وعادت الذكرى من جديد، عادت لتبعث في النفوس الحية معاني الحرية ومعاني التفاني وتبعث في القلوب «هيهات منا الذلة»... الذكرى تتوهج في كل عام، وتزداد القلوب اشتياقا إلى شخص الحسين (ع) كلما تقدم الدهر. كيف لا وان هذا الشعار يرفع له علم لا تطفى أنواره ولا تخفى آثاره أبد الآبدين.
وكيف لا يبقى الحسين (ع) شعارا للشعوب التي تروم حياة العز، وهو الذي أوقد شعلة الحرية، وهو الذي حمل لواء التضحية... والحسين (ع) لم يخرج للقتال وإراقة الدماء كما يحتج بذلك بعض من يسمون أنفسهم بالباحثين، إن الحسين لم يخرج إلا «لطلب الإصلاح» في أمة جده رسول الله كما أكد ذلك مرارا وتكرارا. ولو كان الحسين خارجا للقتال لناجز طليعة الجيش الذي كان قوامه ألف مقاتل بقيادة الحر بن يزيد الرياحي ولتمكن من قتلهم، وبعث الخوف في نفوس الجيش الأموي. حتى أن بعض أصحابه قال لماذا لا نقاتلهم يا أبا عبدالله، فأجابه بأنه يكره أن يكون البادئ بالقتال.
والمتصفح في ثورة الإمام الحسين (ع) يجد أنها مدرسة للبشرية، مدرسة للشباب والأطفال والكهول. هذه المدرسة التي جسدت انتصار الدم على السيف، انتصار الصبر والإيمان على القوة والكفر. ولعل هذه المدرسة بكل معانيها، تجسدت من جديد، وعادت التضحية مرة أخرى، وقهرت القوة، وقد أعلنها الأمين العام لحزب الله بصراحة، أن حزب الله وصل لما وصل إليه بفضل مدرسة الحسين بن علي (ع). وطالما بقي لواء الحسين مرفرفا في لبنان وفلسطين فإن العدو سيقهر لا محالة.
ولذلك، فإن الجور لن يغزو نفوسا سكنها حب الحسين (ع) وعشعشت فيها مبادئه. ولن يجد الذل سبيله إلى شعوب اتخذت الحسين رمزا وشعارا. وكل ما نحن فيه إنما من الحسين (ع). وستظل زوبعة العاشر تدوي في الأفق، ويظل ثار العاشر ينادي، يالثارات الحسين. إن الحسين(ع) ليس مِلْكا لطائفة، وإنه ليس حكرا على معتقد، ولم يدفن في أرض كربلاء، بل دفن في كل قلب يأبى الذل... وستظل العيون تذرف عليه بدل الدمع دما، وأعجب لعين لا تجود بدمعها للحسين (ع)...
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة
لكنما عيني لأجلك باكية
تبتلّ منكم كربلا بدم ولا
تبتلّ مني بالدموع الجارية
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 542 - الأحد 29 فبراير 2004م الموافق 08 محرم 1425هـ