بين الحين والآخر تزداد العلاقات بين السلطة التنفيذية والمعارضة في البحرين تأزما، وتتحول إلى انفجارات صدامية من طرف المعارضة هنا، أو تصريح توعدي شديد اللهجة من أحد المسئولين في منصب عالٍ هناك.
يتلفت المواطن البحريني يمنة ويسرة بحثا عن سبب مقنع يفسر انشداد حبل العلاقات بين الطرفين. وعلى مستوى آخر، ينعكس ذلك سلبا على مسيرة العمل الاقتصادي في البلاد، وتتعثر جراء ذلك خطوات العمل السياسي الهادفة إلى التمسك بميثاق العمل الوطني، والبرامج السياسية لدى طرفي العلاقة.
في حقيقة الأمر، إن هناك العديد من الأسباب الواضحة للعيان التي بوسعنا سردها لتفسير الكثير من حالات الاحتقان التي شهدها الشارع السياسي البحريني، خلال الفترة الأخيرة، التي أعقبت تدشين ميثاق العمل الوطني في مطلع هذا القرن، والذي كان يفترض أن يضع حدّا لحالة انعدام الثقة التي ولدتها مرحلة «قانون أمن الدولة» بين الطرفين، لكن تلك القائمة من الأسباب تبقى ثانوية، لا ترقى إلى المستوى الذي يؤدي إلى زيادة ذلك الاحتقان، وتأجيج الصراع كي يصل، في نهاية الأمر، إلى مستوى الانفجار.
الحقائق على الأرض تشهد على أن هناك سببا أساسيا واحدا يقف وراء استمرار ذلك التأزم، تعرفه جيدا السلطة وتتمسك به وترفض الإفصاح، وتبيح لنفسها حق «المعاقبة»، بشكل مباشر أو مبطن، لكل من تخوّل له نفسه تجاوزه أو حتى مسّه. لذا ما يبدو غير منطقي أو مبهم لدى المواطن، هو جلي وواضح لدى السلطة، وملموس لدى المعارضة.
لذا ليس هناك من سبب يدعو إلى سرد بعض الخطوط الحمراء التي تتشكل منها الأسباب الثانوية، إذ يكفي التوقف عند أكثرها أهمية أو تأثيرا في تجديد تأزم العلاقة.
وهنا لابد من التنويه، دون التبرير، إلى أن مملكة البحرين ليست الوحيدة التي تخضع لمثل ذلك النظام من الخطوط الحمراء. فهناك بريطانيا على سبيل المثال التي تجرد الأسرة الحاكمة، وبموجب الأعراف السياسية العريقة المعمول بها هناك، من حقها في ممارسة أي شكل من أشكال العمل السياسي التنفيذي، وتنحصر حقوقها، بفضل تلك الأعراف، في «ملك البلاد» دون «حكمها».
وفي فترات الحرب الباردة كان الدستور الأميركي يجبر من ينتمي لحزب شيوعي أن يفصح عن ذلك، ويرغم على أن يسجل ذلك رسميا لدى الجهات المسئولة.
وفي ألمانيا الشرقية، إبان كانت برلين الشرقية جزءا من الكتلة السوفياتية، كان يحظر على المواطن الألماني الشرقي «الاتصال»، بأي من الأجانب، بمن فيهم المقيمين فيها والذين يعملون في مختلف قطاعات أجهزة الدولة، خارج الدوام الرسمي، وبعيدا عن النطاق الفيزيائي لمقر العمل.
وفي بعض الدول الخليجية، لا يزال تشكيل الجمعيات السياسية جُرما يعاقب عليه من تسوّل له تأسيسها.
في البحرين، وإذا ما عدنا إلى مواد الدستور، وتحديدا المواد 1 و 32 و 33، سنجد، ومن منطلق الفهم السياسي ودون الحاجة إلى مرجعية فقهية قانونية، هناك مزج بين الحكم ورموز السلطة، الذي ربما آن الأوان إلى الإفصاح عنه بشكل أكثر وضوحا وتفصيلا وتكرارا من لدن السلطة، حتى يتم الاتفاق عليه بينها وبين المعارضة، ففي غياب مثل هذا الاتفاق سيستمر التأزم في العلاقات بين الطرفين. إذ لابد من الإشارة هنا، وبوضوح تام لا لبس فيه، إلى ضرورة اتفاق الطرفين على واحد من أمرين: إما أن توافق المعارضة، ولو بشكل مرحلي مؤقت على هذا المزج بين الحكم ورموز السلطة، أو أن تتنازل السلطة، وبشكل مطلق عن هذا الامتياز.
بقيت قضية أخرى، هي أن الهروب إلى الأمام، وخاصة من قبل السلطة، وتحاشي التوقف عند هذه النقطة ومعالجتها بشكل منهجي سلس ومسئول سيحرم الطرفين من ممارسة دوره في بناء المجتمع الديمقراطي الذي يفترض أن يكون الهدف المشترك بين الطرفين. والهروب نحو الأمام يمكن أن يفسر الكثير من ممارسة الطرفين الذي يحاول معالجة «الأعراض» عوضا عن التوجه مباشرة نحو الأسباب.
يصعب القبول بإمكانية نجاح معالجة الأعراض في التوصل إلى حل صحيح للأزمة، وإن هي حققت ذلك، فهذا يكون من محظ المصادفة التي لا ينبغي الاعتماد عليها، عند الحديث عن مشروع تحول اجتماعي/ سياسي بالمستوى الذي يبشر به ميثاق العمل الوطني.
وفي نهاية المطاف، وطالما يتحدث الطرفان عن نواياهما الصادقة من أجل التعاون لبناء ذلك المجتمع الديمقراطي، فلربما آن الأوان كي يجلسا إلى طاولة حوار وطني ديمقراطي ناضج، وصحي، وصريح، يضعان فيه مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ويتجردان من أية أنانية ذاتية تحصر نفسها في مصالح آنية ضيقة الأفق على المستويين الموضوعي والزمني.
لقد شكلت خطوة الميثاق الوطني خطوة جريئة، ربما جاء الوقت الذي نحتاج فيه إلى خطوة جريئة أخرى تنقلنا من هذا الوضع المتأزم الذي نعيشه، إلى رحاب أفق آخر يطمح إلى انتشال البلاد، كما فعل الميثاق، إلى صلح وطني شامل، من مستوى آخر أكثر رقيا بين المعارضة والسلطة، يكون فيه الطرفان قد حددا فيه، بشكل واضح وجلي حقوق كل منهما وواجباته على حد سواء.
لقد خطى ميثاق العمل الوطني خطوة لم يعد في الإمكان التراجع عنها، وهو ما ينبغي على الجميع أن يعمل من أجله.
أي عدم الرجوع إلى الوراء.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2733 - الأحد 28 فبراير 2010م الموافق 14 ربيع الاول 1431هـ
كم نحن في حاجة الى صوت الحق والعقل ؟ ؟؟
نعم لمثل هذا التحليل والخبرة , وكم نحن في حاجة الى صوت الحق والعقل , لا لاصوات الطارئين على السياسة والتشريع والمتلبسين باثواب الدين والوطنية والنزاهة والعدل ..
لانقبل ونعترض بقوة لهذه الشماعة
نحن نطلبةاو اولياء الطلية الجامعات الخاصة لانقبل ان نكون شماعة لكل اخطاء السلطة وحتى المجتمع حتى جامعة البحرين لها الفضل الكبير في صعود الفاشلين بمجرد امر فقط او جرة قلم من متنفذ ، اما تهم من هذا النوع فهذا ظلم وحتى لايظلم ابنائنا في الجامعات الخاصة بهكذا تهم فانا اح اولياء احدى الطالبات التي معذلها في الثانوية العامة 96% علمي دفعة 2006 ولكن كان قذرنا هكذا لااسباب ظالمة بان تكون بنتي ظمن منتسبي هذه الجامعات ولم اجد يوم من الايام تكاسل او قصور لامن الجامعة ولا من االطالبة بل العكس هو الصحيح
كلام سليم يا أخت منى فضل
نعم، الخطوة الأساسية والجوهرية هي الاعتراف بالحق أولاً لا أن يتم اللف والدوران بمسميات ما أنزل الله بها من سلطان. وشكراً.
بين الهبة والحق السياسي الثابت للمواطنين
مثلاً، عبر تفادي الأشكال الأكثر تطرفاً للقمع، لكن طالما أن هذه التغييرات تظهر ك”هبة” من الحاكم بدل أن تكون اعترافاً بالحق السياسي الثابت للمواطنين، لا يحدث تغيير للأنموذج)))، وعليه أكرر لا أدري لما تتجنب ملامسة إشكالية الهبة ومسألة الاعتراف بالحق السياسي الثابت، برغم من أهمية استحضارها لما لها من تأثير فاقع!
تحياتي
منى فضل
بين الهبة والحق السياسي الثابت للمواطنين
العزيز عبيدلي عبيدلي
عطفاً على تعليقاتي السابقة ألفت إلى مسألة جوهرية غالبا ما تتجاوزها في تحليلاتك بشأن علاقة المعارضة بالسلطة، في هذا الصدد أحيلك إلى مقالة اليوم للصحافي اللبناني سعد محيو في صحيفة الخليج والتي يشير فيها إلى ما يلي: (((....يمكن لبلد ما أن يظهر بعض التقدم نحو نظام سياسي أقل قمعية من دون تحقيق تقدم حقيقي نحو الديمقراطية، كما يمكن لنظام سلطوي أن يصبح أكثر “إحساناً”... التكملة في الأسفل...
الإساءة لإستغلال الديمقراطية وتفشي الجهل بالقانون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، المراقب للواقع يلاحظ تفشيا للجهل بالقانون ونمو طفيليات آسنه وتوالد حالات عديدة من الرويبضة وأصبح للفاشلين وضعا أفضل بفضل كوبونات الجامعات الخاصة التي غيرت شخوص العديد من الفاشلين وأصبح لهم موطأ قدم تحكموا في مصير البلاد والعباد مع تحيات ( باسمه العبدالله)