العدد 547 - الجمعة 05 مارس 2004م الموافق 13 محرم 1425هـ

نافذة على تراث

لايزال الشعر يتأرجح بين المؤيدين للتحديث والمتمسكين بالتجديد، ولايزال اطرافه في شد وجذب ونزاع، نزاع بدأ في الشعر العربي الفصيح ولا اعتقد أنه سينتهي عند الشعر الشعبي بل سيمتد إلى كل زوايا الأدب والثقافة، فالاتهامات متبادلة. فالحداثيون يطعنون في ثقافة المجددين والتقليديين المجددون والتقليديون يطعنون في درجة فهم الحداثيين للمغزى الحقيقي من كتابة الشعر، فأصحاب كل أسلوب يقولون ان الشعر هو الشعر الذي نكتبه وما سوى ذلك فلا يعادل في ميزان الشعر شيئا، إلا أن على كل قارئ وكاتب وشاعر أن يعي ان لكل اسلوب من اساليب كتابة الشعر وبعيدا عن الكلام المصفوف له افكار تخرجه عن المألوف ومفردات تسحر القلوب وتوظيف يبهر العقول، وهنا تكمن معضلة. اعتقد ان كل اسلوب من الاساليب السالفة الذكر بها فئة منتشرة تشوه التجربة من عدة اوجه، منها: التقليل الدائم من الطرف الآخر، الكتابة من أجل الكتابة لا من أجل التفرد والجمال، البعد بعض الاحيان عن الشعر وغيرها الكثير الكثير . هنا السؤال يفرض نفسه؟ ماذا سيقول الطرفان عندما تكثف التجربة السريالية من حضورها على مستوى الشعر الشعبي؟

شاعر من وراء النافذة

شاعرة على رغم حداثة تجربتها التي صانها الاخلاص من أجل الشعر والارتقاء به إلى اقصى قلوب المتلقين والشعراء فإنها اقترفت الكثير من الحضور المثمر والجمال في نثر ابداعاتها هنا وهناك حتى باتت من الاسماء المؤثرة والارقام الصعبة في ساحتنا الادبية، كتبت الشعر فتفردت في البحرين بتجربة نسائية جميلة، فشاعرتنا من القلائل التي تعرف عنها الثقافة والعلم والعمل من أجل التطور أكثر فان أكثر وبخلاف التواضع الجم والأخلاق العالية المشهود لها بذلك، فان المتتبع لخطواتها الواثقة يجد أنها ترتقي بخطوات صحية ستجعل منها علما من اعلام هذا الشعر مستقبلا وخصوصا اذا انتهجت المنهج نفسه الذي تسير عليه وواصلت في تعلم واكتساب مستجدات الشعر الشعبي.

شاعرتنا كتبت الشعر التجديدي لكن بصورة لم يسبقها أحد وخصوصا في البحرين لم لا وهي التي كثفت من حضور القرآن وقصص الانبياء الذي اكسب قصيدتها رونقا بهيا وعنفوانا جميلا، تجلت في قصائدها الكثير من معاني العزة والكبر المحمود، الأمر الذي أكسبها شخصية متفردة في الساحة كسبت بها قلوب القراء والمتابعين.

دعيت شاعرتنا لاقامة امسيتين، كل امسية منها ارتقت بعصافيرها، وكانت شاعرتنا من اكثر تلك العصافير ارتقاء بذائقة الحضور، لم لا؟ والشاعرة عرف عنها الجزالة في طرح الفكرة وتوظيف المفردة. اقيمت لشاعرتنا امسية في البحرين في الملتقى الاهلي الثقافي التي أصبحت فيه عضوة فعالة فيما بعد، دعاها اليها علي عبدالله خليفة الذي نشكره جزيل الشكر على ما يقدمه الى الساحة الأدبية. وقد كان لشاعرتنا حضور طيب في أمسية نقشت صورتها عند الحضور من ذهب، هي امسيتها الخارجية الاولى في قطر والتي تميزت فيها على الشاعرات بأسلوب لغة المخاطبة والسرد المتفرد في طرح الفكرة الأمر الذي جعل من الحضور يتعايش مع كل بيت، نشرت شاعرتنا في الكثير من الصحف المحلية والخليجية وتميزت كثيرا في صفحة تراث الذي أعتبره منبر التميز في المرحلة السابقة للشاعرة لما كان لها من حضور في الصفحة واثراء لها.

شاعرتنا هي الشاعرة الرائعة الجميلة الواثقة الخطوات «ظما الوجدان» التي اتمنى ان تجد كثيرا من الاهتمام من دون محاربة الناقمين على الشعر لها ولا النائمين على اسرة الغرور. اقول هذا لان الشاعرة ما ان تقرأ لها قصيدة إلا وتعرف مدى تفانيها من اجل الشعر وهنا تجلت صورة جميلة عندما وصفت حروف معانيها بـ

بطلق حروف المعاني وامسك عنان القصيد

واقطع الساحات شوطٍ بعد شوطٍ في ثبات

في مرابط فكري امهارٍ كما الدر النضيد

زاهيات مضمراتٍ في الشعر مسترسلات

صافنات محجلاتٍ عن هواها ما تحيد

تعتلي كل الحواجز ترتقي للنايفات

تسبق الخاطر وتطمر فوق سجّاته بعيد

تغزي احساسي وتلحق بالخفايا الكامنات

تغمس الحافر وتنثرها كما حب الحصيد

والقلم يجني مثايل فارعه مسترسلات

ما أجمل هذا البوح وما أجمل هكذا وصف وتوصيف للمفردة، فشاعرتنا من جودة ما تكتب ومن شدة اتقانها لأسلوب السرد الذي تتفرد به في البحرين اذا فاتك بيت من ابيات الفكرة اختل المعنى لديك وهذا اكثر ما يتجلى هنا:

وصلنا في قصايدنا جزيره كلها أخطار

تحوف بها ثعابينٍ تسدد كل معابرها

وشفنا جمعة احرار سجينه ذلّها صقّار

تكسّر ريشها وغصت بشي في حناجرها

وطاووسٍ نفش ريشه وتلحق به طيور اصغار

كوابي مع قراميشٍ على كيفه يطيرها

وغرابٍ حايم بجيفه رمتها له يد الاقدار

وجزارٍ أبو وجهين... يسنّن في جناجرها

إنه الجمال حقا... فقد اخذ من العزة رونقا ومن التصوير عبقا ومن الحكمة عنصرا فارقا، لتجربة قل ان نجدها في ساحتنا فــ «ظما الوجدان» كثيرا ما كتبت الحكمة بتمكن رائع وبتراكيب جزلة تتميز بها عن غيرها.

ظما الوجدان اسم سيخلد نفسه في ساحة الشعر الشعبي إذا استمر على هذا المنوال وكتب الشعر من أجل الشعر فهي شاعرة تكتب في صمت





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً