من المثير جدا مراقبة الحراك السياسي البحريني في هذا الوقت، وملاحظة ترتيب الصفوف والأوراق، وإعادة جدولة الأجندات، وخصوصا وقد بدأ العد التنازلي للانتخابات النيابية المقبلة.

يودع النواب الحاليون كراسيهم قريبا، وكثير منهم عازم على الاحتفاظ بهذه الكراسي والعودة من جديد. بعد تجربتين برلمانيتين منذ العام 2002، وبعد مشاركة للمعارضة من الداخل بتمثيل تيار الوفاق في البرلمان، وبعد حروب خاضتها الكتل بين بعضها البعض من جهة، وبينها وبين الحكومة من جهة أخرى، يكاد كل شيء يبدو واضحا تماما. كل أوراق اللعب باتت مكشوفة على الطاولة، لم يعد هناك من جديد للمواطن العادي ليكتشفه حول توزيع الكتل النيابية وأداء البرلمان.

بنظرة محدودة لأداء البرلمان طوال السنوات الماضية، باتت كثير من الأمور جلية، تلك هي الكتل النيابية، هذا ما أنجزته كل منها، هذه هي مواقف كل منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هذا هو تعاملها مع الحكومة، وهذا هو تعامل الحكومة معها. هذه هي آليات البرلمان وطرق أدائه لعمله، وتلك هي المهام التي يناط بها.

وفي المقابل، هذا هو الجمهور، هذه هي مطالبه وشجونه ومشكلاته. كل شيء واضح لا يحتاج إلى إعادة شرح أو تفسير.

ما يحتاجه المواطن واضح، وما يستطيع البرلمان القيام به واضح، وما يمكن أن تتبناه كل كتلة من الكتل النيابية واضح وجلي.

ما هو الجديد إذا؟ هل يمكن أن تفرز انتخابات 2010 نفس التشكيلة، لتقوم بنفس الأداء، وتؤدي إلى نفس النتائج؟

لسنا هنا بصدد تقييم أداء البرلمان أو كتله النيابية، فوجوده مكسب ديمقراطي لا يجوز أن نتنازل عنه، والمشاركة فيه ضرورية لكافة الأطياف السياسية في المجتمع، ولكن لا يمكننا أن نغفل أن التحدي للحفاظ على المولود الديمقراطي يصبح أصعب قبل كل انتخابات جديدة؛ لأنك حينها تعود للوراء وتقيم نفسك وما أنجزته، وكيف يمكنك أن تكمل الطريق بطريقة أكثر إنتاجا .

كثيرون يعولون على تغيير تشكيلة البرلمان المقبل بدخول الليبراليين المعارضين إلى صفوف البرلمان، لينضموا إلى زملائهم الوفاقيين الذين سبقوهم إليه. غير أن المعارضة البحرينية على ما يبدو تعاني اليوم من إنهاك في صفوفها وفي أجندتها وفي مواقفها الموحدة.

المعارضة الإسلامية الممثلة في جمعية الوفاق دخلت البرلمان، وأصبح ممثلوها جزءا رئيسيا لا يستهان به في العملية التشريعية، ولو حاول أحد أن يرصد التغير الحاصل في خطاب جمعية الوفاق بعد دخولها إلى البرلمان لوجد الكثير.

لقد استطاعت التجربة البرلمانية أن تصقل الخطاب الوفاقي الرسمي فأصبح أكثر عقلانية واتزانا ووعيا بالمرحلة السياسية التي نمر بها. لابد أن لذلك علاقة مباشرة بالوفاقيين الذين تحولوا بين ليلة وضحاها من معارضين للسلطة، إلى مشاركين في صنع التشريعات عبر لوائح داخلية ونظام داخلي وضعته السلطة.

المعارضة الوفاقية اليوم لا يمكنها أن تتبنى خطابا هجوميا يثير البلبلة والتأجيج؛ لأنها تعرف تماما تبعات ذلك، وتعرف أيضا أنها غير قادرة على أي عمل أو إنتاج في بيئة من هذا النوع.

المعارضون الليبراليون في المقابل على اختلافات تياراتهم لم يدخلوا البرلمان، لم تتعرض خطاباتهم الرسمية «لتشذيب» البرلمان أو لنقل عقلنته بعد. فلا يزالون يتمتعون «برفاهية» تبني خطاب هجومي قد ترضي جماهيرهم. فهل سيكون هذا الخطاب لصالح الليبراليين أم وبالا عليهم في الانتخابات المقبلة؟

في المحصلة، قوى المعارضة غير متوازنة حاليا، ليس فقط لصعوبة عمل الليبراليين مع الإسلاميين، بل أيضا لأن كلا الطرفين صارت لديه حسابات سياسية خاصة تساهم في صياغة خطابه الجديد في هذه المرحلة. الجمهور، والسلطة، والقوى الوطنية، والقوى المجتمعية، وغيرها. ولعلهم يدركون جميعا أن الأوراق استنفدت، وأن تقديم الجديد بات ضرورة ملحة ومصيرية