ربما يرى البعض غرابة في هذا العنوان وربما يعتقد أنها مجرد توليفة بين كلمات لتعطي نغمة معينة للعنوان. العنوان ينضوي معناه تحت علمين متخصصين الأول ويسمى أركيوبوتاني Archaeobotany وهو علم مختص بدراسة آثار النباتات القديمة التي كانت موجودة في منطقة ما، أما العلم الآخر فهو إيثنوبوتانيEthnobotany وهو علم مختص بدراسة العلاقات بين الناس والنبات أي أنه مجموعة من المعلومات المتوارثة عند جماعة ما وتختص بنبات ما أو مجموعة نباتات، وباختصار هو الثقافة المتعلقة بنبات ما، كثقافة النخلة مثلا. وفي تاريخ المجتمع البحريني نجد نباتات كانت موجودة وانقرضت منه، بمعنى أنها كانت تزرع قديما في البحرين وما عادت تزرع فيه، وكانت هناك ثقافات ارتبطت بنباتات معينة ولم تعد هذه الثقافة موجودة، هذا يعني أن هناك أكثر من عنوان فرعي للموضوع الأساسي، وفي واقع الأمر ما سنتناوله في الفصول القادمة عبارة عن مجموعة من النباتات والثقافات المرتبطة بها مصنفة تحت ثلاثة عناوين أساسية.

1 – اختفاء الثقافة نتيجة التغير الثقافي

ونقصد بذلك أنه كان هناك مجموعة معتقدات تخص نبات معين وكان لهذه المعتقدات تطبيقات معينة أي طقوس معينة ظاهرة كانت منتشرة في فترة ما في المجتمع البحريني إلا أن هذه الطقوس والمعتقدات اختفت من المجتمع، وذلك بسبب التغير الثقافي في المجتمع نتيجة للصحوة الفكرية أو التقدم العلمي.

2 – اختفاء الثقافة نتيجة انقراض النبات

في الحقب القديمة من تاريخ البحرين كانت تزرع نباتات معينة على أرض البحرين، منها نباتات لها أهمية اقتصادية، وهذا يعني وجود نبات معين مرتبط بثقافة معينة في المجتمع البحريني القديم. وتثبت الدراسات الأركيوبوتانية أن هناك عددا من النباتات ما عادت تزرع في البحرين وبالتالي فإن الثقافات المتعلقة بهذه النباتات انقرضت مع النباتات أيضا، إلا إذا تم استبدال النبات بآخر يقوم مقامه.

3 – بقاء الثقافة واستبدال النبات

في المجتمع البحريني الحديث في الوقت الراهن هناك بعض من الثقافات المتعلقة بأنواع معينة من النباتات، وعندما ندرس تاريخ إحدى تلك الثقافات لوحدها نجدها ممتدة في عمق التاريخ بينما نجد تاريخ النبات المتعلق بهذه الثقافة حديثا نسبيا ولا يوجد دليل فيزيائي على أن هذا النبات كان موجودا في الحقب القديمة متزامنا مع الثقافة المرتبط بها، إلا أننا نجد نباتات أخرى موازية لهذا النبات وبذلك نستنتج أن الثقافة نشأت منذ القدم وبقيت حتى يومنا هذا إلا أن النبات المرتبط بها تم استبداله بآخر. وفي فصول قادمة سنعطي مثالا واضحا مفصلا.

النباتات القديمة بين «وجِد» و«ذُكر»

من أهم النقاط في دراسة تاريخ منطقة ما بصورة عامة وليس فقط النباتات يجب التفريق بين المعطيات التاريخية فهناك نقوشات قديمة وكتابات قديمة أو كما يسميها البعض كتابات كلاسيكية تحوي عددا من المعلومات التاريخية قابلة للتأويل وفي أحيان كثيرة لا يوجد اتفاق على مدى صحتها بسبب عدم العثور على أدلة فيزيائية أو مادية تؤكد تلك المعلومات، ومثل هذه المعلومات لا يمكن أن نجعل منها أساسا نبني عليه، فعندما يكون الأساس ضعيفا أو مشككا في صحته فما هي مصداقية ما يبنى عليه؟ وهنا سأعطي مثالا بسيطا، البعض يعد أساطير حضارة وادي الرافدين كأسطورة جلجامش أو أسطورة الخلق السومرية نصوصا تاريخية مرتبطة بحضارة دلمون التي قامت على أرض البحرين ويبني على أساس ذلك بينما يستنتج من الأدلة الفيزيائية أن ارتباط جزر البحرين باسم دلمون لاحق لتلك الأساطير أي أن تلك الأساطير كتبت قبل تكون أي حضارة على جزر البحرين، ويرجح أن دلمون في هذه الحقبة هي شرق الجزيرة العربية (راجع بوتس 2003: ج1ص172-173) وهناك عدة آراء حول دلمون الأولى ذكرناها في جزء بناء النموذج سابقا. وبالرغم من ذلك يصر البعض على وجود رابط قوي بين تلك الأساطير وجزر البحرين. وعليه لن نذكر في هذه الدراسة أي نبات ذكر أنه كان موجودا في البحرين ونجعله أساسا نبني عليه ما لم يتم العثور على دليل فيزيائي يعزز ما ذكر وحتى فيما يخص الثقافة المرتبطة بالنبات لا يمكننا أن نجعل وجودها من المسلمات ما لم يتم العثور على أدلة قاطعة تؤكد وجودها في الحقب القديمة.

الدراسات الأركيوبوتانية في البحرين

تعتبر دراسة تينجبيرج ولامبارد (Tengberg et Lombard، 2001) (باللغة الفرنسية) من أكثر الدراسات الأركيوبوتانية توسعا وشمولية والتي درست بقايا النباتات في أكثر من منطقة في البحرين، ويمكننا إضافة مجموعة أخرى من الدراسات المكملة لها وهي بحسب الأهمية: دراسة نيسيبيت (Nesbitt 1993) ودراسة (Gale1994) ودراسة تينجبيرج (Tengberg2005) (باللغة الفرنسية) ودراسة أندرسون وزملاؤه (Anderson et. al. 2004). في هذه الدراسات تم العثور على ثلاثة أشياء:

1 – قطع أخشاب وتم تحديد نوع النبات بدراسة تفاصيل النسيج الدقيقة تحت المجهر.

2 – بذور وحبوب لقاح متحجرة.

3 – أجزاء نباتات متفحمة، وهي تخص في الغالب النباتات التي استخدمت كوقود.

تقرير ثيوفراتس عن نباتات البحرين

من أهم المراجع عن نباتات البحرين في فترة قبل الميلاد هو ما وثقه الفيلسوف اليوناني ثيوفراتس (371 ق.م – 287 ق.م)، وهناك عدة تحقيقات أجريت على ما وثقه هذا الفيلسوف لتحديد النباتات التي ذكرها بصورة دقيقة مع تحديد الأسماء العلمية لتلك النباتات. بالتأكيد لا يمكن الأخذ بأقوال ثيوفراتس كحقيقة مسلم بها ما لم يوجد الدليل المادي، وأكدت الدراسات الأركيوبوتانية السابقة الذكر ما وثقه ثيوفراتس، ولكن ما هو مصدر ثيوفراتس عن تلك النباتات؟

مصادر تقرير ثيوفراتس

في ربيع العام 323 قبل الميلاد بعث الإسكندر المقدوني ثلاث رحلات استطلاعية إلى جزر البحرين وحصل من خلالها على أخبار جمعها مباشرة أمراء بحره أرخياس Archias وأنذروسثينس Androsthenes وهييرون Heeron وهم قواد حملاته الثلاث للدوران حول جزيرة العرب (بوتس 2003: ج2ص659-661). وما يهمنا هنا هي رحلة أنذروسثينس إذ يقال إنه دار جزئيا حول شبه جزيرة العرب وزار جزر البحرين (تيلوس وأرادوس)، وأعدَ طوافا بحريا عنونه «رحلة بحرية على طول ساحل بحر الهند». وكان هذا الكتاب أهم مصدر مباشر وحيد عن تايلوس في العصور القديمة ولا وجود له الآن، لكنه قُرِئَ على نطاق واسع واستشهد به واقتبس منه كُتَاب من أمثال ثيوفراستوس Theophrastus وأيراتوسثينس Eratosthenes وأرتيميدروس Artemidorus وبليني Pliny واثيناوس Athenaeus. وتفوق ثيوفراستس على غيره واهتم اهتماما علميا عظيما إٍلى الحد الأقصى بملاحظات أنذروسثينس. وينبغي أن يشكر لأنه خلّف لنا الأجزاء الثمينة من طواف البر والبحر الذي تناول تاريخ تايلوس الطبيعي والذي وثقه ثيوفراستس في كتابيه تاريخ النباتاتHistoria Plantarum وأسباب النباتات De Cansis Plantarum. (بوتس 2003: ج2ص837-852)

تكوين قائمة بالنباتات القديمة

في الجداول المرفقة، جدول رقم (1) وجدول رقم (2) قائمة بأسماء النباتات التي تم التعرف عليها والتي وجدت في الحقب القديمة في البحرين وصنفت النباتات في هذه الجداول اعتمادا على دراسة تينجبيرج ولامبارد بصورة أساسية.