العدد 546 - الخميس 04 مارس 2004م الموافق 12 محرم 1425هـ

في بنود الاتفاق «الضمني» بين بوتفليقة والجيش

معركة الجزائر الرئاسية

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

بعد أشهر من المد والجزر، توصل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة و«السلطة الفعلية» (الجيش) إلى الاتفاق على الخطوط العريضة بينهما، ما دفع بالأول لإعلان ترشحه رسميا للانتخابات الرئاسية بعد أن ضمن فوزه على ما يبدو. في هذا السياق، تؤكد مصادر جزائرية موالية ومعارضة، على السواء، وكذلك أوساط مقربة من الجيش، أن الاتفاق «الضمني» الذي تم في «العشاء السري»، تمحور حول ثلاث نقاط رئيسية: اولاها، عدم تدخل بوتفليقة في أمور المؤسسة العسكرية، ثانيها، حسم كيفية التعاطي مع شركة «سونا طراك»، وثالثها، عدم التعامل أحاديا مع قضية الصحراء.

وعلى رغم التأجيل المتكرر لإعلان التشرح للاستحقاق الرئاسي المقرر في ابريل/نيسان المقبل، فلم يفاجئ قرار الرئيس الجزائري أحدا على الاطلاق، إذ منذ اكثر من أسبوعين والاوساط المقربة من هذا الاخير كانت حاسمة في هذا الشأن، إلى حد أن «هيرفيه بورج»، صديقه الحميم والقديم، الذي كان مسئولا عن تنظيم «سنة الجزائر» بفرنسا العام الماضي، والذي يرأس حاليا «الاتحاد العام للصحافة الفرانكوفونية»، أكد في حفل استقبال جرى في احدى السفارات المغاربية منذ حوالي شهر، امام الكثير من الحاضرين، ان بوتفليقة سيرشح نفسه، كما أنه سيفوز من دون شك بولاية ثانية.

لكن المؤشرات الأهم إلى حدوث التفاهم بين الجيش والرئيس المترشح تمثلت أولا بانسحاب رئيس الوزراء السابق، مولود حمروش، ابن المؤسسة العسكرية والادرى بشعابها، من المعركة، مشيرا من دون أي لبس إلى «انها تعتبر منتهية منذ الآن»، مضيفا «أن الابواب باتت موصدة امام الجميع، وأنه من غير الممكن الاستمرار في المنافسة». وثانيا، بانحياز «الاتحاد العام للعمال الجزائري»، الورقة المدنية الرئيسية الضاغطة بيد الجيش، في اللحظة الأخيرة إلى ركب الرئيس الحالي بعدما اتهمته بمخالفة الدستور والتجارة بالقطاع العام وتحميله مسئولية التسريحات الجماعية وترك عائلات العمال على قارعة الطريق.

كل ذلك يعني، بحسب المحللين السياسيين، أن توقعات الاطراف الخارجية المعنية منها مباشرة بتطورات الوضع في الجزائر - والتي لها مصالح حيوية فيها، تحديدا كل من فرنسا والولايات المتحدة - ترجمت فعليا، وأن كل الرهانات على الأسوأ - اي إمكان حدوث صدام بين الجيش والرئاسة من ضمن سيناريو كوارثي أو على الأفضل في حال قيام منافسة حقيقية وشفافية بين المترشحين، تؤدي إلى مرحلة انتقال ديمقراطي في بلد المليون شهيد، يتصالح فيها النظام مع شعبه وتنطلق بموجبها ورشات العمل التي ستتمكن من وأد شرارات الانفجار الجماعي الاجتماعي في مهدها - لم تخرج من الاطار المرسوم لها.

بناء عليه، يمكن الاستنتاج، أن المعركة الانتخابية ستكون صورية، خالية من عنصر الاثارة، وذلك على رغم تصريحات التحدي الصادرة عن رئيس «حركة الاصلاح الوطني» - إسلامية معتدلة، عبدالله جاب الله أو عن الأمين العام لجبهة التحرير الوطني الجزائري علي بن فليس، العدو اللدود والشخصي لبوتفليقة. هذا، في حين أن المخضرم، وزير الخارجية السابق أحمد الطالب الابراهيمي، كان موضوعيا عندما تمسك بترشحه، الذي اراد من خلاله، بحسب قوله، تسجيل موقف وطني منسجم فيه مع نفسه، يقضي بعدم التخاذل والقضاء نهائيا على الحلم الديمقراطي للشباب الجزائري، حتى ولو كانت نتيجة الاقتراع محسومة سلفا.

في التسويات الداخلية

في زيارة قصيرة ومفاجئة للعاصمة الفرنسية، تمت في منتصف الاسبوع الماضي، التقى خلالها عددا من المسئولين السياسيين والأمنيين، شرح احد كبار مستشاري الرئيس بوتفليقة لمحاوريه تفاصيل وابعاد «الاتفاق الضمني» الذي تم التوصل اليه مع المؤسسة العسكرية؛ معتبرا أنه ليس الافضل بالنسبة إلى اللاعبين الرئيسيين فحسب، بل للبلاد ايضا بحيث انه سيجنبها، من الآن ولسنوات، هزات هي في غنى عنها. ناهيك عن أن هذا الاتفاق، سيفضي لتأسيس مرحلة انتقالية هادئة يكون من السهل خلالها تطبيق الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي تشدد عليها الدول الغربية الصديقة.

ففي سياق طرحه للمعطيات - التي دفعت باتجاه «التسوية غير المعلنة» التي حسمت الامر في النهاية لصالح بوتفليقة، الذي قدم تنازلات بالمضمون رفض الافصاح عنها - أكد هذا المستشار، من ناحية اخرى، أن التوافق قد تم كليا بخصوص ابرز المحاور التي يمكن أن تشكل في وقت من الأوقات عنصر تجاذبات وخلافات تؤدي للصدام، وبالتالي إدخال الجزائر في دوامات وصراعات من نوع جديد، تزيد من حدتها المشكلات التي لم يتم حتى الآن إيجاد حلول ناجحة لها، مثل: ارهاب المتطرفين الاسلاميين، والتباينات مع عروش مناطق القبائل وتزايد المعضلات الاجتماعية على رغم زيادة المداخيل من النفط والغاز، وارتفاع الاحتياطات من العملات الاجنبية التي وصلت بنهاية 2003، إلى 31,2 مليار دولار.

ويأتي في طليعة البنود التي تضمنها الاتفاق المذكور، عدم تدخل بوتفليقة، من الآن وصاعدا، في شئون المؤسسة العسكرية، والابتعاد عن محاولات اللعب على تناقضات اجهزتها - الأمن العسكري والمخابرات والمخابرات العسكرية - أو ايفاد مبعوثين له، من ضمنهم مستشاره وشقيقه سعيد بوتفليقة للاجتماع بضباط من الصف الثاني. في المقابل، تترك له المؤسسة تحمّل مسئولياته كما ينص عليها الدستور، كقائد اعلى للجيوش وكمشرف عام على السياسة الخارجية. كما يجب في الوقت عينه، عدم وضع العراقيل امام طلبات الاحتياجات العسكرية، أو الاعتراض على ما يمكن أن تتضمنه اللوائح المتعلقة بترفيع العسكريين لرتب أعلى.

وفي اطار مواز التزم بوتفليقة بالتوقف عما تسميه المؤسسة العسكرية «الاستقواء بالخارج»، عبر الاتصالات الثنائية التي كان يقوم بها أو يؤسس لها الرئيس الجزائري في محاولة للتحريض على تجاوزات الجيش في مجالات عدة، ودعوة منظمات حقوق الانسان للجزائر بهدف كشف الحقائق.

وفي المجال الاقتصادي، حسم الخلاف في السنوات الاخيرة بين الطرفين بشأن السيطرة على القرار داخل شركة «سونا طراك» (الدجاجة التي تبيض ذهبا للنظام، والتي تؤمن اكثر من 90 في المئة من العائدات المالية للبلاد). فقد تم الاتفاق على تفادي التسرع بتخصيص هذه المؤسسة الوطنية، على غرار ما حصل منذ حوالي العامين ونيف، عندما حاول وزير الطاقة والمناجم، شكيب خليل، أحد رجالات بوتفليقة، بيع اجزاء من هذه الشركة عبر طرح مشروع القرار القاضي بفتح قطاع الهيدروكربورات امام الاستثمار الأجنبي من دون الرجوع للمؤسسة العسكرية والتشاور معها ووضعها امام الأمر الواقع في مواجهة لوبي الشركات الاميركية التي بغالبيتها من تكساس، ما دفع الجيش إلى تحريك ادواته في كل المواقع والنجاح في إفشال الخطوة واظهار بوتفليقة امام الشركات النفطية والغازيّة هذه بمظهر العاجز عن الحكم والبعيد عن السيطرة. وترى مراكز القوى في الجيش الجزائري في تخصيص «سونا طراك»، مصدر الثروة والسلطة، سحب ورقة رئيسية فاعلة من يدها. لذلك، لم يكن هنالك بد من التصدي بشراسة على النحو الذي حصل واسقاط المشروع قبل وصوله للبرلمان. باختصار: كان من المستحيل أن تقبل هذه المراكز انتزاع الامتيازات التي كونتها عبر السنين بجرة قلم أو عبر مشروع فضفاض، فالسيطرة على سوانا طراك كانت على الدوام اساس السيطرة على الحكم.

انطلاقا من هذه الفرضية، تفاهم الطرفان على صيغة «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم»، بحيث يستمر الوضع على حاله لناحية توزيع الغانم لسنتين على الاقل، يتم خلالهما التحضير لتخصيص جزء لا يتجاوز الــ 33 في المئة من رأس مال الشركة، ما يعني عمليا عدم سيطرة الشريك الاجنبي على قرارها. بذلك تكون الجزئر تجاوبت مع مطالب الدول الغربية وصندوق النقد الدولي لناحية تطبيق الاصلاحات ودخول اقتصاد السوق فعلا لا قولا، مع ما يتضمن ذلك من تحديث للقطاع المصرفي وتصحيح للسوق المالية من الشوائب العالقة فيها والعائدة لغياب الشفافية.

وفي المصالح الاستراتيجية

كما ونقل المستشار الرئاسي الجزائري للفرنسيين التفاهم بشأن نزاع الصحراء، الذي وصفه بالرهان الدائم لكل مترشح للانتخابات في بلاده، نظرا إلى كون الناخبين والاحزاب ومجموعات الضغط السياسية والاقتصادية والمالية، تضعه في طليعة الأولويات والاهتمامات وتنتظر الحل السريع. وجاء التوافق على هذا الموضوع هذه المرة بعدما تزايدت الضغوطات الخارجية على الحكم بشقيه المدني والعسكري. ويذكر المستشار بما ورد في هذا الشأن بمداخلة ممثل فرنسا في اللجنة العسكرية للاتحاد الاوروبي، الأميرال جان دوفورك، التي تركزت على مفهوم «حسن الجوار»، والتي جاء فيها: «من غير الممكن أن أعيش بسلام طالما بقيت هنالك نزاعات ذات طابع نفسي وسيادي مع جاري، وطالما لم اتصالح معه». وذلك في إشارة واضحة إلى ما هو حاصل مع المغرب.

في هذا السياق، رشحت بعض المعلومات عن مصادر فرنسية مطلعة، أن بوتفليقة قد تعهد للفريق محمد لعماري بعدم تسويق حل مشكلة الصحراء مع المغرب لدى باريس وواشنطن واسبانيا والدول العربية بشكل منفرد منعا لاضعاف الموقف العام. كما واشارت هذه المعلومات إلى أنه للمرة الأولى بدت هنالك قناعة لدى الجزائريين بضرورة الاسراع في إيجاد حل قبل أن يفرض عليهم من الخارج وتكون له انعكاسات على مسارات اخرى تربك النظام. إضافة إلى ذلك، علمت «لاغازيت دومارك» من مرجع جزائري رفيع المستوى كان زار اخيرا إحدى العواصم الخليجية حاملا رسالة «موحدة» من طرفي الحكم تضمنت فيما تضمنت من تصور للتوافق المستقبلي، تشكيل لجنة من شخصيات معتدلة لوضع مقترحات حلول لمشكلة الصحراء، تراعي المصالح الوطنية السيادية للمغرب من جهة، والمصالح الجغراستراتيجية للجزائر من جهة اخرى. وذكر المرجع أنه هنالك حرص بشكل عام على استبعاد الذين لعبوا في السابق - ايام دائرة العلاقات الخارجية في حزب جبهة التحرير الوطني «الهيكلية الدبلوماسية الموازية»، التي اشرف عليها كل من العقيد سليمان هوفمان ومحمد الشريف مساعدية - ادوارا في تفاهم حال التشنج القائمة بين البلدين الجارين.

في ظل هذه المعطيات والروحية الجديدة التي بدأت تسود، ولو ببطء بعد تقارب الضدين في السلطة، تتوقع الاوساط المراقبة حدوث انفراجات على صعيد العلاقات بين الجزائر والمغرب، اساسها المقترحات التي ستتقدم بها الجزائر مباشرة ومن دون وسطاء لحل تدريجي لمشكلة الصحراء تنشأ معها حالات من استعادة الثقة المفقودة. ذلك مع تغيير الطاقم الجزائري المكلف بهذه المهمة. وتراهن الأوساط هذه، على توحيد مصدر القرار السياسي بعد الانتخابات الرئاسية. مع ذلك، تبقى متخوفة من حدوث مفاجآت في أية لحظة، مما هو ليس بالغريب عن خصائص السياسة الجزائرية

العدد 546 - الخميس 04 مارس 2004م الموافق 12 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً