كثر الحديث منذ نهايات العقد الماضي وازداد زخمه عن حروب العالم المقبلة، التي توقع غالب المراقبين أن تدور بسبب المياه العذبة، التي أشارت الكثير من الدراسات الأكاديمية الميدانية الموثقة إلى أنها ستشهد تراجعا لافتا، مع احتمالات جفاف ينابيعها خلال العقدين المقبلين، على أبعد تقدير، في مناطق كثيرة في العالم.
ومن نافلة القول أن مصادر المياه العذبة تعد ثروة مهولة لا تقل غنى وأهمية عن النفط أو الغاز أو غيرهما من خيرات الأرض التي يهبها الخالق لعباده، لذلك ليس من المستبعد أن تجيش لأجل السيطرة عليها الجيوش وتخاض الحروب، ذلك أن الثروة، وعبر التاريخ، تغري بالحرابة.
غير أنه لم يخطر ببال أحد، مهما توافر له من خصوبة في الخيال، أن تدور رحى حرب على جانبي المحيط وبين أقوى حليفين منذ نهايات الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم بسبب المياه، ونعني بهما بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، وفي السياق شهدت بريطانيا أمس معركة عن المياه لكنها كانت مغايرة لجهة موضوعها وأبطالها إذ كان طرفاها شركات المياه البريطانية وعملاق المياه الغازية «كوكاكولا» الأميركية، وذلك إثر القرار الذي اتخذته «كوكاكولا» بتعبئة مياه شرب «منقاة» في زجاجات وبيعها باسم «داساني» وعلى الفور ثار غضب شركات المياه البريطانية التي اتهمت الشركة الأميركية متعددة الجنسيات بإثارة الشكوك بشأن درجة نقاء مياه الصنابير في بريطانيا.
وتلخص الخلاف في «أسلوب كوكا كولا في تسويق المنتج»، وكان شعار «كوكاكولا» الدعائي: «إن داساني هي أنقى مياه معبأة يمكن الحصول عليها بسبب أسلوب التنقية بالغ الدقة».
وكان البريطانيون اشتروا العام الماضي ملياري لتر من المياه المعبأة على رغم أن كثيرا من الخبراء ذكروا أنها لا تختلف في جودتها عن مياه الصنبور.
وبسبب المياه احترب الحليفان مرة أخرى في ساحات السوق من أجل اجتذاب أكبر قدر من الزبائن في أزمنة العولمة وحرية التجارة وسيادة قانون البقاء للقوي القادر
العدد 544 - الثلثاء 02 مارس 2004م الموافق 10 محرم 1425هـ