العدد 2732 - السبت 27 فبراير 2010م الموافق 13 ربيع الاول 1431هـ

إنصافُ المحرومِين... رياض الأطفال نموذجا

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

تشير الأرقام إلى وجود 125 روضة في مملكة البحرين، وذلك طبقا لإحصائية 2006ـ2007، وهي آخذة في التصاعد إلى 139 روضة، وذلك يدعو في الحقيقة إلى القلق، لأن التوسُّع الكمي ـ كما هو الحال في الغالب ـ إنما يكون على حساب التوسُّع النوعي (الجودة)، في ظل غياب رؤية أو استراتيجية واضحة المعالم سواء على مستوى الهيكل الإداري أو الكادر الوظيفي، إذ لا يُعرف إلى حد الآن ـ على أرض الواقع على أقل تقدير ـ بأية وزارة يمكن إلحاق أو إدراج تلك المرحلة، أهي وزارة التربية والتعليم؟ أم وزارة التنمية الاجتماعية؟ أم وزارة العمل؟ وإذا تطرقنا إلى المناهج التي تُدرَّس في رياض الأطفال فقد أُطلق فيها العنان لاجتهادات الإدارات والمصالح الفئوية أو الذاتية الضيِّقة، ولا يُعلم كيف يمكن ضبط هذا الإيقاع الذي يحتاج إلى وضع مناهج موحَّدة تيسيرا لعملية القياس والتقويم، وإذا أردنا أن نضع اليد على الجرح أكثر فإن مؤشر أو مستوى الأجور يختزل حجم ومعاناة هذه الفئة، فيكفي القول بأن مديرة روضة فقط تتقاضى راتبا يصل إلى 190 دينارا ! أما المدرسات ـ فحدِّث ولا حرج ـ فيتقاضين 100 دينار، ولو تكرَّمَت إحدى الإدارات لكانت الزيادة السنوية للمعلمة بين 5 إلى 10 دنانير، في الوقت الذي تحضر البعض منهن دورات تأهيلية على حسابهن الخاص! وحتى عند صياغة قانون يخص الطفل أو رياض الأطفال فهل فكَّرنا يوما ما بأن نأخذ بمرئياتهم وتصوراتهم؟!

ثمة سؤال يراود البعض وهو: ما الذي يجب فعله لتطوير مرحلة رياض الأطفال؟

أقول: لستُ ممن يميل إلى البكاء على اللبن المسكوب، ولكن هل من سبيل لإعادة فتح وحدة تطوير رياض الأطفال (المقر الحالي لمركز سترة الاجتماعي)، والتي تأسست بداية التسعينيات بمبادرة من برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية (أجفند) المكتب الإنمائي، والذي يترأسه الأمير طلال بن عبد العزيز، وبالتعاون مع منظمة اليونيسيف، وكانت الوحدة مجهَّزة بشكل كامل حسب المواصفات العلمية، إذ كانت تضم: غرفة تدريب للمتدربات ـ فصل دراسي ـ ملحق ـ غرفة مراقبة Observation Room ـ ورشة عمل ـ غرفة وسائل ـ مكتبة طفل ـ غرفة ألعاب وغير ذلك، هذا فضلا عن أنها كانت تتعامل مع حالات حرجة وحساسة كالتدخل المبكر للأطفال الذين يعانون من مشكلات في السلوك أو المهارات الاجتماعية والتعليمية واللغوية والتواصلية وما إلى ذلك.

قبل أيام التقيتُ بمعلمة متميِّزة في أدائها، مخلصة في عملها، أدركت بوعيها وبصيرتها وانفتاحها على عالم الطفولة، أن قرار نقلها المفاجئ للتدريس في المرحلة الابتدائية بدلا من المرحلة الإعدادية، إنما كان بمثابة المكافأة لها، لسبب واحد وهو إيمانها بأن الوقت قد حان لتُلحق مرحلة رياض الأطفال بالتعليم الأساسي (أي الابتدائي).

دعونا نحدِّق بموضوعية في المجتمعات الإنسانية الراقية والمتحضرة، أوَ ليست تُقاس بمدى وعيها لتطوير المنظومة التعليمية بما ينسجم مع متطلبات العصر؟! لذا فإننا بحاجة إلى مقدمة استهلالية عند تناولنا لمرحلة أساسية تعدُّ مدخلا رئيسا ومهما لإرساء قواعد التعليم في مملكة البحرين، وإن كانت ـ وللأسف الشديد ـ مهمَّشة كمرحلة رياض الأطفال، والتي هي عبارة عن « مؤسسات تربوية واجتماعية تسعى جاهدة إلى تأهيل الطفل للالتحاق بالمرحلة الابتدائية، وذلك حتى لا يشعر الطفل بالانتقال المفاجئ أو القسري من أجواء البيت إلى أسوار المدرسة، فهو يتمتع بمطلق الحرية في ممارسة نشاطاته واكتشاف قدراته وميوله وإمكانياته، وبذلك فهي تسعى إلى مساعدة الطفل في اكتساب مهارات وخبرات جديدة، وتتراوح أعمار الأطفال في هذه المرحلة ما بين عمر الثالثة والسادسة «.

تركِّز هذه المرحلة على الطفل باعتباره «مشروع إنسان»، فهو المحور في جميع نشاطاتها الذاتية، إذ تنمِّي فيه عنصر التجريب والاكتشاف والتعلُّم عن طريق المحاولة والخطأ، وتشجِّعه على اللعب الحر، وترفض مبدأ الإملاء أو الإجبار، لتصنع منه في المستقبل إنسانا مبدعا وواعيا.

وبعبارة أخرى فإنه من المؤمَّل أن تساعد مرحلة رياض الأطفال على تعزيز روح العمل الجماعي (التعلمُّ التعاوني) لدى الأطفال، وتنمية قيم التعاون والمشاركة الإيجابية، والاعتماد على النفس والثقة فيها، واكتساب جملة من المهارات اللغوية والاجتماعية والتي ستساهم بلا شك في تمثُّل الاتجاهات السليمة في المشهد التعليمي.

وللحقيقة فإن القبَّة البرلمانية لم تكن غائبة عن هذه القضية، وثمة نداءات كثيرة قد طرحت على مدى السنوات السابقة، لكن لم يُحرز أي تقدم حقيقي إلى حد الآن، ولكن من حسن الطالع أن المجلس الوطني بغرفتيه (الشورى والنواب) يناقش حاليا قانون الطفل، وهي مناسبة من الجدير استثمارها لتسليط الضوء على معاناة المعلمات والعاملات في رياض الأطفال، فقبل أيام أقرَّ مجلس النواب البحريني قانون الطفل، ومن ثم أحاله على مجلس الشورى، وفي حال إقراره عند الأخير فإن الضرورة تقتضي أن تُلحق المواد المتعلقة بحق التعليم إلى قانون التعليم، والمتعلقة بالرعاية الصحية والأولية إلى قانون الصحة، وتلك المواد المتعلقة بالعنف ضد الأطفال أو سوء معاملة الأطفال أو عمالة الأطفال وغيرها إلى كلٍّ من وزارتي التنمية الاجتماعية والعمل وهكذا، وخصوصا أن أهم بنوده يتضمن تكفُّل الدولة بحماية الطفولة والأمومة ورعاية الأطفال والعمل على تهيئة الظروف التي تساعد على التنشئة الصحيحة من جميع الأبعاد، تحقيقا للحرية والكرامة الإنسانية، وتعهُّد الدولة باحترام الحقوق المنصوص عليها في هذا القانون دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.

