اختتم مؤتمر «التضامن الوطني الإسلامي لمستقبل فلسطين» أعماله أمس الأول في طهران، بحضور عشرة فصائل فلسطينية، بصدور بيان مشترك أكد أن المقاومة هي مفتاح العودة والتحرير من البحر إلى النهر. وجاء البيان الختامي ليتوج سلسلة مداخلات اتسمت بارتفاع حرارة الخطاب السياسي ما أعطى للمسألة تفسيرات متخالفة عن التوقيت والظروف والمستجدات التي طرأت حتى تسبب هذا الفيض من التفاؤل.
البيان الذي تشدد في تأكيد مسألة دور «المفتاح» في التحرير والعودة لم يُشِر كالعادة إلى الباب الذي ستدخل منه أو تخرج المقاومة لتحقيق أهدافها الموعودة والمشروعة. فالمقاومة حق شرعي أعطته الاتفاقات الدولية صفة رسمية للشعوب التي تتعرض للاحتلال أو الغزوات أو الاعتداءات. وهذا الأمر الشرعي ينطبق على كل الدول من دون استثناء. أفغانستان يحق لها أن تقاوم الاحتلال الأميركي (وقبله السوفياتي) دفاعا عن أرضها وشعبها. العراق يحق له أن يقاوم الاحتلال الأميركي إلى أن يخرج آخر جندي من بلاد الرافدين. سورية يحق لها المقاومة حتى تطرد الاحتلال من الجولان كما فعل لبنان في العام 2000. فلسطين كذلك من حق شعبها أن يقاوم الاحتلال والاستيطان وتجريف المعالم وتجويف الذاكرة وتشريد الناس من قراهم.
المقاومة حق مشروع منصوص عليها في الاتفاقات الدولية وتلك الهيئات الأممية. وهذا الحق أعطي للشعوب حتى تكون في موقع الحماية من أطماع الدول الكبرى التي تستغل تفوقها العسكري النوعي للسيطرة على ثروات الأمم ومواقعها الجغرافية أو الاستراتيجية.
لا خلاف إذا على مبدأ المقاومة وشرعيتها. حتى الأمم المتحدة أعطت هذا الحق في ميثاقها، كذلك نصت مختلف القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن على حق العودة وطالبت الاحتلال بالانسحاب من الأراضي التي استولت عليها عنوة في العام 1967. الخلاف ليس على مبدأ المفتاح (المقاومة) وإنما على الباب الذي ستلج منه نحو فلسطين لتحريرها من البحر إلى النهر. تحديد مدخل المفتاح مهم لتوضيح حدود الاختلاف على مسألة المبدأ. فالباب هو الأساس ولا يقل أهمية في موقعه ودوره عن المفتاح (المقاومة).
الاختلاف على الباب شكل دائما نقطة توتر بين فرقاء الجبهة الواحدة في الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي. وتحول الاختلاف على تعيين الباب (مدخل المقاومة) ساحة للتنافس أو الانقسام بين قوى تطالب بتوسيع دائرة المقاومة (المفتاح) وقوى تصر على حصر «المفتاح» وعزله في أبواب (دوائر) جغرافية محدودة أو إبعاده إلى مناطق مجاورة.
الاختلاف على «الباب» شكل نقطة سجال سياسية على دور «المفتاح» ووظيفته الإقليمية ومعنى حشره في دوائر جغرافية ضيقة وإعفاء الجبهات الأخرى من أعباء هذه المهمة الطويلة المدى. وأدى هذا الاختلاف إلى تبرير اعتراضات أخذت تنمو ردا على تجارب قاسية في كلفتها المادية والبشرية، الأمر الذي رفع من درجة حرارة الانقسامات الأهلية في البلدان المعنية مباشرة بالتهديدات الإسرائيلية المتكررة.
لبنان مثلا تخوف من تلك الرسائل العنيفة التي وجهتها حكومة تل أبيب ضد دولته ما دفع رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى المسارعة بالإعلان عن تشكيل «هيئة حوار وطني» للبحث في توحيد جبهة داخلية تتوافق على استراتيجية دفاعية مشتركة تحمي الكيان من عدوان محتمل وتمنع صيغة الوفاق (التعايش المشترك) من الانهيار في حال بدأت المواجهة المفترضة. ومخاوف اللبنانيين ليست مختلقة أو غير مشروعة؛ لأنها أصلا تأسست على تجارب طويلة من الوعود الكلامية بالدعم والتدخل للدفاع والحماية، وحين تبدأ المعركة تترك البلاد ساحة مفتوحة للتقويض والتدمير كما حصل خلال عدوان 2006.
مخاوف اللبنانيين التي ظهرت في الأسبوع الماضي تركزت على الباب (المدخل) وليس المفتاح (المقاومة). وهذا القلق أعاد إلى الذاكرة مجموعة تجارب قاسية جدا تراكمت خلال العقود الثلاثة الماضية وانتهت كلها إلى نتائج متشابهة ما رفع من نسبة عدم الثقة بالوعود الكلامية.
هناك الكثير من الخطابات النارية أطلقت في الآونة الأخيرة في اتجاهات مختلفة وهي في معظمها ركزت على أهمية «المفتاح» في تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وأهملت موضوع «الباب» الذي ستلج منه المقاومة؛ ما أعطى صورة مبهمة عن احتمال إعادة استخدام الساحة اللبنانية منصة لإطلاق صواريخ سياسية غامضة في أهدافها القريبة والبعيدة.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2735 - الثلثاء 02 مارس 2010م الموافق 16 ربيع الاول 1431هـ
زيادة تعليق
انا حبيبت اكتب تعليق