كيف يمكن قراءة نتائج مناقشات وزراء الخارجية العرب التي اختتمت في القاهرة؟ القراءة مشوشة واساس اضطرابها هو عدم وضوح الموقف العربي من سلسلة أسئلة تتطلب اجابات واضحة وقاسية. فالموقف العربي هو مجموعة مواقف مرتبكة لم تستقر على قعر موحدة لتنطلق سوية نحو الاهداف المشتركة. فهناك مجموعة عربية تعتبر نفسها خارج السياق وانها غير معنية بما يجري في داخلها وخارجها. وهناك مجموعة تعتبر أن المطلوب منها ليس ملحا ويمكن لها ان تنتظر غيرها لتقوم بانجاز ما تستطيع مستفيدة من تجارب غيرها. وهناك مجموعة ترى نفسها معنية مباشرة بالحوادث التي تحيط بها او تدور على مقربة منها.
هذا التفاوت بين المجموعات العربية الثلاث في الاستجابة للتحديات يكشف عن وجود خلل بنيوي - ذهني اصاب جامعة الدول بالشلل منذ تأسيسها والتوقيع على ميثاقها في مارس/ آذار 1945. فالجامعة ومؤسساتها تعاني من هذا الخلل منذ قرابة 60 عاما وحتى الآن لم تستفد دولها من تجاربها وما تعرضت له من كوارث ومصائب. فخلال العقود الستة وقعت نكبة فلسطين ودبت الفوضى السياسية في المنطقة فانطلقت الانقلابات العسكرية لتسيطر على الحياة العامة. وخلال تلك الفترة وقع العدوان الثلاثي، وحرب الجزائر، وحرب اليمن، وحرب يونيو، وحرب اكتوبر، وسلسلة حروب حدود وانقلابات مضادة، وصولا إلى حرب الخليج الأولى، وحرب الخليج الثانية، وحرب اعادة توحيد اليمن، وحروب الصومال واليمن، والحروب الاهلية في لبنان والسودان، واخيرا حرب الخليج الثالثة وما اسفر عنها من احتلال دولة عربية. كل هذه المصائب والولايات والنكبات والهزائم وقعت في فترة وجيزة تاريخيا وادت إلى انهاك المنطقة واستنزاف ثرواتها وحتى الآن هناك مجموعات من الدول العربية لم تنتبه الى وجود مخاطر تعرض المنطقة الى المزيد من الكوارث المحتملة، وهي في حال حصلت ستطاول الوجود العربي برمته.
ستون عاما على ميثاق الجامعة العربية ولاتزال الدول المعنية تناقش وتماطل في اخذ المبادرات المطلوبة لانقاذ ما يمكن انقاذه قبل ان يفوت الآوان.
الاتفاق الاساسي الذي توصل اليه وزراء الخارجية العرب في مناقشات القاهرة هو تأجيل الاتفاق إلى قمة تونس للبحث في ثلاث مبادرات عربية تتناول الاصلاحات وتحديث الجامعة واخيرا مشروع حل للصراع المزمن في فلسطين. فالمبادرة الأولى سعودية - مصرية مدعومة سوريا وتحض المبادرة الثلاثية على تحقيق اصلاحات تطاول الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتشجع على العمل الاقتصادي المشترك وانشاء مجلس الأمن العربي وهيئة لمتابعة تنفيذ القرارات. والمبادرة الثانية هي حزمة اوراق تقدمت بها سبع دول تشتمل على افكار واقتراحات لاصلاح الجامعة واعادة هيكلة مؤسساتها وآلية اتخاذ قراراتها وهذا يتطلب تعديل بعض قوانين الجامعة ومواد ميثاقها. والمبادرة الثالثة تتعلق بازمة «الشرق الأوسط» وتنص على ضرورة تجديد اطلاق مشروع السلام العربي لحل القضية الفلسطينية تأسيسا على تطوير مبادرة قمة بيروت آخذة في الاعتبار «وثيقة جنيف» التي باركها الغرب.
وخلاصة مجموع تلك المبادرات هي ترك المسألة مفتوحة وعدم البت النهائي فيها قبل قمة تونس. وبانتظار القمة العربية الجديدة ماذا يمكن توقعه من الآن؟ يرجح ان تتفق الدول العربية على جوامع جديدة مشتركة افضل من السابق ولكنها لن تقوى على تحريك الساكن. فالتحريك بحاجة إلى قوة ناهضة تتمتع بوزن اقليمي وتستطيع بالتعاون مع دول اخرى على قيادة مشروع عربي مشترك متوافق عليه من مختلف الدول ويحظى بدعم الغالبية.
المشكلة في الجامعة العربية عدم وجود قوة قائدة تقطر سلسلة الدول في سياق موحد. فكل دولة تتصرف باستقلال عن الأخرى، واذا التزمت فانها تنضبط تحت قبة تجمعات اقليمية لا ترتقي في طموحها الى البعد العربي - الاسلامي.
الجامعة العربية الآن أشبه بجامعات مبعثرة على محاور اقليمية وكل دولة تريد من المجموعات العربية ان تكون بخدمة مصالحها الصغيرة والضيقة. وهذا النوع من التفكير يعطل امكانات الاتفاق على الحد الادنى الذي يشكل بدوره نقطة التوازن لمجموع المصالح العربية. وعدم وجود «نقطة توازن» يعني استمرار التضارب ونمو نزعات اقليمية على حساب المصلحة القومية، وثم ظهور نزعات كيانية على حساب المصلحة الاقليمية... وصولا الى نمو نزعات طائفية - مذهبية تشد الرحيل في اتجاهات مختلفة. هذا ما حصل في لبنان سابقا ويحصل الآن في العراق. والخوف الكبير ان يكون الآتي أعظم
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 544 - الثلثاء 02 مارس 2004م الموافق 10 محرم 1425هـ