إن موافقة مجلس الوزراء على قيام صندوق العمل (تمكين) بدعم رواتب العاملات في رياض الأطفال بمكافأة مالية قدرها 30 دينارا شهريا تدفع لهن من خلال الصندوق المذكور لمدة سنتين وإلحاقهن بدورات تدريبية متخصصة بغية رفع كفاءتهن الإنتاجية، وكذا الاستفادة من مشروع تحسين الإنتاجية وتقديم التسهيلات المالية لرياض الأطفال باعتبارها مشروعات خاصة مؤهلة للحصول على دعم «تمكين»، كل ذلك يصب في ضرورة الاهتمام بهذا القطاع بغضِّ النظر عن حجم الدعم، ولأننا مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالتأمُّل في مفردات العنوان العريض «التعليم في خطر» ضمن التقرير الجديد الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للعام 2010 تحت عنوان «الطريق إنصاف المحرومين» والخاص بالتعليم للجميع، لأدركنا كمهتمين بتطوير وإصلاح التعليم الذي هو مستقبل البحرين الأجمل كم نحن بحاجة إلى إنصاف المحرومين من المعلمات والعاملات في رياض الأطفال.

يقول رائد المدرسة السلوكية عالم النفس الأميركي جون واطسون « أعطوني عشرة أطفال أصِحَّاء أسوياء التكوين لأختار أحدهم جزافا وأدرِّبه فأصنع منه ما أريد: طبيبا أو فنانا أو عالما أو تاجرا أو لصا، بغضِّ النظر عن ميوله وسلالة أسلافه»

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 2732 - السبت 27 فبراير 2010م الموافق 13 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:08 ص

      إنصافُ المحرومِين... رياض الأطفال

      أخي الكريم فاضل حبيب بعد التحية والاكرام لك وإلى جريدة الوسط الموقرة . نحن مجموعة مدرسات وعاملات رياض أطفال نشكوا من إطهادنا من إدارات الروضات ومن مؤسسات الحكومه ومنها وزارة التنمية التي ذالتنا كل يوم عن تعويض ضد التعطل عن شهر 9و10 2009 بأثر رجعي أين التعويض لحد الان لم نرى شيء واذا سألت عن سبب التأخير زفوك وأخرجوك .أخي الكريم وجريدة الوسط الموقرة بما إنك تكلمت عن بعض هموم رياض الاطفال نحن المدرسات والعاملات نطلب منكم أن تتحرروا عن موضوع التعويض وتنشروا حرماننا من مكرمة التعويض . وشكرا

    • زائر 2 | 3:37 ص

      مدرسة روضة

      أعمل في روضة ناجحة جدا من حيث العدد و الاقبال عليها و لها فرعان في السهلة و جدحفص و عدد طلاب كل صف يفوق العشرين و صاحبة الروضة تعد نفسها لكي تصبح سيدة مجتمع أو سياسية تنصف المستضعفين و لكن في الجانب الأخر أوضاع العاملات في الروضة من سيئ الى أسوء رواتب متدنية اعباء في ازدياد لا تجهيزات و لا ادوات و مجرد شو و فشار على الاهالي على الرغم من رفع الرسوم على أولياء الامور. من ينصفنا

    • كشاجم | 1:13 ص

      الجودة ليست بالمجان

      الجودة تحتاج إلى رواتب تدعمها والرواتب تحتاج إلى رسوم ترفعها والرسوم تحتاج إلى رواتب مرة أخرى لتدفعها.
      الأصل رفع الرواتب في كل الإتجاهات وإلا الجودة غير ممكنة.
      ثم أن الجودة ما هو معياركم لها ؟ هي روضات وليست مدارس أو جامعات يا فاضل حبيب.
      تحياتي

    • زائر 1 | 11:25 م

      وانا وياك برايك أخي فاضل

      احنا مو بلدنا الحين على قدم وساق فيما يتعلق بجودة الأداء إذا فأنا أرى ما رأيته أخي فاضل بأهمية تدريب المرسات العاملات بالروضات خاصة وأن منهن من يعطي بتميز وثلهن يستحقن الالتفات والاهتمام
      وندعو وزارة العمل والشئون الاجتماعية لاحتضان هذه الفكرة وطبعا أكيد تحسب نقطة ايجابية كبيرة في الارتقاء بالمواطن وتطويره عساكم على القوة ودائما كلماتكم بناءة ياهل البلد الطيبين

اقرأ ايضاً