العدد 542 - الأحد 29 فبراير 2004م الموافق 08 محرم 1425هـ

معركة الأرقام

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

معركة الأرقام مسألة مهمة في توضيح صورة الموقف العربي المشترك في الرد المقترح على مشروع «الشرق الأوسط الكبير» وتصورات المبادرة الاوروبية. فالارقام لغة حيوية تعطي للافكار مقاصدها السياسية والاقتصادية. وحين تغيب الارقام عن لغة التخاطب يتحول الكلام إلى شعارات وتتلاشى الحقائق في سراديب من الافكار المجردة من الوقائع.

المشروع الاميركي اعتمد سلسلة أرقام لتبرير سياسة ادارة واشنطن وتغطية الهجوم الاستراتيجي لتدمير الاستقرار الاقليمي وتفكيك الدول العربية لإعادة رسم خرائطها الجغرافية وفق تصورات تنسجم مع المشروع العام.

الرد العربي على المشروع الاميركي يجب ان ينطلق من الارقام لكشف الحقائق وتأكيد ان المشكلة أعقد من «الوصفات الجاهزة» التي طرحتها واشنطن في توصيفها للمنطقة.

الارقام الواردة في المشروع الاميركي تقول مثلا ان ثلث «الشرق الأوسط الكبير» يعتمد على دخل يومي لا يتجاوز الدولارين. هذه الارقام غير صحيحة وكذلك ليست واضحة. فعن اية دولة يتحدث المشروع، وما هي المنطقة التي يقصدها؟ كل الارقام في معظم الدول العربية تشير - باستثناء الصومال - إلى ان ثلث السكان يزيد دخلهم على 730 دولارا في السنة. واذا كان التقرير يقصد ان «الشرق الأوسط الكبير» لا يعني الدول العربية فقط بل يضيف اليها «اسرائيل» وتركيا وايران وباكستان وافغانستان فإن المسألة تصبح اكثر تعقيدا. فهناك حالات متعارضة ومن الصعب جمعها كلها في دائرة اقتصادية واحدة نظرا للتفاوت الكبير في دخل الفرد بين افغانستان والصومال مثلا مقابل عشرات الدول العربية والمسلمة التي يزيد دخل الفرد فيها على تلك الارقام.

التعميم في المشروع الاميركي مشكلة وكذلك غموض هوية المنطقة التي يقصدها. فهل الارقام تشمل كل الدول الواقعة بين شرق الهند وغرب المغرب أم انها تستثني بعض الدول العربية والمسلمة؟ وهذا «الثلث» الذي تحدث عنه التقرير اين يقع، وما الدول التي يتألف منها؟ فكلمة «الثلث» غامضة وغير واضحة في دلالاتها. فالتقرير يتحدث عن خطة اقتصادية تهدف إلى رفع دخل «ثلث سكان المنطقة» في فترة خمس سنوات من دولارين في اليوم (730 دولارا في السنة) إلى اربعة دولارات في اليوم (1460 دولارا في السنة) من دون ان يشير إلى المناطق واسماء الدول. فهل يقصد التقرير بعض مناطق افغانستان والصومال وموريتانيا واليمن أم انه يقصد كل «الشرق الاوسط الكبير» ومن ضمنه السعودية وقطر والبحرين وايران وتركيا.

التقرير لا يشير إلى دول بعينها. فالغموض هو المسيطر وحين تسيطر العموميات على لغة الارقام فمعنى ذلك ان واشنطن نفسها ليست جدية في طموحها (المشكوك فيه) بتحديث المنطقة وتطويرها. فكل الارقام في المنطقة العربية على الاقل تدل على ان معدل دخل الفرد اعلى بكثير في المتوسط من 730 دولارا او 1460 دولارا. فمتوسط دخل الفرد السنوي في الاردن مثلا (احصاءات العام 2000) 3500 دولار، وفي الامارات 23 الفا، وفي البحرين 16 الفا، وفي تونس 6500 دولار، والجزائر 5500 دولار، وفي السعودية 11 ألفا، وسورية 3100 دولار، وسلطنة عمان 7700 دولار، وقطر 21 الفا، والكويت 15 ألفا، ولبنان 5000 دولار، وليبيا 9000 دولار، ومصر 3600 دولار، والمغرب ايضا 3600 دولار، وحتى موريتانيا يبلغ معدل متوسط دخل الفرد (احصاءات 2000) اكثر من 2000 دولار سنويا.

يستثنى الصومال (يمر في حروب قبلية اهلية) من المعدلات المذكورة. فالصومال هو البلد العربي الوحيد الذي يبلغ دخل الفرد فيه اقل من 730 دولارا. الى الاستثناء الصومالي (600 دولار في السنة) يمكن اضافة اليمن (820 دولارا) والسودان (ألف دولار) وجيبوتي (1300 دولار). وهو اعلى من المعدل الذي يذكره التقرير.

لغة الارقام تكشف عن وجود قراءة غير مفهومة في التقرير الاميركي، وتدل الارقام على وجود مشروع سياسي وراء فكرة «الشرق الأوسط الكبير». هذا لا يعني ان الوضع الاقتصادي للدول العربية وصل إلى مرتبة متقدمة وليس بحاجة الى تحديث وتطوير إلا أن الوضع العام افضل بكثير من تلك الارقام التي اشار اليها المشروع في تقريره الاقتصادي. فالارقام تؤكد وجود ثلاث او اربع دول عربية على الاقل يبلغ متوسط دخل الفرد فيها اعلى من متوسط دخل الفرد في الولايات الاميركية. فما المقصود اذا من مشروع رفع دخل الفرد (ثلث السكان) الوارد في التقرير؟ وهل دخل الفرد يشير إلى قوة الاقتصاد ام يدل على وجود ثغرات في توزيع الثروة الوطنية؟

المشروع الاميركي غير واضح في هويته، ويميل الى الغموض في تعيين الحدود الجغرافية السياسية، واخيرا يعتمد على ارقام قديمة وخاطئة حين يتطرق الى البحث في الواقع الاقتصادي للدول العربية.

نقاط الضعف هذه تشكل نقطة مهمة في الرد العربي المقترح والمتوقع صدوره في لقاء القاهرة وقمة تونس. فلغة الارقام تعطي قوة للمنطق الكلامي وتزيد من حيوية المعركة وتعطيها دفعة للبحث عن طرق خاصة للتقدم والتنمية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 542 - الأحد 29 فبراير 2004م الموافق 08 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً