العدد 2354 - السبت 14 فبراير 2009م الموافق 18 صفر 1430هـ

التنمية في دول مجلس التعاون (2 - 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ليست التنمية حالة مستقلة. فهي عندما تقاس في بلد معين لا يتم ذلك بشكل معزول عن بلدان أخرى، يتم اختيارها -أي تلك البلدان- من أجل إجراء المقارنة التي يقاس مستوى التقدم التنموي الذي حققه ذلك البلد المعني بالمقارنة. هذا ما أصبحنا نقرأه في تقارير الأمم المتحدة المعروفة باسم «تقرير التنمية البشرية»، التي صدر منها حتى العام الماضي 18 تقريرا، إذ صدر أول تقرير منه في العام 1990، واعتمد آخرها على معلومات وإحصاءات للعام 2005. شمل التقرير في جداول مقارناته 175 (من أصل 192) دولة من دول العضوية في الأمم المتحدة. الأمر الذي يدفعنا للاستشهاد بما جاء من نتائج في التقرير الأخير، هو تحوله من قياس معدلات ومستويات «التنمية الاقتصادية» فقط، إلى «التنمية البشرية» بما تغطيه دائرة التنمية البشرية من مؤشرات تدلل على درجة تنمية الإنسان أكثر من الاقتصاد فحسب.

لم يكن أي من الدول الخليجية بين الدول العشر الأولى التي حققت قيمة أعلى من 8.0، وهو العامل الذي حدده التقرير لهذه الفئة. بل الأسوأ من ذلك أنه بينما حلت «إسرائيل»، ذات الاقتصاد العسكري 33، كانت أقرب الدول العربية الخليجية لها الكويت التي جاء ترتيبها 44. لكن حتى الكويت، بكل الثروات المالية المتوافرة لديها، والتي حلت أولى مقارنة بالدول العربية الأخرى، لم تتجاوز حصة البحث والتطوير 0.2 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي، في حين خصصت «إسرائيل» 4.5 في المئة منه. أما معدل البحث العلمي عالميا فهو2.3 في المئة من الناتج المحلي السنوي.

الملفت للنظر في التقرير، ذلك التحذير الواضح للدول العربية، ومن بينها الدول الخليجية من المشكلات التنموية الاستراتيجية المحدقة، ومن أبرزها شحة المياه، والنمو السكاني، وسياسة التحكم في الموارد الطبيعية.

وإذا انتقلنا من تقرير الأمم المتحدة، إلى تقرير «التنمية الإنسانية العربية 2003: نحو مجتمع المعرفة»، فسنصاب بالإحباط الذي تضاعف من شدته الأرقام التي وردت فيه بشأن مدى ابتعاد -بدلا من اقتراب- البلدان العربية، والخليجية في القلب منها من مجتمع المعرفة.

الغريب في الأمر، أن الكثير من أجهزة الإعلام الرسمي الخليجية تضلل المواطن، بالتدليل على مدى الإنجازات التنموية التي حققتها البلدان الخليجية باللجوء إلى عنصرين:

1- ارتفاع معدل الناتج الإجمالي المحلي، الذي بدأ يقترب من التريليونات، وهو عامل، على رغم أهميته ودوره الإيجابي، لكنه بدأ يفقد هذا الدور في مقاييس التنمية البشرية، نظرا إلى تراجع أهمية «السيولة النقدية» في إطار التنمية البشرية العام من جهة، ولسرعة تآكله، وفقدانه لنسبة عالية من قيمته الشرائية، دع عنك التنموية من جهة ثانية. يعود ذلك إلى تسارع ارتفاع معدلات التضخم العالمي، المصحوب بزيادة حادة في الأسعار والبضائع ذات العلاقة بمجتمعات المعرفة والاقتصادات التي تسيرها من جهة ثانية.

2- ارتفاع معدل نصيب دخل الفرد الخليجي مقارنة بالفرد في دول أخرى من العالم. وفي ذلك الكثير من التجني على الواقع، إذ أن التوزيع الفعلي للدخل لا يتم بقسمة الناتج المحلي على عدد السكان. ولو كان الأمر كذلك، لما شاهدنا مظاهر الفقر تنتشر في دولنا الخليجية النفطية. فالحقائق تقول إن نسبة ضئيلة من السكان تستحوذ على نسبة عالية من ذلك الدخل، وترمي بالفتات منه لتلك الغالبية العظمى التي يفترض بها أن تنعم بتلك النسبة العالية.

هناك أمور كثيرة قادت إلى هذا المستوى الخليجي المتدني مقارنة بالمستويات العالمية من التنمية البشرية، والتي ترجعه الكثير من المصادر إلى مجموعة من العوامل من بين أهمها، إلى جانب سوء توزيع الثروة، ما يلي:

1- انعدام الشفافية، وفي أحسن الظروف تدني مؤشراتها، الأمر الذي يحرم المواطن أو مؤسسات الرقابة المالية والإدارية من تأدية دورها على الوجه الصحيح. الحديث هنا لا يقتصر على تمظهر الشفافية على نحو «جمالي» لتزيين الصورة الخارجية، بقدر ماهو زرع الشفافية في عقول المسئولين والمواطنين وترسيخها في عقولهم كي تتحول إلى سلوك حضاري يومي يضمن السير بشكل صحيح، وبالسرعة المطلوبة على طريق بناء مجتمع تمارس فيه قوانين الشفافية على النحو المتعارف عليه عالميا.

2- تفشي الفساد، وليس المقصود بالفساد هنا، رشوة مالية ضئيلة هنا، أو هدية غير مبررة هناك. الحديث عن الفساد هنا يتناول الفساد الإداري والمالي بمعناه الشمولي الواسع الذي يبدأ بخطط التنمية، وبرامج التطوير، ويعرج على تحديد الأولويات عند إقرار الموازنات العامة ولا يقف عند أوجه الصرف على بنود تلك الخطط أو الموازنات، بل يذهب إلى حد متابعة النهايات التي آلت إليها.

3- سيادة الآنية، وغياب التخطيط الاستراتيجي البعيد المدى، فالملاحظ على الكثير من المشروعات الخليجية الاستراتيجية، باستثناء القليل النادر منها، أنها ذات طابع آني غير مستقبلي، وفي أحيان كثيرة يركز على الجوانب التجميلية التي تخدم الخطاب الإعلامي، بدلا من الغوص عميقا وتلمس المشكلات الأساسية ووضع حلول جذرية بعيدة المدى، تضمن، حتى ولو بعد فترة طويلة، إلى أهداف تعزز من برامج «التنمية البشرية» المطلوبة.

الغريب أن مثل هذه المظاهر السلبية ليست بنت اليوم، ولا من تأثير «الفورة النفطية»، كما يحلو للبعض أن يصورها. ولعلها هي التي دفعت المفكر العربي الإسلامي ابن خلدون أن يشير إليها في في مقدمته الشهيرة حين حاول أن يربط، وإن كان ذلك بشكل غير معقد، بين درجة أزدهار الاقتصاد ومدى نجاح خطط التنمية من جهة، وبين الفساد وسوء توزيع الثروات من جهة ثانية، فوجدناه يقول: «اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم. و إذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك.

وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب»

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2354 - السبت 14 فبراير 2009م الموافق 18 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً