العدد 2733 - الأحد 28 فبراير 2010م الموافق 14 ربيع الاول 1431هـ

الأمن العالمي بين إكراهات الخصوصية والكونية

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

إن الرهانات الدولية في ظل العولمة أضحت مرتبطة بشكل أقوى بالقضايا الاجتماعية، وأقل تفاعلا مع الاستراتيجيات السياسية والعسكرية، والفاعلون الاجتماعيون أكثر حضورا على الساحة الدولية حيث المجال الدولي لم يعد حكرا على الحكومات وحدها، بل هو فضاء عمومي تتداخل فيه كل من الحكومات والأفراد والمنظمات غير الحكومية، والذي يعبر عن نوع من التصالح ما بين الإنسانية والواقع الدولي.

وهناك منظور جديد للأمن بدأ يفرض نفسه متجاوزا الاعتبارات الترابية والإقليمية والعسكرية، فالتحديات الجديدة جعلت مفهوم الأمن شموليا ومتعدد الأبعاد وأكثر التصاقا بالحياة الاجتماعية، وهذا ما جعل برنامج الأمم المتحدة للتنمية يتبنى فكرة «الأمن الإنساني» فالأمن لم يعد يقاس بمدى تقليص التهديدات، بل بمدى الاستجابة للحاجيات الأساسية للإنسان.

ونتيجة للظروف الناتجة عن اختلال التوازنات الاجتماعية وتزايد الاعتماد المتبادل بين مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، تم التعجيل بالتفكير في مبدأ إدارة شئون الدولة والمجتمع كنمط لتجديد أساليب الحكم وتفعيلها بشكل أفضل من خلال صياغة أشكال جدية في المشاركة، قائمة على التضامن والنهوض بالاحتياجات الأساسية للمواطن.

ومن الواضح بقدر ما هناك قوة في طموحات المشاريع الكونية على كافة الصعد إلا أن هناك قصورا - إلى حد ما - حين تتجسد في الواقع.

فعندما نتكلم عن المضامين الجديدة للأمن العالمي هناك كثير من التساؤلات تطرح:

تاريخيا هل تم تحقيق الأمن العالمي؟

المضامين الجديدة للأمن العالمي هل متفق عليها عالميا؟

هل يمكن مقابلة منظور السيادة الوطنية بمواطنية كونية شبه مكتملة؟

وإذا كانت هناك أنماط معقدة من أنسنة الواقع الدولي، فهل نكون انتقلنا من منظور كلاسيكي يدافع بقوة عن عدم التطابق بين حقوق الإنسان والسياسة الدولية إلى نوع من التجاوب الفعلي والمستمر وغير المستقر بينهما؟

هل مرجعية المضامين الجديدة للأمن العالمي ستنمو بسرعة واقعية السياسة الدولية؟

عندما يتم التكلم عن المضامين الجديدة للأمن العالمي يجب علينا الأخذ بعين الاعتبار حالتين:

-1 الأمن العالمي القائم على العلاقة بين الإنسان والطبيعة (البيئة).

-2 الأمن العالمي القائم على العلاقة فيما بين الإنسان وأخيه الإنسان من جهة والدول فيما بينها (الأمن السياسي) من جهة أخرى.

فيما يتعلق بالعلاقة القائمة بين الإنسان والبيئة هناك تحديات تواجه الأمن العالمي، وربما يكون التضامن العالمي لإيجاد حلول لمواجهة التحديات في هذا الصدد أكثر إمكانية منه على صعيد الأمن السياسي بين الدول. والعقد الاجتماعي هو أساس شرعية القانون في المجتمعات البشرية، وفي النظام الدولي التقليدي، الدول تتمتع بقدر من الحرية والسيادة، ولا توجد أي سلطة فوقها، ولا قانون دولي إلا ما تختاره على أساس اتفاقيات أو معاهدات تم مناقشتها بحرية تامة أو أعراف تم قبولها ضمنيا، فحرية الدولة لا تحدها سوى حرية الدول الأخرى، وإذا كانت الحالة الطبيعية تم تجاوزها في النظام الداخلي فليس الأمر كذلك في النظام الدولي إذ القوة هي المقياس الوحيد للتصرف، على الرغم من أن الأمور تغيرت مع ظهور المنظمات غير الحكومية إلا أن علاقة القوة داخل هذه المنظومة ستبقى موجودة.

وإذا كان هناك حرص على المصلحة والسلطة والأمن القومي، إلا أنه على الجانب الآخر هناك تشديد على الحق والعدالة ومراقبة الحكام والتركيز على حقوق الإنسان، وهذا ما نجده في الصراع الفكري التاريخي بين هوبز الذي يرفض منح حقوق الإنسان أي اعتبار دولي باعتبار الأمن القومي هو وحده الذي يمنح المعنى للمصالح الوطنية. وبين غروسيوس الذي كان مناصرا للمواطنة العالمية ولنظام عادل يسمو فوق كل السلطات والسيادات.

على صعيد المضامين الجديدة للأمن العالمي هناك إشكالية على مستوى تأقلم الضوابط القانونية مع القضايا أو المشكلات العارضة، فكيف يتم معالجة قضايا في ظل غياب قواعد قانونية تضبط هذه الأوضاع العارضة، مثل قضية اللحوم الملوثة هرمونيا التي انقسم حولها الرأي العالمي بين الولايات المتحدة وكندا من جانب والمجموعة الأوروبية من جانب آخر.

هناك كثير من القضايا الشائكة التي تطرح علامات استفهام حول إمكانية الاتفاق عليها وخاصة على الصعيد الثقافي، والخلاف الدائر ما بين منظمة الصحة العالمية ومصر حول ختان الإناث يعبر عن واقع هذه التناقضات، إذ تعارض منظمة الصحة العالمية هذه العملية من منطلق الدفاع عن حقوق الإنسان وتحديدا حقوق المرأة، بينما تدافع مصر عن موقفها من منطلق التمتع بالحقوق الثقافية الخصوصية للمجتمعات التي كرسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

الجانب الاستراتيجي والمصلحي مازال فاعلا وحاضرا بقوة، وكثيرا ما تتحول حقوق الإنسان إلى أداة لضغط الأقوياء على الضعفاء، وهو ما يخلق التداخل بين ما هو دولي وما هو إنساني، وبالتالي من الطبيعي أن ينعكس ذلك فيما بعد على الأمن العالمي.

إن الأمن العالمي الذي بدأت تتضح معالمة يوما بعد يوم يجعلنا أكثر تفاؤلا بمستقبل التعاون الدولي، وسيبقى القانون الدولي دعامة لهذا المستقبل وهنا نتساءل:

كيف يمكن للقانون الدولي أن يتطور؟

هل يمكن للقانون الدولي أن يتطور إلا في ظل الحياد السياسي الذي يسمح له بالمحافظة على استقلاليته؟ هل ذلك ممكن؟ تاريخيا هل تم تحقيق ذلك؟

* كاتب أردني، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org»

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 2733 - الأحد 28 فبراير 2010م الموافق 14 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً