض الأعضاء بالاتحاد الأوروبي تجاه إيران» طالبة منها «عدم التضحية بالديمقراطية وحقوق الإنسان في سبيل مصالح قصيرة الأمد». وهو ما اعتبر مؤشر على تأييد التنظيم المذكور لدور الضغوط الدولية لتغيير نهج الجمهورية الإسلامية في الميادين الداخلية، بالإضافة إلى كل ذلك فإن أزمة الحي الجامعي ومؤتمر برلين وتعديل قانون المطبوعات ومشروع التمرد المدني والإخلال بالخط الفاصل بين المواليين وغير المواليين ودبلوماسية السبيل الثاني والضرب من الأسفل والضغط في الأعلى وعصابة مفبركي الأشرطة هي كلها شطحات لا تُغتفر للإصلاحيين.

وأمام ذلك السلوك الاسفزازي لبعض القوى المتطرفة في جبهة الثاني من خرداد الذي يُفَسّر بأنه يؤثر بشكل ما على الأمن القومي الإيراني، فقد اعتقد النظام الإسلامي بأن عمليته الجراحية تلك باتت أوجب من أي وقت آخر وأنه إذا لم يقم بذلك وتمكنت جذور تلك التنظيمات المتطرفة في العمق الاجتماعي والسياسي فمعنى هذا أن القطع أو الخلع لها في المستقبل يصبح عمليا تصديا لواحدة من ظواهر الطبيعة ذاتها وهذا صعب.

(2) حاول التيار (الإصلاحي) إحراج المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإمام الخامنئي بتسويقه لمقولة أن مجلس صيانة الدستور لم يقم بتنفيذ توجيهات القائد بعد اجتماعه به، وكان الغرض السياسي من ذلك هو دفع المرشد عن طريق وضع الكلمات في فمه للتدخل والاستقواء به من أجل تمرير أكبر عدد ممكن من المترشحين المطعون في أهليتهم، على رغم أنه تدخل لحلحلة القضية ثلاث مرات، وبعد فشل تلك المراهنة كلّل متطرفو التيار الإصلاحي خطتهم الفاشلة تلك بتوجيه رسالة شديدة اللهجة إلى المرشد اتهموه فيها بأنه تواطأ سرا مع مجلس صيانة الدستور لرفض ترشيحات جبهة المشاركة ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، ونحن عندما نرجع إلى ما قاله الإمام الخامنئي في اجتماعه بأعضاء مجلس صيانة الدستور بعد اشتداد أزمة رفض الأهليات نجد أنه قال بالحرف «الذين تقدموا مُحرَزِين ما لم يثبت عكس ذلك، فإذا ما ثبت خلافه فلا تسمعوا لقول أي أحد واعملوا بما يثبت، بطبيعة الحال إن الذي ثبت عدم إحراز أهليته بعد أن كانت محرزة شأنا آخر فهو ليس موضع كلامنا ولكن ما لم يثبت عدم إحراز الأهلية فإن الموضع موضع استصحاب الأهلية، فمن كان صالحا في السابق استصحبوا أهليته الآن واستصحبوا الأهلية الآن أيضا إذ هنالك موضع للشك، وهذا ما يخص النواب الذين أحرزت أهليتهم في الدورة السابقة، أما الذين كانوا في الدورات السابقة فلن يكون ثمة موضع للإستصحاب إذا ما كانت أهليتهم رُفضت في الدورة السابقة، والذين كانوا في الدورات السابقة ولم يرشحوا بعدها فإن هذا الكلام يجري بحقهم أيضا» (انتهى) والإشارة هنا واضحة ولا تحتاج إلى قراءة من نوع آخر أو الاستعانة بخبراء القانون وعلم اللغة فالمرشد أكّد أن الذين تقدموا للترشيح يُعتَبَرون مُحرَزين للأهلية إلاّ إذا ثبت خلاف ذلك، وإلاّ فإن عليكم أن تستصحبوا أهليته السابقة حتى مع وجود الشك، وبالتالي فإن الذين كانوا يُنادون بتطبيق توصيات وأوامر المرشد لم يكن لديهم شك بهذا التفسير إلاّ أنهم أرادوا أن يُحرجوا الرجل وزجّه للتدخل لصالحهم.

(3) أن رفض الأهلية التي قام بها مجلس صيانة الدستور لم تقتصر فقط على التيار (الإصلاحي) بل طالت أيضا أكثر من 381 شخص من المحسوبين على التيار المحافظ وبالأخص من أقصى اليمين، كما أن مجلس الصيانة وبعد تدخل المرشد وتشكيل اللجنة الوزارية الرباعية وإيكال دراسة الملفات لوزارة الأمن أعيد تأييد أهلية 1206 أشخاص من المرفوضين السواد الأعظم منهم من التيار (الإصلاحي) إلاّ أنهم أصروا على مواصلة اعتصامهم في البرلمان ولم ينحُ منحى باقي الأحزاب الإصلاحية الثمانية في جبهة الثاني من خرداد الأكثر تعقلا، وهو الأمر الذي يُذكرني بمقولة لأحد السياسيين الإيرانيين عندما قال «ان مجلس صيانة الدستور رفض أكثر من 814 من أصل 824 ممن تقدموا للترشّح لانتخابات الرئاسة الثامنة في 2001 أي تمّت الموافقة على عشرة منهم فقط إلاّ أننا لم نر احتجاجا من هؤلاء السادة المعتصمين لسبب واحد وهو أن مرشحهم كان من ضمن العشرة المؤيَّدة أهليتهم، وبالتالي فإن تصوير الأمر وكأنه حرصٌ منهم على الإصلاحات والديمقراطية هو أمر لا يحظى بصدقية أبدا!

