إن حجم التغييرات المطلوبة لتخفيف حدة تغير المناخ والتكيف معه لم يسبق لها مثيل. ويواجه الناس من جميع شرائح المجتمع مسئولية إدخال تغييرات في خياراتهم المتعلقة بنمط الحياة: من المنتجات التي يستهلكونها كالسيارات والغذاء، إلى الأماكن التي يمضون فيها إجازاتهم، إلى الأبنية التي يعيشون ويعملون فيها.
وتمثل معايير الغازات الدفيئة دورا أساسيا في هذا التحول، وهي توفر ضمانات الشفافية والنوعية المطلوبة للملصقات الموضوعة على المنتجات وشراء اعتمادات الكربون وتنظيم انبعاثات الشركات وإصدار شهادات ترخيص للمسئولين عن قضايا غازات الدفيئة الذين يقدمون الخدمات ويديرون برامج الشركات والبرامج الحكومية.
وفي هذا الإطار، أصدرت المنظمة الدولية للتقييس (الأيزو) مسودة عمل لمشروعين جديدين يخصّان ‘’البصمة الكربونية للمنتجات’’، من خلال اللجنة الفنية لإدارة غازات الدفيئة في سلسلة الإمداد ISO / TC 207 / SC7 / WG2 العام 2008، ومن المقرر إنجازهما سنة 2011. يتطرق هذان المشروعان إلى ما يأتي:
أولا: ISO 14067-1 البصمة الكربونية للمنتجات ـ تحديد القيمة. يفصِّل هذا الجزء مبادئ ومتطلبات قياس البصمة الكربونية للمنتجات (بما في ذلك السلع والخدمات). وهو يشمل متطلبات تعيين الحدود لتقييم انبعاثات الغازات الدفيئة والنشاطات المختلفة طوال دورة حياة المنتج. كما يوفر متطلبات لتقييم البصمة الكربونية المعيارية واستخدام ‘’أنظمة فئات المنتجات’’ التي تم تطويرها وفقا للمواصفة القياسية الدولية ISO 14025 وتتماشى مع متطلبات هذا المشروع الدولي.
هذا الجزء لا يصف بالتفصيل المنهجية التي يجب اتباعها في كل مرحلة من مراحل الدراسة، لكنه يفصّل المبادئ والمتطلبات الإطارية لتحديد الطرق الضرورية، ويشير إلى المواضيع التي ستؤخذ بعين الاعتبار خلال مرحلة تحديد الهدف والنطاق.
ثانيا: ISO 14067-2 البصمة الكربونية للمنتجات ـ عمليات الاتصال والتبليغ. يركز هذا الجزء على تبليغ النتائج الناجمة عن تحديد قيمة البصمة الكربونية للمنتجات. وهو يشمل المتطلبات والتوجيهات الخاصة بتطوير واستعمال المعلومات اللازمة للتبليغ عن البصمة الكربونية للمنتجات إلى مجتمع الأعمال والمستهلكين، بما في ذلك إعداد التقارير وتحديد مسؤوليات أنشطة التثبت.
إن البلدان العربية بحاجة إلى المشاركة بفعالية في هذا العمل الدولي لتوحيد مقاييس البصمة الكربونية للمنتجات. وتنشأ هذه الحاجة من الأسباب الآتية:
أولا: مع استمرار تدهور نوعية الهواء في المدن العربية، تزداد تكاليف العواقب الصحية والبيئية بشكل حاد. ويقدر أن المشاكل الصحية التي تعزى إلى تلوث الهواء من قطاع النقل وحده تكلف البلدان العربية أكثر من خمسة بلايين دولار سنويا.
ثانيا: تعاني معظم البلدان العربية، وخصوصا العواصم والمدن الرئيسية، من تلوث الهواء بدرجات مختلفة. فنحو 90 في المئة من إجمالي انبعاثات أول أوكسيد الكربون في المنطقة ناتج من وسائل النقل، ويقدر أن البلدان العربية تطلق مجتمعة نحو 16 مليون طن سنويا من أول أوكسيد الكربون. من جهة أخرى، أدرجت تقارير حديثة بلدانا عربية عدة بين البلدان الخمسين الأوائل التي تطلق قطاعات الطاقة فيها أعلى معدلات ثاني أوكسيد الكربون. وهذه البلدان هي المملكة العربية السعودية (75.9 مليون طن، المرتبة 22 عالميا) ومصر (45 مليون طن، المرتبة 30) والكويت (19 مليون طن، المرتبة 48) والجزائر (17.7 مليون طن، المرتبة 49).
ثالثا: قد يكون للتأثيرات المحتملة لتغير المناخ عواقب سلبية على تنمية المنطقة العربية، مثل انخفاض الإنتاج الزراعي وتقلص الغطاء النباتي وخسارة التنوع البيولوجي والتراجع في تأمين الغذاء فضلا عن تهديد الاستثمارات الاقتصادية الحيوية. أما العواقب الاجتماعية الناتجة من نزوح المواطنين من المناطق المتأثرة إلى مناطق أخرى ضمن البلد ذاته، أو إلى بلدان مجاورة أو بلدان أخرى، فقد تؤدي إلى ازدياد الضغط على البيئة والموارد حيث يستقرون. وتكون لذلك عواقب على الصحة العامة نتيجة تزايد تلوث الهواء وموجات الحر الشديد ومجموعة كبيرة من الأمراض المعدية.
رابعا: هناك مشكلة رئيسية في المنطقة العربية هي أن بلدانا قليلة فقط تراقب مستويات تلوث الهواء بشكل كاف ومنهجي ومنتظم، ما يجعل الأبحاث العلمية والتوصيات السياسية مهمة صعبة
العدد 2732 - السبت 27 فبراير 2010م الموافق 13 ربيع الاول 1431هـ