قال أحد الأصدقاء مستنكرا ما يحدث في مجلس النواب من هدر للوقت من قبل الإسلاميين: مرة يحتجون على إقامة حفل لمطربة، وأخرى على إقامة احتفال للفنانين والفنانات، وثالثة تجربة «الأخ الأكبر»، علما بأن هذه الأمور تصب في صالح اقتصاد البلاد، فالمطربة التي احتج النواب الإسلاميون عليها تأتي بأكثر من 5000 مشاهد في الليلة الواحدة، واحتفالات تلفزيون الخليج تستفيد منها وزارة الإعلام ولا تدفع فلسا من جيبها، وتجربة «الأخ الأكبر» تتمناها دول خليجية عدة، لكن الله مَنَّ علينا بهذه النعمة أن تم اختيار البحرين لتكون من بين البلدان التي حظيت بشرف الترشيح.
صحيح أنا علماني الهوى والكثير من الشباب والسياسيين يستنكرون عليّ الجمع بين النقيضين، فمن جهة أحمل فكرا رجعيا ومن جهة أخرى أنادي بشعارات تقدميّة وطليعية، حتى كادوا يشككوني في أن هذا الجمع بين النقيضين، يعني أن هنالك خللا في وضعي الفكري، فعلى سبيل المثال: أنا مع الذين ينادون بضرورة الحجاب ويرفضون تجربة «الأخ الأكبر» وتحويل البلاد إلى بارات ومواخير ليلية وإقامة احتفالات للفنانين والفنانات حتى ولو كان من وراء ذلك حصاد الملايين ولا أعتبر ذلك تناقضا، فالعلماني لا يقبل أن تكون الأمور «فالتو» في وطنه، ويرى أخلاقيات الفتيات البحرينيات تنهار بأن يجدهن يرقصن في الملاهي الليلية بالفنادق، ولا أن يتحول بلده محل دعارة وحانات للشرب لمجرد إنعاش الاقتصاد، ألا يعترف العلمانيون والتقدميون وأهل اليسار (المدافعون عن هذا النوع من الانفتاح) بأن هناك انحدارا أخلاقيا لدى كثير من فتيان وفتيات هذا البلد؟ ألستم معي أن الآباء لم يعودوا قادرين على ضبط «عيالهم»؟ ألا يرون اهتمام الشباب والشابات بالقراءة ومتابعة القضايا الجادة، التي كانت في الستينات والسبعينات تلاشى تماما؟ ألا يعترفون بأن الحس القومي والوطني عندهم قد انحسر كثيرا؟
الشارقة كنموذج أوقفت الخمور في فنادقها وأقامت برلمانا منتخبا للأطفال واعتمدت في دخلها وتنميتها على قضايا أكثر جدية كالجامعات العالمية، ومنعت التوافه المنتشرة في الخليج مثل شرب الشيشة «الخايسة والمضرة» وغيرها. هل أفلست الشارقة أم أصبحت واجهة ثقافية وعلمية مشرفة لدولة الإمارات؟ واقتصادها في تقدم مستمر بفضل حكمة حاكمها وإيمانه العميق بأن التقدم لا يأتي فقط من خلال النظرة الميكيافيلية «الغاية تبرر الوسيلة» إذ بالإمكان تنمية البلد بطرق مشروعة
العدد 542 - الأحد 29 فبراير 2004م الموافق 08 محرم 1425هـ