العدد 2354 - السبت 14 فبراير 2009م الموافق 18 صفر 1430هـ

قوة التطرف الصهيوني وضعفه

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعيدا عن تلك المقالات التهكمية التي كتبها صحافيون عرب بمناسبة فوز أقصى التطرف بانتخابات الكنيست الإسرائيلية طرحت النتائج مجموعة أسئلة تتطلب فعلا إجابات عربية بشأن تداعياتها السلبية على استمرار المفاوضات ودعوات السلام. بعض الصحافيين العرب ابتهج بفوز أقصى التطرف العنصري والقومي والديني معتبرا الأمر فرصة للثأر الذاتي والانتقام اللفظي من مبادرة السلام العربية والسلطة الفلسطينية، وبدأ يراهن على بداية نهاية منظمة التحرير وغيرها من تصورات طفولية لا تستحق النقاش أو التعليق لكونها تندرج تحت سقف القصور العقلي. فهذا النوع من التفكير يصنف عادة في إطار الشماتة والاستهتار وعدم الاكتراث باحتمال حصول كوارث ضد الشعب الفلسطيني والمحيط العربي المجاور لـ«إسرائيل».

المراهنة على فوز «أقصى التطرف» يحتاج إلى قراءة سياسية للتدقيق في مجرى الاحتمالات المتوقعة ومدى تأثيرها على مبادرة السلام العربية ودور منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد. فالمراهنة التي أشار إليها بعض الصحافيين العرب تشير إلى سلبيات يعتمد عليها لتقويض الاجماع العربي على مبادرة بيروت واستتباعا زعزعة السلطة الفلسطينية وتكريس الانقسام بين الضفة وغزة وأخيرا البحث عن مرجعية بديلة لمنظمة التحرير.

السؤال: هل يستطيع «أقصى التطرف» الصهيوني تحقيق هذه الأهداف الثلاثة التي أشار إليها بعض الصحافيين العرب؟ الجواب المرجح يتجه نحو السلبية. فأقصى التطرف الصهيوني لا يمتلك تلك الأدوات القادرة على تحقيق الغايات الثلاث إلا في حال تقاطع مع وجهة نظر في الجانب الآخر. فالتطرف في جانب يحتاج إلى جانب مقابل حتى يحقق أهدافه. وهذا يعني أن السؤال يجب أن يطرح على الطرف الفلسطيني ومدى استعداده للعمل على تقويض السلطة وتقسيم منظمة التحرير وإفشال مشروع مبادرة السلام العربية.

المسألة إذا تعتمد على قاعدتين، فإذا توافرت الشروط الموضوعية والذاتية في الجهتين تصبح إمكانات تفكيك السلطة واردة في حال استمر الضغط للاستغناء عن مبادرة بيروت واستبدال منظمة التحرير بهيئة جديدة.

حتى الآن تبدو الأمور صعبة باعتبار أن العدوان على غزة لم يوفر تلك الأسس السياسية للانقضاض على السلطة والمنظمة والمبادرة على رغم أن فضاءات العدوان شجعت على نمو تيار يعلن بوضوح رفضه للسلطة والمنظمة والمبادرة. إلا أن التيار أصيب بإحباطات مختلفة عطلت عليه قنوات الضغط لتطوير الهجوم واستثماره سياسيا وذلك لمجموعة أسباب دولية وإقليمية وعربية وفلسطينية.

دوليا انتهت فترة إدارة جورج بوش التي لعبت دورها في المساهمة في ترتيب العدوان على غزة وتغطيته في مجلس الأمن. فالإدارة الجديدة التي تسلمت الملفات بدأت بإعادة القراءة وهذا يتطلب بعض الوقت للتوصل إلى صيغة بديلة. ومسارعة الرئيس باراك أوباما بالاتصال برئيس السلطة الفلسطينية كانت إشارة ملفتة إلى عدم موافقة إدارته على تداعيات العدوان السياسية.

إقليميا شكل الموقف التركي نقطة ثقل للاعتراض على النتائج المتوخاة من عدوان غزة. فالقيادة السياسية التركية ارتبكت بداية من خطورة العدوان وسلبياته ثم أبدت لاحقا دعمها لقطاع غزة والقضية الفلسطينية. وجاء الموقف التركي يرد الاعتبار لقيادته السياسية التي تخوفت من أن تتهم بمعرفتها المسبقة بالعدوان بسبب استضافتها للمفاوضات السورية - الإسرائيلية على أرضها وهي المفاوضات التي توقفت فجأة عشية التحضير للهجوم على القطاع. الموقف السياسي التركي أوضح الكثير من جوانب الصورة وأعطى إشارة إلى غضب ناتج عن الإحساس بالغدر ما أدى لاحقا إلى تكوين رأي عام مضاد رمى بثقله إلى جانب السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير والمبادرة المصرية بشأن غزة.

ورقة غزة وبوابتها

عربيا نجحت القيادة السياسية في مصر في احتواء الهجوم المضاد حين استطاعت الإمساك بالملف ومنع أوراقه من الانسياب خارج البوابة الجغرافية. ونجاح القاهرة في ضبط ملف غزة وإدخاله للمعالجة في إطار مبادرتها التي حصلت على دعم أوروبي قوي أعطى فرصة لإعادة التوازن تحت سقف القرار الدولي 1860 ومنع «إسرائيل» من توظيف الاتفاق الأمني الذي وقعته وزيرة الخارجية الإسرائيلية مع وزيرة الخارجية الأميركية عشية مغادرة بوش البيت الأبيض. فالقيادة السياسية المصرية تعاملت بسلبية مع تلك الاتفاقية الأمنية الأميركية - الإسرائيلية واعتبرتها رسالة سيئة موجهة ضد القاهرة لأنها استهدفت إثارة الشكوك بدور مصر وسيادتها على أرضها وتحديدا في سيناء وبوابة غزة. وأدى التعاطف الأوروبي والروسي والغالبية العربية مع مصر في مواجهة النتائج السياسية لتلك الاتفاقية الأمنية إلى تصحيح المعادلة وعطل على تل أبيب إمكانات توظيف العدوان لخدمة أهداف تتجاوز حدود القطاع.

فلسطينيا نجحت السلطة في تجاوز محنة غزة حين تحركت دوليا وإقليميا وعربيا لمنع حكومة أيهود أولمرت في توظيف العدوان سياسيا من خلال إشهار إفلاس منظمة التحرير وعدم فاعليه مبادرة السلام العربية بذريعة أن حكومة محمود عباس منقسمة وضعيفة ولا تمثل الشعب الفلسطيني ومرفوضة من الشارع. وأدى خروج حكومة رام الله من محنة غزة بأقل الخسائر المعنوية والسياسية إلى تنشيط دور السلطة وتعزيز موقعها من خلال التأكيد على مرجعية المنظمة ووحدة الضفة والقطاع ورفض التلاعب بالمسارات وإعادة التمسك بمبادرة السلام بصفتها تشكل مظلة عربية مشتركة لا يجوز التفريط بها قبل التوصل إلى تفاهم إجماعي على البديل.

كل هذه العوامل الدولية والإقليمية والعربية والفلسطينية اجتمعت في فترة العدوان على غزة ما أدى إلى إضعاف الموقف الإسرائيلي ومنعه من الاستفادة القصوى من نتائج المحنة. فتل أبيب وضعت أمامها مجموعة أهداف لتحقيقها تتصل بحاجات داخلية منها رد الاعتبار لقوة الردع الإسرائيلي وكسر إرادة الصمود وتحسين فرص الفوز بالانتخابات البرلمانية (الكنيست). الحاجات الإسرائيلية الداخلية كانت معطوفة على غايات سياسية تتجاوز حدود القطاع وتطمح إلى عزل غزة عن الضفة وإضعاف سلطة رام الله حتى لا تواصل المطالبة بوقف بناء المستوطنات والوحدات السكنية والانسحاب وبناء دولة فلسطينية «قابلة للحياة».

العدوان الإسرائيلي على غزة استهدف الشعب وليس فصيلا سياسيا كذلك توجه ميدانيا لتحقيق غايات أكبر من حدود القطاع تبدأ بالحد من السيادة المصرية على البوابة الجغرافية وتنتهي بكشف السلطة الفلسطينية ميدانيا وإضعافها من خلال كسر رمزية منظمة التحرير وما تمثله من شرعية اكتسبت مرجعيتها بالنضال المعطوف على اعترافات دولية وإقليمية وعربية.

العدوان على غزة نجح في تحطيم البنى التحتية وحاول تقويض قواعد الدولة المحتملة وقتل وشرد الآلاف إلا أنه أخفق في تحقيق الغايات السياسية القريبة والبعيدة المدى ما ولد ردة فعل في الشارع الإسرائيلي وأعطى ذاك الزخم الانتخابي للتكتلات المتطرفة التي استطاعت تحقيق غلبة نسبية في توزيع مقاعد الكنيست.

حتى الآن لم تهدأ عاصفة العدوان على غزة. كذلك لم تتوضح صورة القطاع بعد حصول تداعيات فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية بشأن نتائجه البعيدة. فأقصى التطرف الصهيوني يضغط باتجاه تشكيل حكومة إسرائيلية ترفض علانية اتفاقات أوسلو ومبادرة السلام العربية وقيام دولة فلسطينية وتطالب بضرب السلطة ومنظمة التحرير والمحافظة على هوية «إسرائيل» اليهودية وغيرها من نقاط تعتبر في مجموعها خطوة كارثية على الشعب الفلسطيني وقضيته.

هذا التطرف أعلن بعض الصحافيين العرب ترحيبه به نكاية بالمبادرة العربية والمرجعية الفلسطينية ولحسابات واعتبارات معلومة ومجهولة... إلا أن التطرف الصهيوني لا يستطيع النجاح من دون غطاء دولي توفره الإدارة الأميركية كما كان الأمر في عهد بوش. كذلك لا يستطيع الدفاع عن مشروعه الاحتلالي والتوسعي من دون ضمانات وتغطيات أوروبية وإقليمية سعت إليها تل أبيب ولكنها فشلت في التوصل لتحقيقها بعد أن أظهرت منظمة التحرير تماسكها ولم تتراجع الدول العربية حتى الآن عن مبادرتها.

المسألة إذا صعبة وليس سهلا على أقصى التطرف تحقيق مشروعه نظرا لمجموعة معطيات. إلا أن التطرف الصهيوني يستطيع تجميد المفاوضات وتعطيل إمكانات بناء دولة فلسطينية اعتمادا على ذرائع أخرى تقوم على الانقسام العربي - الفلسطيني وتوظيفه للتلاعب على المسارات وكسب الوقت

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2354 - السبت 14 فبراير 2009م الموافق 18 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً