كانت السيدة زينب (عليها السلام) تتمتع بفكر سديد وثاقب وفصاحة اللسان حتى أصبحت مضرب الأمثال بين أقرانها في الفصاحة والبلاغة وحسن البيان وكانت تسرد قولها سردا كأنه عقد نظيم، فقد منحها الله سبحانه وتعالى صفاء القريحة، وسداد الرأي فكانت فوق أترابها فقها وأدبا، وحلما ودينا وخلقا، ولا غرابة في ذلك لأنها من بيت النبوة، فجدها سيد الخلق محمد (صلى الله عليه وآله) وأبوها علي (عليه السلام) وأمها فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأخواها الحسن والحسين (عليهما السلام).
وقد أدركت ما لها من كريم الفضل وأسمى المنازل عندما لمحت علم أبيها علي (عليه السلام) وأمها فاطمة، وأخويها الحسن والحسين. فلا يمكننا مقارنة النصوص الأدبية التي نقرأها اليوم مع ما جاء على لسان أهل البيت (عليهم السلام) لأن الكثير منها يخلو من المحتوى الرفيع والمعنى الشامخ والفكرة الراشدة، فيبدو فارغا من الذوق أحيانا، فكلام أهل البيت (عليهم السلام) فضلا عن بلاغته وعلو فصاحته تضمن المعاني الجليلة من الاعتقادات الحقة والوصايا الأخلاقية، والدعوات الموجهة إلى الخير والجهاد، معبرا عن أهداف الشريعة، وعن شجاعة المتحدثين به فكانت أحاديث المصطفى (صلى الله عليه وآله) في مكة المكرمة وخطب أمير المؤمنين (عليه السلام) وخطبتا فاطمة (عليها السلام) إضافة إلى خطب الحسن والحسين (عليهما السلام)... سلسلة من نور تمتد لتصل إلى السيدة زينب (عليها السلام).
فالسيدة زينب (عليها السلام) هي وريثة هذا البيت الطاهر، فقد جاء في إحدى زياراتها: (السلام على المولودة في معقل العصمة والتقى، ومهبط الوحي والهدى، والموروثة عظيم الفضل والندى. سلام على المرأة الصالحة، والمجاهدة الناصحة، والحرة الأبية، واللبوة الطالبية، والمعجزة المحمدية، والذخيرة الحيدرية، والوديعة الفاطمية).
وكانت فصاحة سيدتنا زينب (عليها السلام) تجمع بالإضافة إلى قوة العبارة وحسن الأسلوب أمرين آخرين هما المعرفة والشجاعة، فقد هيمنت كلماتها على السامعين وجعلتهم مذهولين حيارى لا يستطيعون أن يجيبوا بأي حرف وهناك شواهد كثيرة على ذلك.
بعدما وضعت معركة الطف أوزارها وبدأت القوات تنسحب من أرض الميدان، حاول ابن زياد بأمر من يزيد لملمة الوضع والتستر على الجريمة ولهذا أمر بأسر كل من بقي من النساء والأطفال، للتغطية وضمان عدم إشاعة خبر قتل الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، فكان موقف السيدة زينب (عليها السلام) بمثابة البيان الإعلامي الذي حرك تلك الضمائر التي كادت أن تموت فكان الهتاف: (ليت السماء أطبقت على الأرض). فبلغ هذا الصوت اسماع القوم، فتساءلوا من هذه المرأة؟ فإذا بامرأة تعلوها الهيبة ويجللها الوقار متشحة بالسواد وإذا بالمجيب أنها زينب بنت علي بن أبي طالب تشق طريقها وسط الجيش بقلبها الذي لم تثنه شراسة الأعداء فتقف على جسد أخيها الحسين (عليه السلام) لتطلق العبارة الخالدة (اللهم تقبل هذا القربان من آل محمد) لتوصل رسالة إعلامية بالغة الأهمية إلى القوم فكانت كالعاصفة التي هزت الطغاة وأربكتهم، إذ فاجأتهم (عليها السلام) بهذا الموقف البطولي الذي لا يستغرب من أهل بيت نذروا أنفسهم لبارئهم وأدركوا حينها أنهم في مأزق حقيقي تجلى في خطبها الثورية في أكثر من مجلس أثارت فيه (سلام الله عليها) حماس الجماهير للثورة على الطغاة وكادت عروشهم أن تتهاوى بفعل هذه الخطب والمواقف المؤثرة.
وحين جيء بالسبايا إلى قصر ابن زياد أخذ يستعرض عائلة الرسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسؤال عن أفرادها، ثم سأل: من هذه المنحازة عن النساء؟ فقيل: زينب بنت علي، فقال الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، وأكذب احدوثتكم، فأجابته (عليها السلام): (الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) وطهرنا من الرجس تطهيرا، إنما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو غيرنا). قال ابن زياد: كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟ قالت: (ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يا ابن زياد). فغضب ابن زياد واستشاط من كلامها معه في ذلك الحشد الكبير. فكانت (سلام الله عليها) صرخة الحق التي نبهت الغافلين من رقدتهم.
فسلام الله عليك يا سيدتي يوم ولدت ويوم توفيت كمدا ويوم تبعثين مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.
ما أحوج نسائنا إلى الإقتداء بعقيلة بني هاشم وتبنيهن لقضايا الأمة ولا سيما المصيرية منها وذلك بالتواجد في الساحة والإطلاع على المستجدات والحوادث. ندعو المرأة الملتزمة أن تكون زينبية موجودة في الساحة البحرينية والإقليمية والدولية وأن تؤدي دورها ومسئولياتها تجاه مجتمعها
العدد 543 - الإثنين 01 مارس 2004م الموافق 09 محرم 1425هـ