على طاولة مجلس وزراء الخارجية العرب الكثير من الأوراق والقضايا. فهناك فلسطين مضافا إليها «جدار الفصل العنصري»، والعراق وتداعيات الاحتلال واحتمال تشتت الدولة إلى دويلات. يعطف على فلسطين والعراق مجموعة مشروعات (اقتراحات) تقدمت بها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتطوير المنطقة وتحديثها، إضافة إلى سلسلة أفكار طرحتها جهات عربية تطمح إلى تعديل ميثاق جامعة الدول العربية واستحداث هيئات جديدة وآليات مختلفة للتصويت على قرارات كل دورة.
هناك مهمات كثيرة أمام الجامعة، وأقل تلك المهمات تحتاج إلى قدرات تبدو أنها غير متوافرة... وإذا توافرت الإمكانات تنقص الكثير من الدول العربية الإرادة أو الاستعداد للتكيف مع المستجدات ومتطلبات المرحلة المقبلة.
المشكلة في الدول العربية أن هناك ثغرات كبيرة في طليعتها تلك التي يطلق عليها ابن خلدون في مقدمته «الاستعداد». والاستعداد ليس ذاتيا فقط وإنما أحيانا له صلة عميقة بالقدرة الموضوعية على التحمل أو الفهم أو التكيف.
وحين تصل الدول إلى مرحلة الجفاف تتخشب إرادتها وتفقد قابليتها للتطور والتقدم، فتدخل في فترة «موات تاريخية» إلى أن يتجاوزها الزمن وتتلاشى في سديم من انعدام التوازن بين القدرة على الاستمرار وحاجات النمو وضغوط الوقائع الجديدة.
الاستعداد يعني وجود قابلية للحياة. وفي حال انعدمت القابلية دخل الإنسان (الدولة في موضوع الجامعة العربية) فترة التفكك والضياع وعدم القدرة على التكيف. والفشل في التكيف يعني أن الإنسان أصيب بسكتة دماغية تعطل عليه إمكانات الفهم ومعرفة محيطه وما يدور حوله.
دول الجامعة العربية أمام تحدٍ تاريخي كبير فهي مطالبة اليوم باثبات قدرتها على التكيف واستعدادها لمواجهة الصعوبات. وإذا لم تنجح في التقاط حاجات التطور فمعنى ذلك أنها دخلت في ما يشبه «السكتة الدماغية» فتعيش في حالات من الفراغ على هامش الزمن فتستمر من دون وعي منها للواقع أو معرفة بالمحيط وما يدور في داخلها وحولها.
مشكلة دول الجامعة أنها ليست ضعيفة بل استضعفت حالها. ومن يستضعف نفسه يبدأ في رحلة الغياب عن الزمن لأنه يكون كمن قدم استقالته وينتظر الجواب النهائي لقبولها.
ومشكلة دول الجامعة أنها لاتعرف مصادر قوتها. فهي قوية في امكاناتها البشرية، وثرواتها الطبيعية، ومواقعها الاستراتيجية ولكنها لا تعرف ذلك وإذا عرفت فإنها فقدت قابليتها للفهم والاستعداد لمعرفة ما يدور في داخلها ومحيطها.
الوضع العربي عموما ليس سيئا إلى هذه الدرجة التي تصورها تقارير الولايات المتحدة ومبادرات الاتحاد الأوروبي. انه سيئ ولكنه لم يفقد الأمل في حال استخدمت نقاط قوته. الوضع العربي سيئ ولكنه ليس أسوأ من عشرات الدول في العالم الثالث. فهناك إيجابيات كثيرة في الوضع العربي ولكنها مهملة وغير مستثمرة. فالثروة العربية متروكة (مودعة) في المصارف الأميركية والأوروبية. والإنسان العربي محتقر من أنظمته ولكنه طاقة شابة مطلوبة من دول الغرب لتشغيلها.
الوضع العربي ليس سيئا ولكن الأنظمة تخاف من التقدم والانفتاح لأنها متخوفة من الحياة. ومن يخاف الحياة فإن «الموات الزمني» هو مصيره.
هناك الكثير من الأوراق والقضايا على طاولة وزراء الخارجية العرب للنقاش والتداول، إلا أن أساسيات التعامل بين الدول غير متوافرة، وإذا اتفقت عليها لا تنفذ. حتى موازنة الجامعة السنوية تتهرب الدول من دفعها وهي في مجموعها لا تتجاوز 35 مليون دولار. فكيف يمكن أن يستقيم العمل العربي المشترك والدفاع المشترك والمصير المشترك وغيرها من أفكار ومفاهيم والدول المعنية بها تتهرب من دفع اشتراكاتها السنوية حتى تستمر مؤسسات الجامعة في وظائفها العادية.
موازنة الجامعة العربية (21 دولة) تعادل موازنة محطة «الحرة» التي قررت الإدارة الأميركية إطلاقها بتمويل مباشر من الكونغرس لشرح سياسة واشنطن في المنطقة. ومع ذلك تتهرب دول الجامعة من دفع قيمة اشتراكها السنوي في وقت بدأت أصوات أجراس الكونغرس في الوصول إلى كل بيت عربي. إنها مهزلة والمهزلة ليست في الوضع العربي وإنما من سخرية الأنظمة وتلاعبها بمصير شعوبها.
الأنظمة العربية ينقصها «الاستعداد» ومن يفقد الاستعداد يفقد القابلية للحياة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 543 - الإثنين 01 مارس 2004م الموافق 09 محرم 1425هـ