كان عادل ومحمد يلعبان الورق عندما دخل عليهما الكلب الذي يربيانه في البيت... لم ينتبه ذلك الكلب للأوراق فداس عليها وتبعثرت الأوراق... وهنا بدأ الجدال بين الشقيقين كالآتي:
محمد: هذه أوراقي التي في يدك.
عادل: لا هي لي... وضغط عليهما بشدة على صدره.
محمد: أنت تغش وتريد ان تفوز بالهدية التي وضعناها للفائز.
سمع الأب نقاشهما الحاد وهو في مكتبه... فجاء ليتحقق الأمر... لكنه تراجع في آخر لحظة... وقال لنفسه انه سيدعهما يحلان مشكلتهما وحدهما.
لكن النقاش ازداد حدة وبدأ أحدهما يصرخ... هنا تدخل الأب... وانبهر بما شاهد... محمد يسحب عادل من شعره محاولا الحصول على أوراقه... وعادل يقاوم بشدة ماسكا بالاوراق في يده.
قال الأب لابنه محمد بحزم: أترك شعر أخيك.
وعندما حاول محمد ان يبرر ما فعل قال الأب: نستطيع ان نتكلم في هذا الأمر بعد 15 دقيقة... أريدكما ان تهدآ... وتظلا في غرفتكما... ثم نجتمع مرة أخرى لنتناقش فيما انتما فيه مختلفان.
وافق الطفلان... وذهبا إلى غرفتهما... وبعد 15 دقيقة ناداهما والدهما ليناقشا معه موضوعهما قائلا: هل تريدان ان نناقش الموضوع الآن؟
أجاب محمد: نعم وأنا الذي سيبدأ... عادل يتهمني بأنني خلطت الأوراق... وأنا لم أفعل ذلك وإنما فعل ذلك الكلب الذي دخل الغرفة وبعثرها.
قال عادل: لا انت انتهزت وجود الكلب ودفعته على الأوراق لأن أوراقي افضل منك وكنت سأحصل على الهدية.
كان الأب يراقب ابنيه من دون ان يتكلم... وكان يفكر في افضل طريقة يحلان بها المشكلة التي بينهما... لكنه يريدهما ان يجدا هذه الطريقة بنفسيهما.
قال الأب: هل لديكما طرق اخرى نحل بها معا مشكلتكما؟
كان الاب يحاول ان يكون بهذا السؤال ديمقراطيا في تعامله مع ولديه... ويعلمهما كيف يقرران ما يراه كل منهما مناسبا ليلتزما به... وهذا يمنحهما القدرة على اتخاذ القرار والالتزام به من الطفولة... وهو ما يجب ان نعلمه اطفالنا ليدركوا معنى الديمقراطية عندما يكبرون وكيف يمارسونها.
قال محمد: استطيع ان اتوقف عن اللعب مع عادل.
أجاب الأب: هذا اختيارك الأول، هل هناك اختيار آخر لك يا عادل؟
أجاب عادل: نستطيع ان نلعب مرة أخرى مادام الكلب قد افسدها... ونغلق الباب جيدا حتى لا يدخل مرة اخرى ويفسد علينا لعبتنا.
قال الأب مبتسما: اعتقد ان هذه اختيارات جيدة... انا واثق يا ولدي انكما ستتصرفان بشكل جيد لو حدث هذا الأمر مرة أخرى.
وعاد الأب إلى مكتبه.
سأل محمد عادل: هل تريد ان نبدأ اللعبة من جديد؟
أجاب عادل: نعم... لكن سنضع الكلب في الخارج أولا.
إذا حللنا هذا الموقف التربوي بين الأب وولديه... سنجد ان الأب استخدم مع ابنائه التشجيع بطريقة مؤثرة وفعالة... وسبب نجاحه الأكبر يعود إلى الطريقة التي بدأ بها التعامل مع مشاجرة ولديه.
بدأ الاب برسالة وضحت حدوده الحازمة... ثم طلب منهما التوقف لمدة 15 دقيقة لتهدأ نفسيهما... وهذا وفر الجو المناسب لحل المشكلة بينهما... لم يحقر أحد ولديه أو كلاهما ولم يثر عليهما ولم يوجه لهما اي لوم.
لقد ركز الأب تشجيعه على توفير الاختيارات لولديه... وتصرفاتهما... ساعد كل واحد منهما على اكتشاف قدرتهما على حل مشكلتهما... وعبر عن ثقته بهما في الوصول إلى ذلك الحل.
إذا... التشجيع ألهم ابنيه بدل ان يحبطهما وأوصلو إليهما هكذا انتما قادران على حل مشكلاتكما اليوم وفي المستقبل... أنا أثق بكما... وأتوقع منكما ان تتعاونا معي ومع نفسيكما.
وهنا اطرح هذا السؤال المهم: كيف سنشعر لو عاملنا المحيطون بنا عائليا أو في العمل هكذا...؟ ألن نشعر أننا مقبولون منهم ومتعاونون معهم ولدينا ثقة في نفسيكما... كما أننا مهمون بالنسبة إليهم ومدعومون فيما نريد القيام به... هكذا سنشعر صغارا وكبارا بهذه الرسائل المشجعة الايجابية... وهذا ينطبق على الجو العائلي أو في مجال العمل بين الرئيس والمرؤوس... هذا الشعور الصحي والايجابي نفسه شعر به محمد وعادل... ودفعهما تشجيع والدهما إلى التعاون معه لا مقاومته وتحديه من خلال طرق مختلفة
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 547 - الجمعة 05 مارس 2004م الموافق 13 محرم 1425هـ