(4) أظهرت الأزمة الأخير حجم اللاتوافق الذي يعيشه الإصلاحيون في ائتلافهم المُسمّى جبهة الثاني من خرداد (يضم 18 تنظيما) وفتورا فاقعا في نسيج علاقاتهم البينية، ففي الوقت الذي يعتصم فيه نواب من جبهة المشاركة ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية نرى أن مؤسس حزب كوادر البناء ورئيس الدائرة السياسية فيه محمد هاشمي يُصرّح لمراسل «أرنا» بشأن استقالات النواب الإصلاحيين «أن هذه الاستقالات وهذا البيان وأقوال ميردامادي أثارت الكثير من الأسئلة في أذهان المحللين والمخلصين للثورة ولطريق الإمام الراحل، وإذا كانت هذه الخطوة مُخططا لها مُسبقا ولا تعرف نيابتهم عن أي قطاع من الشعب فهل يرضى ناخبوهم بذلك ؟ لا أعتقد ذلك لأن الناخبين لم يُقدموا لهم أقل دعم في هذه التظاهرة، وأن هذه الخطوة هي ضرر للبلاد ولن نشاركها أو نؤيدها» وعندما سُئِل ما سيفعل حزبكم لو عومل كما عُومل حزب جبهة المشاركة قال «ان عددا كبيرا من مرشحي حزب الكوادر رفضت أهليتهم لكن الحزب دعاهم إلى أن يتقدموا حسب القانون بطلبات إعادة النظر في أهليتهم». وهنا يجب أن نشير أن مجلس صيانة الدستور وبعد إعادة الفرز أيَّد 500 شخص من حزب كوادر البناء الإصلاحي، وفي صحيفة «رسالت» قال عضو تكتل الثاني من خرداد في مجلس الشورى الإسلامي محمد رضائي: «ان جبهة المشاركة باتت على حافة السقوط والانهيار، وأن هناك محاولات دائمة من قِبَلِها لاحتكار السلطة، وأن ثمة أشخاص فيها يرون أن حياتهم تقوم على فكرة المعارضة فصار شعار معارضتي هو كل هدفهم من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الدفاع الحقيقي عن الإصلاح، وباتوا يهدفون إلى استبعاد جميع القوى غير المتوافقة معهم في جميع المدن عن طريق الأمناء الحزبيين في المحافظات» وفي تصريح آخر لأحد النواب والذي هو أيضا عضو في الثاني من خرداد وصف فيه السلوك السياسي لزعيم جبهة المشاركة محمد رضا خاتمي بأنه «أدى إلى طرد حتى الذين كانوا قبل الثاني من خرداد إصلاحيين من الميدان السياسي وأن استبداده أدى إلى ضرب الإصلاحات من الجذور» وفي الأزمة الأخير رأينا بكل جلاء أنه وفي الوقت الذي تُعلن فيه عشرة أحزاب في جبهة الثاني من خرداد من بينها جبهة المشاركة ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية عن مقاطعتها للانتخابات النيابية السابعة تُعلن ثمانية أحزاب إصلاحية أيضا ومن التكتل نفسه عن مشاركتها في الانتخابات من بينها مُجمّع علماء الدين المناضلين (روحانيون مبارز) وحزب كوادر البناء!

(5) أظهرت الأزمة الأخيرة أن الشارع الإيراني بدأ فعلا في التخلّص من المزايدين والمتطرفين من الأجنحة السياسية، الذين أدخلوه في معترك حرب إعلامية ونفسية أرهقته بشدة ومارسوا سياسة التسقيط والكيل، ضد بعضهم بعضا من دون أن يلتفتوا للتنمية الاقتصادية وتحسين معدلات النمو والحد من البطالة وبالتالي فإن الساحة السياسية الإيرانية لفظت أؤلئك لصالح أشخاص لم تجتهد في البحث عن هويتهم السياسية أو الحزبية بل اكتفت بمعرفتهم تكنوقراطيا.

(6) أظهرت الأزمة الأخيرة وكذلك نتائج الانتخابات أن الفائزين من رواد الإعمار المحافظ والذي حاز حتى الجولة الأولى على 156 مقعدا وهو ما يضمن له الغالبية أنهم أجروا عمليات مُراجعة شاملة لبرامجهم وشعاراتهم جعلت من البعض أن يُسميهم (المحافظون أو الإصلاحيون الجدد) وهو ما رأيناه في حملتهم الانتخابية، فمثلا أحمد توكلي وهو من أقطاب اليمين والمدعوم من بعض مراجع التقليد في مدينة قم المقدسة رفع شعار أن العلاقة مع الولايات المتحدة لا هي واجبة كالصلاة ولا هي مُحرّمة كشرب الخمر، كما اتسمت باقي الشعارات بتركيزها على التنمية الاقتصادية وتحسين ظروف المعيشة والمُضي في سياسة إزالة التوتر في السياسة الخارجية ودعم حكومة الرئيس خاتمي، كما اتسم مُرشحو هذا التيار بأنهم متخصصون وأكاديميون على مستوى رفيع وبعضهم رؤساء لجامعات في طهران وغيرها من المدن الأخرى

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 548 - السبت 06 مارس 2004م الموافق 14 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً