يبدو أن الكثير من الأمور تغيرت في بلادنا وأن زمان الستينات والسبعينات غير زمان التسعينات وما بعدها، ليس الدستور هو الذي تغير فحسب بل تغيرت حتى الهوايات وحتى النفوس وحتى الحس الوطني والقومي... لماذا؟ لا أدري ماذا وراء هذا التراجع، هل يأتي من خلال تآمر مبرمج ومقصود؟ أم أن سنة الطبيعة تفرض هذه التغيرات؟ من الأمور التي أذكرها وأرى البون شاسعا بينها تغير استثمار التجار، ففي أيام شبابنا كانوا يأتون بأبطال ويقيمون عروضا لهم وكانوا محل إعجاب الجمهور فالناس كانوا يجرون وراء القوة والبطولة أذكر من بينهم البطل الإيراني خليل عقاب الذي كان يقوم بأعمال جبارة كسحب السيارة بأسنانه، ورمي قُلة حديد وزنها 50 كيلوغراما بخنصره إلى أعلى وتلقفها بصدره وكان يمسك سيارتين كُلٌ بذراع، وممن أذكرهم كذلك من الذين جاءونا في تلك الفترة بطل اسمه محمود هاديان وقدم عروضه بنادي العروبة وكان ينام على لوح مليء بالمسامير ثم تمر السيارة فوقه، وكان يتم دفنه في حفرة وتغطى بالرمل ويبقى قرابة العشرين دقيقة ثم يخرج وسط تصفيق الجماهير.
أما اليوم فقد تبدلت هذه الهوايات وصار الجمهور يجري خلف العروض الغنائية وتمتلئ صالات العروض التي بها نانسي عجرم وأخواتها بالمشاهدين وصار الجمهور لا تستهويه البطولات والوجوه الخشنة فهو يريد أن يرى الوجوه الناعمة والأيدي اللينة ولا يهمه الصوت الذي يكون على غرار أصوات محمد قنديل ومحمد عبد المطلب وفهد بلان ووديع الصافي التي تذكرك بالخشونة والرجولة.
كان مواطن الخمسينات والستينات، على رغم أن التعليم لم يكن قد انتشر والوعي السياسي قد اتسع مثل اليوم، يخرج في مظاهرات عفوية وترى شوارع المنامة والمحرق تموج بالمظاهرات فقط بمجرد سماع أي اعتداء على القدس أو أي بلد عربي آخر، أما اليوم مع وجود الفضائيات والنقل الحي لمأساة الاعتداءات الوحشية من قبل الجنود الإسرائيليين على الشعب الفلسطيني والاقتحامات المخزية للجيش الأميركي لحرمة منازل العراقيين لا يحرك فيه أي شعور بالرغبة في الخروج بمظاهرات واحتجاجات كالسابق بل يواصل مشاهداته وهو يشرب الشاي.
السؤال الملح هو: هل تغيرت جينات الإنسان العربي؟ ألا يمكن أن يكون التآمر الإسرائيلي بلغ مستوى خلط مواد بمياه البلاد العربية ما أثر على رجولته؟ أم أن قمع الأنظمة العربية أثر على فحولة المواطنين؟
القبول بكل هذه التداعيات وهذا الهوان أمر مُحيّر للغاية، إذ من المستحيل أن يحدث كل ذلك من تلقاء نفسه لمجرد فارق الزمن
العدد 543 - الإثنين 01 مارس 2004م الموافق 09 محرم 1425هـ