إلغاء برنامج «الأخ الأكبر» الذي كان يُجرى تصويره في جزر أمواج المحاذية لجزيرة المحرق سيبقى عالقا في الأذهان وسيتم استذكار الموضوع عالميا ومحليا. فبرنامج «الأخ الأكبر» من البرامج التلفزيونية الناجحة في عدد من البلدان وواجه مشكلة لم يواجهها في أي بلد آخر عندما تم تعريبه. وفي حوار جرى قبل ثلاثة أيام مع أحد محرري «نيويورك تايمز» بشأن الموضوع سأل المحرر الذي كان يعد مقالا عن الغاء البرنامج عما إذا كان هناك إمكان منذ البداية لعدم حدوث ما حدث.
من الناحية النظرية فإنه لتجنب الخلاف بشأن أي موضوع يثار داخل جماعة ما أو مجتمع ما يفترض أن تكون حال الترابط والتفاهم بين تلك الجماعة عالية جدا، كما يفترض أن يثار الموضوع في أجواء هادئة وضمن ترتيبات توضح أسلوب التعاطي مع المسائل. غير أن مثل هذه الأجواء والترتيبات لا توجد في أي مكان، ولذلك فإن العقلاء يبحثون عن وسائل لـ «إدارة» الخلاف وليس إلى تجنبه، لأن اجتناب الخلاف أمر يقترب من المستحيل.
وإذا اقتنعنا بأن الخيار ليس بين اجتناب الخلاف وإدارته، وإنما في طريقة إدارته، فيمكن طرح سؤال آخر: هل كان بالإمكان أن يتبع مختلف الفرقاء وسيلة أخرى كانت ستوفر علينا المتاعب؟
نعم كان بالإمكان ذلك، واللوم يقع على المستثمرين أولا، ووزارة الإعلام ثانيا، والمعارضين للبرنامج ثالثا. فمن جانب لم يسمع الناس أي شيء من المستثمرين سوى إعلان مقتضب صدر بعد التوقيع على اتفاق مع الشركة المنتجة للبرنامج. واختفى كل شيء عن الأضواء ولم يطرح المستثمرون أية فكرة أو أي توضيح ولم يهتموا حتى بالاتصال بالصحافة لإيصال ما يودون إيصاله.
ثم كان دور وزير الإعلام الذي أجاب بصورة مقتضبة على سؤال لأحد النواب وأعطى وعودا وتحدث وكأنه يعلم بكل شيء يدور وسيدور، ولكن اتضح بعد ذلك أن التعاطي مع المسألة أقل من المستوى المطلوب بكثير. وكنا في صحيفة «الوسط» نتصل باستمرار بالوزارة وبالمسئولين عن البرنامج ولكن لم نحصل على تعليقات أو أجوبة، وتم توجيه المعلومات غير الكاملة لواحدة من الصحف فقط من دون أي تبرير. وحتى عندما حجزنا موعدا مع أحد المسئولين عن البرنامج وحدد لنا موعدا للقاء وقال إنه سيحضر إلى الصحيفة بنفسه اكتشفنا بعد ذلك أنه لم يقصد ما يقول ولم يحضر إلى الصحيفة وأغلق هاتفه النقال ورفض هو ومن معه إجراء أي حوار مع «الوسط». في اليوم التالي كانت للشخص نفسه - الذي كان سيزورنا ولم يكلف نفسه عناء الزيارة - تصريحات وأقوال في صحيفة أخرى.
بعد ذلك كان دور المعارضين، الذين حشدوا الشارع ضد البرنامج وتحدثوا بأسلوب تصعيدي. وعندما سأل محررو «الوسط» عددا غير قليل منهم، اتضح أنهم لم يشاهدوا البرنامج ولا يعرفون محتواه أو مفهومه، ولكنهم استجابوا لنداءات دعتهم لحماية دينهم وعاداتهم وتقاليدهم.
قد نختلف أو نتفق على البرنامج، ولكن لا نختلف على أن المسئولين عن المشكلة هم الأطراف المذكورة: المستثمرون ومعدو البرنامج، ووزارة الإعلام، والمعارضون، فجميعهم شارك بشكل أساسي في إعاقة أية محاولة عقلانية وجادة لإدارة الخلاف
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 547 - الجمعة 05 مارس 2004م الموافق 13 محرم 1425هـ