العدد 2736 - الأربعاء 03 مارس 2010م الموافق 17 ربيع الاول 1431هـ

تتشابه الوجوه لتسرد شخصية العامل العراقي

في دار البارح فيصل لعيبي وأحمد مظهر

بتلقائية أخاذة بدت لوحات كل من الفنانين العراقيين فيصل لعيبي وأحمد مظهر تتكاملان شكلا ومضمونا في فسحة بصرية تسمح لك بالانطلاق في التأويل والقراءة لكل منهما، ففي الوقت الذي انطلقت لوحات الفنان فيصل لعيبي نحو واقعية تلعب على ملامح الشخوص، في أشبه ما يكون بسردية عراقية متتالية ترصد العامل العراقي في مواقع عمله المختلفة، نجد أن أحمد مظهر ترك للوحة أن تنطلق في تجريد مفتوح بتلك الخطوط المتداخلة والخربشات المفتوحة التي تحمل أكثر من لوحة وكأنك أمام مرآة مفتوحة على ما فيك من معنى أكثر مما فيها عبر خطوط متداخلة قابلة لأن تكوّن أكثر من لوحة، أو لوحة فوق لوحة أخرى، هكذا في تتابع مستمر لا ينتهي، كما هي خطوطه.

كان ذلك في معرض «العراق: وجهان» الذي استضافته دار البارح، بحضور مجموعة من الفنانين والأصدقاء والمهتمين بالحركة الفنية، إذ رصد الفنان فيصل لعيبي ملمحا من ملامح الإنسان العراقي وذلك من خلال تتبعه لشخصية العامل العراقي في مختلف مواقعه وكأنه يرد الجميل لهذا الرجل، ولعل الملفت والجميل في لوحات لعيبي أن كل الوجوه تتشابه وكأن ثمة مسحة واحدة من خلالها رأى الفنان هذا العامل الذي مهما اختلفت وجوهه إلا أن له ملمحا واحدا ووجها واحدا في كل الحالات، فيا ترى أهي هذه شخصية الفرد العراقي كما تسمى في غير موضع، فثمة بساطة في شموخ ونظرة تلقائية ولكنها عميقة جدا.

هكذا بكل تلقائية تقف أمام تجسيد لعيبي لشخصية وملامح بائع السمك فتلتفت إلى الجلسة والنظرة المسطحة التي يبدو من خلالها أن الرجل وقف بكامل هدوئه ليأخذ له الفنان هذه اللقطة وكأنه كان واقفا أمام كاميرا أو متجهّزا للقطة الأخيرة.

ثم تلتفت لأشياء تكاد تتكرر في معظم اللوحات وكأنها جزء من مكونات الشخصية العراقية العاملة على مستوى الشكل، إذ إن الغترة مسدلة أو معممة على الرأس أو معقودة على الكتف أو محمولة بين اليدين.

ولعل ما يلفتك أيضا ذلك الهدوء الذي تفترضه اللوحة على مستوى الخلفية التي تخلو من الأشياء إذ يكون اللون صريحا وكأن الفنان أراد أن يستجمع كل حواس المتلقي نحو حدث واحد هو تلك اللقطة التي يبدو فيها العراقي في أبهى حلة وكأن الفنان يقتطع الحدث على مستوى اللوحة في أبسط صورة ممكنة، ويخفي كل التفاصيل الأخرى ليأخذ المتلقي إلى عمق آخر تفترضه صورة العامل حيث جرّده مما حوله من تفاصيل إلا بما يريد أن يرينا إياه، فيبدو الفنان كمخرج يختار أدواته والأشياء التي حول شخوصه بدقة ممعنة وبحساسية فنية خاصة.

وهكذا نرصد المكوجي بلباسه الخاص فنلتفت لجمالية الأرضية والنظرة المحايدة التي تنطبع بها شخصيته وكل الشخوص الأخرى العاملة، وكذلك هي شخصية الحلاق إذ يبدو الطفل بين يديه في براءة وتلقائية وهوادة تامة والأدوات حوله من الإبريق والموس، والمقص وصحف يتساقط عليها الشعر.

وفي لوحة أخرى يقدم لعيبي صورة الشيخ العراقي شيخ العشيرة في رباطة جأشه، ولكن بنفس الملامح السابقة ونفس الوجه ونفس اللباس مع تفاصيل أخرى وسياق آخر هو تلك الجلسة المستعدة للقطة الفنان وبشت عراقي ممتلئ بالزهو، وفواكه على الجنب والأرجيلة التي بين يديه وفي فمه، بما يعكس شيئا من الزهو والمكانة الاجتماعية.

وكذلك هو المصور، إذ بين يديه أدواته الفنية، تلك الكاميرا الضوئية القديمة التي يدخل المصور فيها رأسه إذا أراد التقاط الصورة وبين يديه مساعده أو عامل يحمل الشاي الذي يبدو في الصورة كالأشياء الأخرى مسطحا ومواجها للمتلقي، والنظرة هي هي وكأن كل شيء في اللوحة توقف ينظر إليك أيها الزائر لتبصر فيه ما تشاء، هكذا بكل بساطة كل شيء يقول لك ما فيه القهوة، الشاي، وسطل الماء.

هكذا تتابع اللوحات بائع القهوة بائع السمك ساقي الشاي شيخ العشيرة الخضار الحلاق كلهم في نظرة واحدة محايدة مجردين من سياقاتهم من غير تفاصيل تميزهم إلا تفاصيل العمل الخاص بكل واحد منهم من غير خلفيات مقلقة أو ممتلئة وبألوان زاهية، حيث الأصفر بصراحته يملأ اللوحة وكذلك الأحمر والأخضر والبني و»البيج» وكأنك أمام سردية فلكلورية جميلة لمهن مازالت الذات تحتفظ بها كامتداد تاريخي للسوق التي غزتها العولمة بتحولاتها، ولكن المخيلة تصر على الاحتفاظ بها جميلة عبر الذاكرة أو عبر لوحات فنية حفية بها.

العدد 2736 - الأربعاء 03 مارس 2010م الموافق 17 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً