العدد 546 - الخميس 04 مارس 2004م الموافق 12 محرم 1425هـ

عاشوراء وفشل الرصاصة

حسين خلف comments [at] alwasatnews.com

عاشوراء مناسبة تطل علينا كل عام يتغير خلال إطلالتها الكثير ما يجعل منها حدثا استثنائيا وفريدا يحاول فيها الجميع الاستفادة فيها فمن ذاك المؤمن الذي يريد القرب والثواب إلى ذاك التاجر الذي يفرح بازدهار تجارته في هذه المناسبة الدينية المهمة.

وعاشوراء كمناسبة كما يلاحظ كل متابع هي ظاهرة لها عدة جوانب دينية وسياسية واجتماعية وفكرية وغيرها فلهذا نجد من الطبيعي أن نجد المؤسسات والرموز والتيارات الدينية والاجتماعية والسياسية في البحرين تسعى لتوظيف هذه المناسبة في اتجاه الاهداف الدينية والسياسية والفكرية الذي تسعى اليها هذه التيارات والمؤسسات فلهذا يتم التوظيف للمناسبة وهذا أمر مشروع في حد ذاته ما لم يخالف جوهر هذه المناسبة وأهداف صاحبها عليه السلام، ولكن هنا فقط نتوقف لنستجلي الآراء أكثر ونطرح أسئلتنا الحقيقية إذ لا يعدو الكلام السابق متحدثا عن مبدأ وبما تؤمن له الغالبية.

اجتماعيا ماذا تعني عاشوراء؟

- عاشوراء ماذا تعني اجتماعيا؟ وما انعكاساتها السريعة والتراكمية على المجتمع؟ وهل تستطيع عاشوراء لوحدها أن تحقق كل أهداف التيارات والمؤسسات التي توظف عاشوراء بصفتها فرصة ذهبية وسانحة للتبليغ لأهداف هذه المؤسسات والتيارات وفي زمن قياسي؟

- وهل نجحت هذه التيارات في عملية التوظيف للمناسبة؟ وإذا كان الجواب بنعم فما هي الدلائل؟ وإذا كان بلا فلماذا؟

- ثم ماذا تحتاج عملية التوظيف الاجتماعي والفكري والسياسي لكي تنجح؟ هذه الأسئلة بالطبع تحتاج لأن تحفر أكثر في محاولة لفهم عاشوراء كمؤثر اجتماعي يكسر كل أنواع الروتين في حياة محييها.

- ولو لاحظنا في ما حولنا من أديان وتيارات فكرية في هذا العالم لوجدنا أن لجميع هذه الأديان والتيارات الفكرية محطات مهمة تقف عندها بخصوصية وتمارس خلالها فعلا ما تعده ضروريا بالنسبة إليها إن لم يكن مقدسا، ويبتعد خلال هذه المناسبة تابعوا هذه الأديان والأفكار عن نمط حياتهم السابق ويكسروا روتينها إذ تتغير الحياة العامة والتقليدية بشكل ملحوظ ونجد هذا ملحوظا في الدين المسيحي إذ هناك مناسبة عيد الميلاد ورأس السنة واسبوع اعلام المسيح (ع) وغير ذلك وحتى البوذية والوثنية نجد لها مثل هذه المناسبات بغض النظرعن صوابية هذه الممارسات وأصولها الفكرية بعيدا عن كل ذلك تأتي عاشوراء ضمن هذا السياق مع الفارق بالطبع في العمق والمضمون والحقانية التي تحملها هذه المناسبة عن ما سبق ذكره، تأتي محدثة الانقلاب في المشاعر والأحاسيس بالزمان والمكان إذ يرتبط الماضي بالحاضر في أيام معدودات يتم خلالها ضخ الكثير من المفاهيم المتنوعة سياسيا ودينيا الخ.

- إذا عاشوراء كمناسبة هي جزء من آليات داخلية إن صح التعبير تمتلكها الطائفة الشيعية تستطيع من خلالها فعل الكثير وهذا الأمر يبدو مهما لدى كل منصف إذ تبدو عاشوراء كآلة جبارة تهز ما حولها بقوة وهذه الآلية تفيد الشيعة إجباريا بعدة نقاط نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، أولا: تأكيد الذات ففي طوال أيام هذه المناسبة المقدسة يتم استحضار الكثير من الثوابت والأفكار والمفاهيم والعقائد التي تتميز بها هذه الطائفة والتأكيد عليها من خلال خطابة المنبر وقصيدة العزاء والمرسم الحسيني والتبرع بالدم وطبعا هذا يتم بشكل مكثف وغير اعتيادي ما يجعل الشيعة وكأنهم أشبه ما يكونون في دورة ثقافية مكثفة وهذا ينتج أيضا تأكيدا للذات وصنفرة لها إن صح التعبير.

- ثانيا: تركيز التماسك فخلال التجمعات الضخمة التي تجتمع على رمزية محددة الشخوص وهم: الإمام الـحسين وأصحابه وأهل بيته (ع) ويعرف ويجد الشيعي هذه التجمعات النسبية بأنها مماثلة له في العقيدة والمشاعر كل هذا يولد نوعا من التماسك بين أفراد هذه الطائفة ويولد نوعا من الانشداد للمجموع والتماسك معه على نحو من الأنحاء وبالطبع الكلام في هذه النقطة يحتاج إلى تفعيل وتوضيح ربما نشير له فيما بعد.

- وأذكر هنا فقط بأن الجماهير التي تحيي هذه المناسبة تعود بعد انتهاء عاشوراء إلى حياتها العامة الروتينية واذكّر أيضا بأن عاشوراء تتأثر طريقة إحيائها بالظروف السياسية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع ككل وهذا من البديهي إذ يمكننا بمقارنة بسيطة أن ندرك هذا الأمر فطريقة إحياء عاشوراء في البحرين في منتصف التسعينات أيام الانتفاضة الشعبية كانت طريقة الإحياء فيه مغلية بالدم والدموع والحماس المنقطع النظير والمختلط بالرغبة بالتحدي والموت في سبيل الله وكان أشبه باستعراض هادر أمام الحكومة في ذلك الوقت وبين إحياء عاشوراء هذا العام 2004 الذي تميز بالهدوء لحد ما مع حضور للرسم والفن مع ملاحظة أنه في العام الماضي تم التوقيع على العرائض المختلفة في عاشوراءإذ جمعت لجنة الشهداء وضحايا التعذيب 35 ألف توقيع على عريضتها الشهيرة !

توظيف عاشوراء فعل وواقع أم محظ لفظ؟

الفرق بين الإحياء في التسعينات والآن يوضح مدى تأثر طريقة احياء عاشوراء بالظروف السياسية والاجتماعية ومن هذه النقطة بالذات نستجلي مدى فعل التوظيف المُمارس في هذه الشعيرة الدينية وتجييرها لأهدافه بحيث تصبح أداة لخدمة الدين والفكر والسياسة والمجتمع في كل مراحله وهنا أسأل هل استفادت مؤسساتنا الدينية والسياسية والفكرية منه هذه الأداة الفعالية (عاشوراء) ووظفتها بشكل حقيقي ونجحت في ذلك؟ إن الإجابة على هذا السؤال تستلزم أن نعود لأسئلتنا السابقة ونجيب عليها وأذكّر هنا بالأسئلة هل تستطيع عاشوراء لوحدها أن تحقق كل ما يصبو إليه الموظفون لها خلال مدتها الاحتفالية القصيرة؟ وهل نجحت هذه التيارات في توظيف المناسبة؟ ثم ماذا تحتاج عملية التوظيف لكي تنجح؟

الإجابة على كل هذه الأسئلة ستكون في سلة واحدة وهي ان الإمام الشهيد (ع) هل إنه عندما قام بثورته الخالدة قام بها كفعل منفرد معلق في الهواء لم تسبقه مقدمات ولم تلحقه أفعال مكملة له؟ إن هذه النقطة بالتحديد هي المفصلية في رأيي للرد على كل الاسئلة السابقة فثورة كربلاء، كانت فعلا مهما ضمن استراتيجية كبري دينية وسياسية وفكرية لها الكثير من المقترحات وكانت هي اي ثورة كربلاء «لحظة التفجير» في هذه الاستراتيجية الكبرى والتي احتاجت لأفعال مكملة لما بعد لحظة التفجير الكربلائية ولا أدل على ذلك من دور السيدة زينب (ع) والسبايا ثم تتابع الثورات في التاريخ منذ ثورة المختار وثورة المدينة وغيرهما الكثير مما خط بالدم والدمع استراتيجية في الدهر تسمى باستراتيجية الرفض والمقاومة والقدرة وهذه الاستراتيجية تحتاج لفعل متواصل عبر التاريخ وهنا فقط أستطيع ان اسأل هل لدى مؤسساتنا وتياراتنا بمختلف انتمائاتها استراتيجية ما بحيث تكون عملية توظيف مناسبة إحياء عاشوراء محطة تدفع بقوة صاروخية تجاه أهداف هذه الاستراتيجية، وإذا كانت مؤسساتنا لا تمتلك الاستراتيجية فهل يحق لنا القول بأننا نوظف عاشوراء سياسيا واجتماعيا وفكريا بشكل حقيقي أم ان لفظة التوظيف هنا لا تعدو كونها مناسبة من الناحية اللغوية لما تفعله المؤسسات ايام عاشوراء لكنه غير مناسب من الناحية الفعلية والواقعية.

ربما ليس وظيفتي ان أحدد للقراء بأن هناك استراتيجية للتيارات الموظفة لعاشوراء ام لا، لان لكل قارئ تشخيصا ولان الاستراتيجية إذا كانت موجودة، فلن تخفى على الجميع وعلى الأقل ستبدو بعض آثارها، نقطة أخرى وهي إن القول والمراهنة على أن توظيف مناسبة إحياء عاشوراء بمدتها القصيرة للتأثير على الجماهير دينيا وفكريا وسياسيا طوال العام حتى عاشوراء المقبلة هو محل تساؤل، فالنظرية الإعلامية المسماة بنظرية «الرصاصة» والتي تقول بالتأثير المباشر على الناس من خلال التعرض للحملة الإعلامية مرة واحدة قد اثبت علماء الاتصال فشلها فالناس لا يتم تسييرهم بضغطة زر واحدة وبالشعار الهادر هكذا فجأة من دون مقدمات وإنما الناس كل الناس يتأثرون بالطريقة التراكمية من خلال برامج مستمرة تساهم في بلورتهم ان تحدد هل نجحت مؤسساتنا وتياراتنا في طريقة توظيفها للمناسبة أم لا، فهل هناك جهد تراكمي للتيارات بعد عاشوراء أم أن الأمر لم يعد كونه تسجيل مواقف، هذا هو المحك في المناسبة، إن التأثير الآتي للبرامج التبليغية بأشكالها المختلفة خلال عاشوراء هو أمر لا ينكر ولكن السؤال هل التأثير الآني هو الهدف؟!

اعترف ان الموضوع بحاجة للكثير من البحث لكن هذه الورقة هي محاولة تهدف إلى ازاحة الستار لمعرفة نتائج الجهود المبذولة خلال عاشوراء ونتائج التوظيف السياسي والاجتماعي والفكري للمناسبة وهي تترك الحكم للقارئ من خلال ملاحظاته وإجاباته الشخصية على الاسئلة المطروحة، وايضا هي تساؤل مشروع من اجل تصحيح الخطأ ان وجد، وتبقى هي ممثلة لوجهة نظر كاتبها وليست مفروضة على القارئ

العدد 546 - الخميس 04 مارس 2004م الموافق 12 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً