تكررت المشاهد التي تؤكد أن لا عقل حكوميا يرسم القرار وينظر إليه ويهيئ له أسباب النجاح، بما في ذلك غياب دراسات الجدوى، وقلة التشاور مع الفاعليات المختلفة من مؤسسات مجتمع مدني ونقابات ونواب. لست هنا بصدد تقييم مضمون قرار بعينه، وإنما تقييم آلية اتخاذه. والواضح أن لا آلية يمكن تلمسها والوقوف عليها. ولا يدري المرء مثلا عن آلية الموافقة على برنامج «الأخ الأكبر»، وما المعايير التي اعتمدت، لأنه لو اتبعت الإجراءات لما كنا بحاجة إلى إعطاء موافقة ثم سحبها بعد أسبوع، في إعادة لسيناريو صدور قانون الصحافة الذي شكلت لجنة لإعادة النظر فيه قبل أن يجف حبر توقيعه. ليس فقط صدور القرارات بآلية عفوية وساذجة، ثم إلغاؤها أو عدم تنفيذها هو ما يعزز الشعور بغياب العقل والمنهج والرؤية الحكومية. فهناك تجليات أخرى لهذا الغياب. أبرزها أن كل وزير «يغني على ليلاه»، وافتقاد الحكومة البوصلة تجاه القضايا الرئيسية التي تشغل الناس. إلى ذلك، فإن هيمنة الحكومة على برنامج مجلس النواب التشريعي، من خلال تنفيذها الحرفي لنص المادة 92 من دستور 2002، والذي يعطيها الحق في الاحتفاظ بمقترحات القوانين لمدة طويلة، يجعل جدول أعمال النواب فارغا في جزئه المتعلق بالتشريع. وإذا أضفنا إلى ذلك أن المجلس المنتخب ليس الوحيد المعني بالتشريع، وإنما تشترك معه أربع مؤسسات أخرى هي: الملك، مجلس الوزراء، مجلس الشورى، والمجلس الوطني، فلا يبقى أمام المنتخبين غير «التحرش» بالوزراء، والاستفادة من الصلاحيات الرقابية التي ينفردون بها، من توجيه أسئلة واستجوابات وطرح ثقة... في محاولة إثبات وجود. بل ترى النواب يلجأون إلى الاعتصامات والمظاهرات للضغط على الحكومة، ولعل ذلك إشارة واضحة إلى أن الآليات البرلمانية غير كافية لتحقيق ما يأملون. إن استمرار غياب العقل الحكومي، ومحاصرة النواب عبر شل فاعليتهم التشريعية، والانفراد باتخاذ القرار... يقود إلى حال كما نحن عليها الآن: لا أحد يعرف ماذا يحدث!
العدد 544 - الثلثاء 02 مارس 2004م الموافق 10 محرم 1425هـ